علي بطاش، متقاعد من سلك التربية من الأساتذة المهتمين بالبحث في التاريخ، كان كثير المطالعة ومنخرطا في الجمعية النقابية والرياضية المهتمة بالتراث، علما أن بحوثه بدأها بتقديم محاضرات عديدة عبر المدن والقرى وتنظيم معارض.
صدر له أول كتاب حول الشيخ الحداد بحكم أنه ابن المنطقة، وتمكن من الإطلاع على شخصية أحمد فدال المدعو سي حميمي، عبر الكتب القيمة التي عثر عليها وتحتوي على معلومات حول هذه الشخصية التاريخية.
سي حميمي شخصية تركت بصماتها في الثورة
اهتمامه بالتاريخ يعود إلى فترة التدريس في الطور المتوسط، عندما كان أستاذا في مادتي التاريخ والجغرافيا، يقوم بتحضير الدروس للتلاميذ التي اعتمد فيها على مراجع عديدة، ومع مرور الوقت تمكن من الحصول على مادة تاريخية كبيرة ساعده فيها التلاميذ بتقديم الأرشيف والمراجع المتعلقة بالتاريخ، تلاميذته تأثروا به.
يوضح في حديث لـ “ذاكرة الشعب” انه أعجب بهذا المسؤول الثوري بالولاية التاريخية الثالثة الذي أثر في التاريخ من خلال بطولاته، ويعتبر عدم الكتابة عنه بأنه جريمة في حقه وحق الأجيال القادمة التي ينبغي أن تعرف مسيرة أجدادها البطولية.
ويضيف بطاش: «تدوين تاريخ سي حميمي يتطلب إمكانيات كبيرة، لم يكتب عنه إلا سطحيا فعدد المعارك التي قام بها تفوق 150 معركة، وأنا أول من كتب عنه ليستند إليه المؤرخين»، ويشير إلى إصداره كتابا حول جرائم فرنسا في الجزائر وكتب أخرى مدرسية، ويعتزم تأليف كتاب حول منطقة صدوق أثناء الثورة يتطرق فيه لتاريخ المنطقة بالتفصيل.
سلط الباحث الضوء على هذه الشخصية، بحكم تقلده عدة مسؤوليات بالولاية التاريخية الثالثة منها رائدا ومسؤولا بالمنطقة ومنخرطا في مجلس الولاية التي قام بتمثيلها على مستوى الولايتين الأولى والثانية، وكذا مندوب الحكومة المؤقتة في مؤتمر طرابلس، بحيث ترك بصمة في النضال الثوري.
حاول بطاش الحصول على كل الكتب الصادرة في الجزائر التي تتناول هذه الشخصية ولو بشكل سطحي كي ترتسم لديه فكرة عامة عنه، فاتصل بالعائلة وبعض الأشخاص المقربين منه والأصدقاء الذين يعرفونه كي يزودوه بشهادات، منها محاضرات لعدة ساعات ألقاها سي حميمي في مناسبات وطنية.
ويقول:” أحمد فدال حين يتكلم عن التاريخ فهو حقيقي، لأنه يقدم شهادة صحيحة ويذكر الأماكن والأحداث والسنوات والأشخاص بالتفصيل حتى وصف بجهاز إعلام آلي أي «كومبيوتر»، بحسب شهادة الباحثين كمحمد عباس، يحيى بوعزيز، عبد الحفيظ أمقران، واعلي وكل من عرفوه أثناء الثورة”، ويضيف أن سي حميمي عرف ببساطته رغم مستواه الدراسي المحدود، صراحته وحبه التقرب من الناس.
عاش كل أحداث الثورة في الولاية التاريخية الثالثة، ليس له ما يخفيه وهو من الرعيل الأول للثورة شارك في العديد من الأحداث، وكان السبّاق في نشر الثورة في مربع قنزات، صدوق، جعفرة وأقبو بخوضه أولى المعارك في هذه المناطق، كمعركة جسر الدرك في سبتمبر 1955، صدوق، معركة بلاقة في 20 أوت 1955، ابن اوتلان، سطيف، أكمين تلاسوست، ماي 1955، جعافرة برج بوعريريج.
كتاب حول منطقة صدوق أثناء الثورة
حسب المؤلف، المشكل ليس في التاريخ، بل في نقص مقروئية الكتب التاريخية الذي يعد مشكلة عامة، وعزوف الناس عن القراءة مرّده فقدان الثقة واستعمال التاريخ كإيديولوجية واعتماده كمناسباتي يجعل الناس تعزف عن التاريخ.
ويبرز محدثنا اهتمام الناس بالتاريخ المحلي مؤخرا لأنه يخصّهم مباشرة، وبالنسبة لتدوين ذاكرة الأمة الجزائرية، يقول الباحث أن هناك تأخرا في كتابة التاريخ الوطني.
ويضيف أن هناك مذكرات أيقظت الهمم ودفعت للنقد والكتابة رغم أنها كانت عنوان قلق وإحراج للكثيرين، قائلا: «أطمئن الجميع أن المذكرات ليست تاريخ، بل هي شهادة لشخص يتحمل مسوؤليته، المؤرخ هو من يجعل لها فعالية عن طريق القيام بالمقارنة»، ويطالب الذين يكتبون المذكرات التحلي بالموضوعية، والإعتماد على الشهادات الحية والوثائق الحقيقية، ليكون البحث مؤسس كون التاريخ لا يرحم.