كان أسطولا صغيرا ومع مرور الوقت وخروج السفن في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، بدأ هذا الاسطول يستولي على مجموعة من السفن الغربية بكاملها ومن فيها، سواء كانوا بشرا أو بضاعة وأصبح هناك أسرى، هذا ما أكده المؤرخ البروفيسور علي تابليت من جامعة الجزائر02 لدى نزوله ضيفا على موقع “ذاكرة الشعب”.
أوضح تابليت أن النواة الأولى للبحرية الجزائرية بعد مجيء العثمانيين، وذهاب خير الدين بربروس لأنه طلب منه العودة إلى الباب العالي بتركيا ليصبح هو رئيس البحرية العثمانية بكاملها والى اليوم يوجد تمثال خير الدين بمسقط رأسه بإسطنبول.
تطور الأسطول الجزائري شيئا فشيئا خاصة في القرن السابع عشر، وأصبح له سفن كل سفينة تضم من 50 الى 60 مدفع، وكل مدفع عليه عشرة اشخاص للقيام به واعداد البارود، علاوة على أشخاص أخرين يتكفلون بالتنظيف وإعداد الطعام.
أمريكا كانت تُعيّن أفضل وأكفأ الشخصيات للإعتماد في الجزائر
وقال الباحث: “هذه السفن إما أن تكون غنائم أو مبنية سواء في أحواض بناء السفن في الجزائر العاصمة، وهران، عنابة، شرشال، بجاية، حيث تتوفر مادة بناء السفن من الخشب”.
في هذه المدن الساحلية كانت تبنى هذه السفن، وأحيانا تُوقع عقود مع شركات أوروبية إسبانية، بريطانية، وفرنسية وتوجد وثائق مدون عليها أسماء المهندسين وتاريخ بناء السفن وأسماء السفن وغيرها من المعلومات.
وأكد المؤرخ أن السفن الجزائرية كانت موجودة في البحر المتوسط بكامله شرقا وغربا وفي الوسط قائلا: “فرنسا التي تتشدق وتقول أن الجزائر لم تكن دولة كانت هناك سفن جزائرية متواجدة في مرسيليا ونيس اي في الموانئ الساحلية كانوا يقضون عطلهم هناك وأنا أملك وثائق بأسماء الأسرى الفرنسيين بالمئات، والأسرى من البلدان الإسكندنافية والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وكل البلدان أوروبا”.
وأشار البروفيسور تابليت إلى أن معاملة الجزائر للأسرى كانت تختلف عن المسحيين، بشهادات ومذكرات الأسرى الأوروبيين الذين يروون في مذكراتهم كيف كانوا يعاملونهم الجزائريين.
وأبرز أن المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام، الكثير منهم كان لغايات سواء ليصبح مسؤول أو يكسب أراضي مثل مراد رايس ذي الأصل الهولندي.
هذا الأخير ألقي عليه القبض وعمره 18 سنة وبقي فترة في الجزائر تزوج وأنجب ثم انتقل الى سالا في المغرب ثم عاد إلى دينه وبلده في هولندا .
وأشار تابليت إلى أن أكثر الذين اعتنقوا الاسلام من البلدان السلافية حتى ألقاب من العائلات التي بقيت في شرق الجزائر مثلا في قسنطينة تجد أسماء غريبة عن المجتمع الجزائري بقوا وخدموا الجزائر.
وأوضح ضيف “ذاكرة الشعب” أن الكثير من الجزائريين يطلقون على العثمانيين الأتراك وهي كلمة غير واردة في تلك الفترة إلا بعد إلغاء الخلافة في عهد كمال أتاتورك فبعد 1924 أصبحت تسمى تركيا، كما أن الأوروبيين لا يذكرون الخلافة العثمانية في كتاباتهم يذكرون دائما كلمة تركيا لأنه بالنسبة لهم مشكل ديني .
وأضاف أن الإسبان كانوا متحكمين فيما يسمى الآن الأميرالية المتواجدة بساحة الشهداء كان لديهم مركز عسكري لا تستطيع المراكب الصغيرة الدخول أو الخروج منه .
بقي خير الدين الى 1532 حاول التفاوض مع الإسبان الموجودين في الأميرالية فرفضوا الخروج وبقي يحاصرهم الى غاية 1529، حيث قضى على هذا المركز ومن فيه وبدأت المراكب والسفن تظهر شيئا فشيئا في زمن خير الدين وابنه حسن الذي تولى الحكم في 1532 .
علما أن الإخوة عروج وخير الدين واسحاق وغيرهم أسلموا وأصبحوا في خدمة الخلافة العثمانية، من الشرق وصولا الى تونس وليبيا والجزائر فيما بعد طردهم من المهدية الاسبان وصولا الى بجاية في 1509، لأن الجزائر لم تكن موحدة بالشكل الحالي كانت فيه دويلات في تلمسان، بجاية والجزائر.
وأكد الباحث في التاريخ أن البحرية الجزائرية كانت موجودة في شرق وغرب المتوسط والمحيط الاطلسي وصولا إلى إيرلندا وإيسلندا الموجودة في أقصى الشمال، حيث وصلت السفن الجزائرية الى هذه الدول في 1627 و16310.
السفن الجزائرية كانت موجودة في البحر المتوسط بكامله شرقا وغربا
في المقابل أبرمت اتفاقيات مع بريطانيا وهولندا مثلا في مجال اصلاح شيئ ما في السفينة أو التزود بالماء أو الأكل وفيه جوازات السفر يسمى pass بالإنجليزية.
ويسلم هذا الجواز من الجزائر الممضى من طرف داي الجزائر الى القناصل المعتمدين في الجزائر من كل بلدان أوروبا على فترات على حسب اعتراف الجزائر بهذه البلدان، لما تعترف الجزائر بأي دولة من الدول ترسل قنصل الى الجزائر ليعتمد وتسلم له نسخ من هذا الجواز .
هذه الجوازات يسلمها القنصل الى مصلحة الجمارك ببلده، وكل سفينة تخرج وتأتي للبحر المتوسط اوفي المحيط الأطلسي يكون عندها جواز، وحين تلتقي سفينة جزائرية بهذه السفن في عرض البحر يرسل قارب صغير فيه ثلاثة اشخاص يصعدوا على متن السفينة ويطلبون الجواز، إن كانت لديها جواز يخلو سبيلها وإن لم يكن لها تصبح ومن فيها غنيمة.
أول قنصل لفرنسا بالجزائر في 1564
وأكد تابليت أن أول قنصل فرنسي بالجزائر كان في 1564 تلاه القنصل البريطاني في 1584، هذا الأخير بقي الى 1854 بعد الإحتلال الفرنسي، من امريكا أول قنصل كان في 1795 الى غاية 1830، وهذا يكذب إدعاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأننا لم نكن دولة، كما أن الجزائر كانت لديها قناصل معتمدين للبلدان الإسكندنافية .
وأشار ضيف “ذاكرة الشعب” إلى أن أمريكا كانت تعين أفضل وأكفأ الشخصيات للإعتماد في الجزائر على أن يكون القنصل العام للبلدان الأربعة مقره في الجزائر نظرا لمكانتها، وراتبه ضعفي رواتب الأخرين، قائلا: “لدي كتاب جمعت فيه مخطوطات وهي رسائل متبادلة بين رؤساء أمريكا ودايات الجزائر من جورج واشنطن الرئيس الأول، جون أدامس، توماس جيفرسون، جيمس ماديسون، جيمس مورو”.
وأضاف: “دليل على وجود الدولة الجزائرية، الاسطول الجزائري كانت لديه اشارات عندما يلتقي في عرض البحر كيف يتعارفون، البعض من الدراسات البريطانية تقول بأن الجزائر سبقت بريطانيا في الإشارات”.
ويشير البروفيسور إلى أن هناك اسرى امريكان ارتقوا الى رتب ادارية لا نجدها عند الأسرى المسلمين في أوروبا، مثل جيمس ليندر كارثرت، الذي كان سكرتير الداي ويعرف كل ما يدور في القصر، وقد قام الباحث بترجمة كتاب حول الأسرى الأمريكيين.
ويؤكد أن فرنسا التي تدعي ان لديها نفوذ على الجزائر هذا غير صحيح ويكذبها جيمس الذي يبرز في كتابه ان فرنسا لم يكن لديها نفوذ الجزائر وإذا قررت هذه الأخيرة أمرا تواصل في تنفيذه.
في المقابل يبرز البروفيسور دور القنصل وليام شلير الذي نصح فرنسا بالإنزال في سيدي فرج عند إحتلال الجزائر، لأنه درس الحملات الأوروبية ضد الجزائر والتي فشلت كلها.
ويقول: “شلير داهية حكايته طويلة تعلم الفرنسية لأنه كان غلام ممتهن ينظف في السفن لان والديه ماتوا بقي يشتغل في السفن التجارية القادمة نحو أوروبا “.
ويضيف: “البعض يقول انه يعرف العربية لكنني لم أعثر على كتابات تؤكد ذلك، ألف كتاب اسمه مختصر في تاريخ الجزائر يعتبر مصدر هام جدا صدر في 1826 في بوسطن”.
ويقول أيضا أن هذا القنصل الأمريكي كانت لديه مجموعة من النسخ وأول من اشترى منها هو القنصل الفرنسي صاحب المروحة وارسلها الى الخارجية الفرنسية وسارعت بالترجمة من الانجليزية الى الفرنسية، حيث يوصي في هذا الكتاب باحتلال فرنسا للجزائر والإنزال في سيدي فرج لأن الجزائريين الذين يتنقلون من العاصمة يأخذون وقت في الوصول وبالتالي تكون القوات الفرنسية قد نزلت على اليابسة .
بقي القنصل الأمريكي في الجزائر من 1815 الى 1827 ثم طلب ان ينقل إلى هافانا في كوبا خوفا من الموت من الكوليرا في الجزائر، لكنه مات بها في هافانا.
لما وصل باريس كافأته فرنسا بمئة الف دولار في 1828 وهو مبلغ كبير لكنه رفضها ولا يعلم السبب، ارشيف الوثائق الحربية في باريس يتوفر على سبب الرفض .