«كانت الثورة تنتظر هذا اليوم بشغف من أجل التحرير الوطني، إنه يوم عظيم كان ينبئ بالنصر الأكيد، لقد وقف الشعب في الشرق والغرب كرجل واحد، أنتم خضتم أكبر معارك الأوراس، لقد فقدتم بعضا من الرفقاء الأعزاء الذين بكيناهم جميعا لكن مسيرة الحرية قد بدأت»..
هي كلمات قالها الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد للمجاهدين بمنطقة كيمل، بعد ثلاثة أيام من المعركة الشهيرة تبابوشت التي وقعت بتاريخ 7 ديسمبر 1954.
في زيارتنا لدشرة أولاد موسى لم تكن هناك أية مؤشرات توحي، بأن هاته الدشرة الصغيرة ستغير مجرى التاريخ وتصنع صفحات إحدى أروع وأعظم ثورات القرن الـ20 ، ثورة حيرت العالم وكشفت عن الوجه الحقيقي والقبيح لفرنسا الإستعمارية.
تتواجد دشرة أولاد موسى التي إحتضن أحد منازلها المعروف بمنزل «الإخوة بن شايبة» اجتماع الـ6 الكبار مفجري الثورة، ببلدية اشمول التابعة لولاية باتنة على سفح جبل اشمول، يقابلها جبل الظهري الكثيف المغطى بأشجار الصنوبر والمحاط بالوادي الأبيض، تتميز الدشرة بمنازلها المرتفعة والتي يتواجد تحتها عدد كبير من المزارع والبساتين.
وهو ما جعل من منزل الإخوة بن شايبة مكان يكفي الإقتراب منه لتشعر بالرهبة والكبرياء، والقداسة وحتى الخوف والفخر لأن الثورة انطلقت ذات نوفمبر من هنا، وهو ما جعل منها معقلا لثوار رفعوا التحدي وراهنوا على عدالة قضيتهم رغم قلة الإمكانيات واختلال موازين القوى.
لقد تم وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لإندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر من طرف لجنة الستة، حيث ناقش المجتمعون قضايا هامة هي: إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل، و اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني.
تهدف المهمة الأولى للجبهة في الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على الإلتحاق بالثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي، و تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية.
الثورة بدأت هنا
بدشرة أولاد موسى أو عين الحمام كما كانت تسمى وبالتحديد في ليلة 31 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1954 في جنح الظلام ، كان هناك أكثر من 260 مجاهدا يخترقون بأقدامهم سكون الليل وظلامه الحالك الذي عهدته المنطقة آنذاك، حيث اجتمعت قيادة المنطقة الأولى «أوراس النمامشة» ببيت بن شايبة تحت إشراف البطل مصطفى بن بولعيد.
تلقى المجاهدون في هذا اللقاء التاريخي أسلحتهم الأولى، وقسموا إلى أفواج لضرب مراكز العدو الفرنسي، في كامل المنطقة الأولى وقد تشكلت قيادتها في تلك الليلة من مصطفى بن بولعيد قائد المنطقة الأولى، بشير شيحاني نائب قائد المنطقة الأولى، عباس لغرور عضو المنطقة الأولى، مرود عزوي أمين المال، عاجل عجول عضو المنطقة الأولى، بوستة مصطفى عضو المنطقة الأولى.
أستخرجت الأسلحة المدفونة منذ 1948 بمنطقة كيمل ووزعت على المجاهدين، وكلفوا بالمهام اختيرت كلمة السر «خالد عقبة» التي بدأ المجاهدون يرددونها في الجبال وكلهم يقين بالنصر.
أكدت مصادر ثورية عديدة لـذاكرة الشعب» أن بداية الثورة كانت بمشاركة 1200مجاهدا على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط، وكانت الهجومات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة.
وبإعتراف السلطات الإستعمارية، فإن حصيلة العمليات المسلحة ضد المصالح الفرنسية عبر كل مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر 1954، قد بلغت ثلاثين عملية خلفت مقتل 10 أوروبيين وعملاء وجرح 23 منهم وخسائر مادية تقدر بالمئات من الملايين من الفرنكات الفرنسية.
رغم مرور أزيد من 59 سنة، على إحتضان منزل الإخوة بن شايبة للشرارة الأولى للثورة المظفرة، لا تزال نفس البيوت «المقدسة» تحتفظ بأسقفها المصنوعة بالديس والطين في مشهد يوحي بإصرار التاريخ على الصمود وتبرز المعاينة الميدانية التي قامت بها «ذاكرة الشعب» ، للموقع أن كل شيء لم يتغير فالغرف التي جمعت الرعيل الأول من المجاهدين تحظى بالعناية الكافية.
إذ لم تتعرض إلى أي تغير أو تشويه أو حتى تدخل بشري ما يجعلها تحتفظ بقيمتها التاريخية، ويسهل الطريق المعبد الوصول إلى المكان «الرمز»، حيث يتواجد بالقرب من فناء فسيح أقيم به نصب تذكاري كبير يخلد مآثر الثورة التحريرية.
تتواجد بالمكان لوحة جدارية بها قائمة للشهداء بمحاذاة متحف صغير يضم معدات ووثائق ويحكي عن بطولات المنطقة وأحداثها الثورية، التي ما تزال شاهدا على بطولات شعب أحب الحرية فرض العيش بدونها.