التحقت بصحيفة الشعب الغراء بعد منتصف «التسعينات «وأنا طالب بالجامعة في ظرف أمني صعب كانت تعيشه الجزائر، وسط زخم إعلامي حاد في تناوله لبعض الملفات، كانت بدايتي الإعلامية في هذه الجريدة مدرستي الأولى.
ففيها تعلمت، وأخطأت وتدربت، كنت أكتب المقال وأعيده خمس مرات، بعد كل تصحيح، ففيها تعلمت التعامل مع المصطلحات السياسية والدبلوماسية فيما أكتب وأحرر، وأن أكون مع الجميع سواسية أخدم الحدث بغض النظر عن الأشخاص والجهات والمؤسسات حكومية كانت أو خاصة حزبية أو مدنية أو عسكرية.
تعلمت فيها حقيقة العمل الميداني، وبفضلها زرت كل ولايات الوطن في تغطيات متنوعة، والتقيت بسفراء ووزراء وكثيرة هي الشخصيات التي مررت عليها محاورا، أو سائلا، أو زائرا.
كانت البداية خاطرة هائجة، سكنت في ركن مساهمات أدبية، في زمن الزميل مختار سعيدي رحمه الله، ثم ما لبثت أن التقيت مديرها العام الأستاذ عز الدين بوكردوس رحمة الله عليه، وعرضت عليه التعاون كمتربص فقط مجانا في القسم السياسي، استغرب الرجل، وكلفني على الفور بتغطية ميدانية، فعدت في يومها مستكملا ما طلب مني، على الفور تم التعاقد معي متعاونا.
كنت أكتب و»أشاكس « أحيانا، فأنسى أني في صحيفة عمومية، وأقر في دواخلي أنّ هذا المقال لن ينشر وأكتبه، ناقد لوزراء وشخصيات سياسية وحتى رئيس الحكومة يومها، وفي الصباح أندفع هاربا قبل الإفطار إلى الكشك فأجد مقالي يتصدر الصفحات السياسية.
كانت لنا مساحة نعبّر فيها بهدوء بموضوعية دون طعن في الهيئات والأشخاص أو التجريح في الخصوصيات، هكذا كانت مدرسة «الشعب» وهكذا تعلمت فيها، لا ننظر للأحداث دائما بزاوية حادة، ففيها الطيب والغث وفيها وفيها.
كانت الجريدة مفتوحة للجميع خدمة عمومية متاحة، نتحدث في الصفحة الواحدة عن كل الأحزاب وكل الفعاليات وإن كانت متناقضة في المواقف والآراء.
بل أذكر أن صحفا ومؤسسات إعلامية يرمز لها « بالبنان « كانت تستسقي صفحاتها الأولى من ما كتب في جريدة «الشعب»، وحين ذهبت شاكيا للمرحوم بوكردوس، ضحك كعادته، وقال : عادي يا ولدي عادي …
كنا ثلة يجمعنا المقر بالقرب من البريد المركزي، نلتقي في الصباح والمساء على أصوات سيارات الشرطة والإسعاف، ونتناول الغداء على صوت جهاز وكالة الأنباء المزعج، فنتلقف الأخبار ونجمعها، لم يكن على الباب حارس ولا سيارات تنتظرنا. كانت مرحلة عنوانها التحدي والصمود، فالبلاد تحتاج إلى أبنائها.