آيت أحمد واعلي الملقب بـ “سي واعلي” تقلد إبان ثورة التحرير مسؤوليات عديدة في صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الثالثة التاريخية. أطلق العنان لذاكرته وعاد 60 سنة الى الوراء لتسليط الضوء على ثورة التحرير التي انتزعت الاستقلال.
الاستقلال…شعلة تضيء الجزائر
يقول سي واعلي “إن الاستقلال أتى بفضل توحّد الجهود، ومشاركة كل مناطق الوطن في النضال”، مشيرا إلى أن منطقة القبائل تعتبر من بين أكثر الولايات التي قدمت تضحيات جسام من أجل استقلال الجزائر وتحريرها من المستعمر الغاشم.
كانت منطقة القبائل قبل عام 1954 على درجة كبيرة من النضج السياسي والوعي، فكان حضورهم قويا في التيار الاستقلالي، الذي استمد جذوره في الجالية الجزائرية بفرنسا في عشرينات من القرن الماضي.
يؤكد سي واعلي أنّ عددا كبيرا من المغتربين في فرنسا آنذاك كانوا من أبناء المنطقة، وقد احتكوا طويلا بالمجمتع الفرنسي، النقابات والأحزاب السياسية إلى جانب تجنيدهم الاجباري في الجيش الفرنسي، كما أنهم تعودوا على الأعمال الشاقة واشتغلوا في مختلف الأماكن، مّا مكنهم من تعلم الحنكة وفنون النضال، وجعلهم على استعداد للانخراط في ثورة التحرير سنة 1954”.
كانوا مثلما أضاف “مستعدين لها من حيث عدد الرجال المناضلين” لحمل السلاح.
وأفادت الإحصائيات المقدمة خلال مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، بتجنيد 450 رجل من منطقة القبائل من طرف كريم بلقاسم وعمر اوعمران، و انتقل حوالي 200 رجل تحت قيادة عمر اوعمران الى كل من بوفاريك والبليدة للقيام بهجومات ليلة 1 نوفمبر 1954، وقاموا بتنفيذ عمليات عسكرية في تلك المناطق.
كانت منطقة القبائل على موعد مع أحداث وتواريخ مهمة في ثورة التحرير، وكان لها شرف نسخ وسحب بيان أول نوفمبر بـ“قرية اغيل امولا” في 27 أكتوبر 1954، إلى جانب احتضانها مؤتمر الصومام الذي تم من خلاله التخطيط وتنظيم مسار الثورة التحريرية.
كانت مركز عبور واتصال سياسي بين قيادات الثورة. قدمت المساعدات للولايات الأخرى ماديا ومعنويا، وتولى قيادة الولاية الرابعة التاريخية قادة عسكريين مثل عمر اوعمران، محمد زعموم “سي صالح” وسليمان دهيلس “سي صادق”.
السي واعلي وهو يستذكر الاحداث، أشار إلى أن فرنسا لم تغير من سياستها الجهنمية منذ دخولها الجزائر في 1830، وبقيت تمارس التعذيب والتقتيل إلى غاية استقلال الجزائر، ولم تستثن في ارتكاب جرائمها المواطنين العزل، فقد كانت تقتل وتنكل بالجميع.
وكانت منطقة القبائل من المناطق التي شملتها مخططات جهنمية وعمليات عسكرية على غرار “عملية العصفور الأزرق خلال سنتي 1955 – 1956، عملية الزرق 1958 إلى جانب عملية عسكرية تمشيطية جهنمية “المنظار 22 جويلية 1959”.
وقد تضررت كثيرا بفعل عمليات التعذيب والقتل وتهجير السكان من قراهم في محاولة يائسة للقضاء على الثورة.
فإذا كانت منطقة “الاوراس النمامشة” حملت عبء الانطلاقة الأولى لشرارة ثورة الفاتح نوفمبر 1954، فإن المنطقة الثانية قد حذت حذوها بتنظيم هجومات 20 أوت 1955، ومنطقة القبائل بفضل قياداتها كان لها شرف احتضان تنظيم الثورة، يضيف محدثنا.
كان ثمن الحرية باهظا جدا، دماء مليون ونصف مليون شهيد، و صرح السي واعلي انه لو لم يستمر الرجال والنساء في النضال ما كان أحد قد ذكرهم الآن، وكانت مسيرة الحرية مكلفة وصعبة من أجل استرجاع السيادة الوطنية كون المستعمر أعد العدة من قوة عسكرية خارقة، وإمكانيات حربية ضخمة من أجل تكريس واقع استعمار بالجزائر.
غير أن قوة الإيمان، الثقة والوحدة، أخلطت حسابات فرنسا الاستعمارية التي اعترفت في الأخير أن ما أخذ بالقوة يسترجع بالقوة، وأن المجاهدين آمنوا بقضيتهم وأنهم على حق، وقد انتصروا في الأخير على اكبر قوة عسكرية في العالم.
محاولات فرنسا لإخماد شعلة الثورة التحريرية فشلت لتضطر أخيرا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، عنوانها حق الشعب الجزائري في تقرير المصير، الذي نجح القادة الجزائريون في افتكاك الحرية على طاولة المفاوضات تماما، مثلما تفاوضوا جيدا على ارض المعارك، لينهوا بذلك خرافة فرنسا التي لا تقهر، فعزيمة الشعب الجزائري صححت مسار التاريخ، ليأتي في تاريخ 5 جويلية 1962 فجر جديد حمل معه عبق الحرية والاستقلال.
ويعبر سي واعلي عن قناعته بتدريس التاريخ للأجيال المقبلة من أجل التعلم من دروس الماضي، وعدم الوقوع في نفس الأخطاء مستقبلا.
إنجازات وتحديات
استقلال الجزائر كان عرسا وعيدا وحد الشعب الجزائري تحت راية الاستقلال والحرية، لتعم الفرحة في كل ربوع الوطن الذي ترفرف في سمائه أعلام المجد والفخر بانجازات شعب آمن بالحرية، وأن اكبر قوة عسكرية في العالم ستقهر أمام الحق.
دخلت الجزائر عهدا جديدا مع الاستقلال، لينعم أبناءها بعبق الحرية وتبدأ مرحلة الانجازات والنهوض بالوطن ليكون على سكة الكبار.
60 سنة بعد الاستقلال يصرح سي واعلي أن، الجزائر بكافة ربوعها خطت خطوات كبيرة إلى الأمام بالنظر إلى الانجازات التي حققت على ارض الواقع، وفي مختلف القطاعات والميادين.
فقد خرجت القرى من عزلتها، وتجاوزت ظروف الفقر والجوع، والمعاناة اليومية بحثا عن لقمة العيش، وتحسن الوضع الصحي والتعليمي لأبناء الشعب، ودخلت تحديات كبرى للنهوض بمختلف القطاعات وتطوير الخدمات التي يحتاجها أبناء الجزائر.
ولكن مع كل هذه الانجازات التي حققتها بلادنا منذ فجر الاستقلال يضيف محدثنا، أنه “ما تزال هناك الكثير من التحديات علينا خوضها”، وشدد على ضرورة حماية الجزائر من الأعداء الذين يتربصون بها، ويستهدفونها بإثارة أزمات مصطنعة بين أبناء الوطن الواحد.
وأكد أن الشهداء استشهدوا من أجل وحدة الوطن برمته ورفع راية الاستقلال، ورفع الراية الوطنية في كل ربوعه.
وقال أن الجزائر الجديدة اليوم حققت إنجازات كبيرة وينتظرها إنجاز الكثير أيضا إذا ما سارت على طريق الحق والمساواة، وطبقت القوانين في كل القطاعات، وسر النجاح هو الحق، الوحدة والنقاش البناء، موجها رسالة إلى الشباب وجيل اليوم من أجل الحفاظ على أمانة الشهداء التي ضحوا من أجلها بدمائهم.
السي واعلي حمل شباب اليوم رسالة قوية، ناصحا بضرورة حب الوطن وتقديس مكتسباته، لأن الجزائر أمانة ضحى من أجلها رجال ونساء، طالبا أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل مواصلة تطوير الجزائر في ظل الوحدة، وأشار إلى أننا أبناء وطن واحد لا نملك غيره.