إبراهيم زودر القاسم المهاجي خريج الأزهر الشريف سنة 1953 وحامل لشهادة الليسانس يتكلم أكثر من خمس لغات اسمه. إغتالته الشرطة الفرنسية بتاريخ 30 نوفمبر 1954 ورمت جثته بوادي الحميز بالعاصمة حتى أكلتها الكلاب، بعدما تعرض لأنواع التعذيب من الاستعمار الفرنسي .
إبن الشيخ الطيب المهاجي أحد أبرز علماء وهران وهو من أبناء المدينة الجديدة بوهران اعتقل سنة 1954. ابن عمه مولود المهاجي من مؤسسي مدرسة “الفلاح” بحي المدينة الجديدة (قرية الزنج في لغة المستوطنين). كان الشهيد شاعرا و صحفيا . كتب عدة مقالات بأسماء مستعارة منها عبد الرزاق الجزائري.
ولد بلقاسم إبراهيم زدّور بوهران في 2 فيفري 1923، وسط عائلة علم وتربية، حفظ القرآن في سن التاسعة، وكان إلى جانب ذلك يزاول دراسته بمدرسة باستور (الفرنسية) بنفس الحي.
بعد حصوله على الشهادة الابتدائية عام 1937 واصل دراسته الإكمالية بمعهد باستور، لكن سلك الدراسة النظامية ما لبث أن اضطرب بسبب الحرب العالمية الثانية ومضاعفاتها، استكمل تعليمه بالعربية على يد والده الذي أخذ عليه كذلك مبادئ الفقه.
عاش الطالب زدور بتونس فترة حاشدة بالتحصيل العلمي حافلة بالنشاط السياسي والثقافي، وقد اتخذ لنفسه يومئذ إسما أدبيا ونضاليا هو قاسم زيدون، وما لبث أن اقتحم مجال الكتابة الصحفية والأدبية في الصحافة التونسية، بعد أن كوّن ثلة من خيرة الطلبة اجتهادا في الدراسة ومشاركة في النضال الوطني.
دفعه التوقف الاضطراري عن الدراسة المنتظمة إلى الخروج في طلب الرزق، عبر نافذة التجارة التي فتحت أمامه كذلك باب النضال في “حزب الشعب الجزائري” (المحظور)، رفقة صديقه القائد الشهيد بوتليليس حمو. اعتقل بتهمة التخطيط لمظاهرات فاتح ماي 1945 بعاصمة الغرب الجزائر.
وفي جانفي 1946 مثل أمام المحكمة العسكرية مع عدد من رفاق النضال التي لم تجد في ملفه ما يدينه فبرأت ساحته، وتم الإفراج عنه بناء على ذلك في 30 من نفس الشهر.
استأنف إثر ذلك نشاطه التجاري والنضالي إلى غاية خريف 1946، ليلتحق بجامع الزيتونة في تونس، وقد تم قبوله في السنة الثالثة نظرا لمستواه التعليمي..
عاش الطالب قاسم زدور بتونس فترة حاشدة بالتحصيل العلمي حافلة بالنشاط السياسي والثقافي. و اتخذ لنفسه يومئذ إسما أدبيا ونضاليا هو قاسم زيدون، بعد أن أصبح من المساعدين المقربين للمناضل عبد الحميد مهري، مسؤول فرع حزب الشعب الجزائري (السري) بتونس ومنشط الطلبة الوطنيين هنا.
وما لبث أن اقتحم مجال الكتابة الصحفية والأدبية في الصحافة التونسية، بعد أن كون ثلة من خيرة الطلبة اجتهادا في الدراسة ومشاركة في النضال الوطني.
عرفت هذه الثلة بـ”القواسم الثلاثة”، وهم بالإضافة إلى قاسم زيدون، الشهيد قاسم رزيق والفقيد قاسم مولود. وكانت هذه الثلة يومئذ تتخذ من الطربوش (العثماني) شعارا للأصالة والتفتح في آن واحد.
في صائفة 1948 عاد قاسم زيدون إلى وهران يحمل الشهادة الأهلية من جامع الزيتونة.. غير أن طموحه – فضلا عن تشجيع والده – أبى عليه إلا أن يواصل مشواره التعليمي في الموسم الموالي بالعودة إلى تونس بعض الوقت قبل أن يتمِّم شطر القاهرة في ربيع 1949، فاتحا بذلك الطريق أمام بعض عناصر ثلثه مثل مبارك ماضي وقاسم مولود الذي التحق بصديقه في فيفري 1950.
اختار قاسم زيدون كلية دار العلوم، وما لبث أن وجد بالقاهرة فسحة لاستئناف النشاط النضالي الوطني الذي كان يقوده من العاصمة المصرية آنذاك المناضل الشاذلي المكي. ووجد بها كذلك فضاء رحبا للكتابة الصحفية.
كان في هذا المجال يمد بكتاباته بين الفينة والأخرى صحيفة المنار(1)، مثل مقاله في فيفري 1952 حول “المحمدات الثلاثة”: محمد علي جناح (باكستان)، محمد مصدق (إيران)، محمد صلاح الدين (وزير خارجية مصر).
توطدت علاقات قاسم زيدون أكثر بمكتب حزب الشعب الجزائري بالقاهرة بعد دعمه بالمناضلين محمد خيضر وحسين آيت أحمد. ويؤكد ذلك الفقيد قاسم مولود الذي يقول في هذا الصدد: “كنا أحيانا ننشغل بالدراسة عن زيارة خيضر ورفاقه، فكانوا يبادرون هم بزيارتنا”.
شهادة آيت أحمد
ويشهد آيت أحمد الذي حل بالقاهرة في بداية ماي 1952 للفقيد بالثقافة والفعالية النضالية إذ يقول: “كان الشهيد مثقفا بالعربية والفرنسية، وعلى قدر كبير من التكوين النضالي الذي حصل عليه في صفوف حزب الشعب – حركة انتصار الحريات الديمقراطية – وقد أفادنا كثيرا بمعرفته للأوساط السياسية المصرية”.
هذه الحيوية النضالية لم تمنعه من استغلال فرصة دار العلوم، بتعلم لغات أخرى – إلى جانب العربية والفرنسية – مثل الانجليزية والفارسية.. وإتمام دراسته كذلك في الموعد المحدد؛ إذ تخرج في سبتمبر 1953 حاصلا على شهادة ليسانس.
وقبل أن يغادر القاهرة أواخر 1953 (أو مطلع 1954) استخرج شهادته من الكلية، بعد أن تقدم في هذا الشأن بطلب إلى عميدها بتاريخ 16 نوفمبر من نفس السنة، وقد حرص على التصديق عليها بالقنصلية العامة الفرنسية في 26 من الشهر نفسه.
وفي طريق العودة إلى وهران عرج على العاصمة، حيث التقى من جديد برفيق النضال في تونس عبد الحميد مهري، وبقيا على اتصال إلى غاية اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954.
وحسب ملف قدم من عائلة الفقيد إلى الباحث محمد عباس ، فضلا عن شهادة لصديقه الفقيد مولود قاسم نايت بلقاسم، ومقال للشيخ بوعمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، فإن سلطات الاحتلال اعتقلته في 2 نوفمبر 1954، ثم أفرجت عنه، ثم اعتقل من جديد في 6 نوفمبر من نفس السنة.
تعرّض لأبشع تعذيب إلى أن لفظ أنفاسه، حيث أن سلطات الفرنسية ادّعت أنّه فرّ من سجنه غير أن بعض التقارير الصحفية تحدّثت عن العثور على جثة في 30 نوفمبر 1954 ما بين برج الكيفان وشاطئ الجزائر.
تعرّض الشهيد لتعذيب قاتل على يد شرطة مديرية حماية الإقليم (D.S.T) بسيدي الهواري. وعلمت المديرية المركزية في العاصمة بهذا الصيد الثمين فأمرت بنقله على جناح السرعة.
لكن لما عرض على أحد المفتشين بالعاصمة لم يجرؤ على استنطاقه وهو في حالته تلك من التعذيب القاتل، فعوضه في هذه المهمة القذرة المفتش “لوفريدو” المعروف جيدا لدى مناضلي العاصمة فهو الذي قام بتعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
بلغ الشيخ الطيب المهاجي أن ابنه تعرّض لتعذيب شديد، فسارع مرفوقا بولده الأكبر محمد للبحث عنه، فقيل لهما إنه نقل إلى الجزائر، ولما جاءا العاصمة واتصلا بمصالح الهيئة المذكورة في بوزريعة، قيل لهما إنه تمكن البارحة (13 نوفمبر) من الفرار.
بدأت صحيفة “ليكو دالجي” (الاستعمارية) تروّج لهذه الرواية الكاذبة ابتداء من 19 جانفي 1955، زاعمة أن الضحية “استطاع الهروب من نافذة دورة المياه بمقر شرطة العاصمة”.
وتطرقت صحيفة “بورجو” إلى الماضي السياسي للشهيد، معتبرة ما أدلى به تحت التعذيب اعترافات
وتحدثت صحيفة “ليكسبراس” عن أن الشهيد لفظ أنفاسه تحت التعذيب، لحظات بعد وصوله من وهران حيث عذب إلى درجة أنه لم يعد يستطيع الكلام.
وحسب الصحيفة دائما أن جثته وضعت في كيس مثقل بـ70 كلغ من الرصاص ونقل في قارب لترمى في أعماق البحر على نحو 40 كلم من شاطئ الجزائر العاصمة.
ونددت بمفتش الشرطة الذي كتب تقريرا مزيّفا حول الفرار المزعوم للضحية، الطبيب المتواطئ الذي زعم أن الضحية مات غرقا، العدالة التي رفضت النظر في القضية التي رفعتها عائلة الفقيد.
وكانت صحيفة “لوجورنال دالجي Le Journal D’algérie” أول من أشار بطريقة غامضة إلى اغتيال الطالب قاسم زدور، في عدد 30 نوفمبر 1954. وتحدثت عن اكتشاف جثة ما بين برج الكيفان وشاطئ الجزائر، وقدمت بشأنها المعلومات التالية: جثة مكتوفة اليدين والرجلين لشخص تناهز قامته 1.65 متر، وهو ليس بعامل يدوي.
رجحت أن تكون الجثة لشخص أوروبي رياضي، بناء على عضلات الفخذين ،أن الجثة ربطت بسلك حديدي وخيط سميك من خيوط الصيد يبدو جديدا، ويبدأ الربط من مستوى العنق ويلتف حول الخصر قبل ربط القدمين. وأن الدكتور “غودارت” فحص الجثة واستخلص أن صاحبها مات غرقا، وأنها بقيت في الماء نحو شهر.