رافقت جريدة “الشعب” مراحل سياسية وإقتصادية وإجتماعية للجزائر منذ الإستقلال، بمواضيع وروبورتاجات، ترافق السياسة الوطنية وتهتم بإنشغالات الجزائري.
ظلت الجريدة حريصة على تمجيد قادة الثورة والشهداء، وتسليط الضوء على أهم المحطات التاريخية لذاكراتنا الوطنية.
ولم تتوقف في أي مناسبة عن تخصيص ملفات تتعلق بتاريخ الجزائر، وتفتح المجال لمؤرخين وأقلام كبار لربط أجيال الحاضر بأسلافهم، هذا ما أجمع عليه مدراء وصحفيين عملوا بالجريدة في سنوات السبعينيات والثمانينيات والألفينات.
جعلت الذاكرة الوطنية مرجعية
يقول المدير الأسبق لمؤسسة “الشعب” فنيدس بن بلة: ” الجريدة كانت دائما وفية لخطها الافتتاحي،ظلت حريصة على أن تكون في الصفوف الأولى مهتمة بكل ما يخدم الوطن من تاريخ وثقافة واقتصاد، وغيرها جاعلة من الذاكرة الوطنية مرجعية لها في إنارة الرأي العام من جهة، وفي إطلاع المواطن على حقائق الأشياء والكشف عن تفاصيل تاريخ مجيد ممثل للأسس الوطنية الجزائرية”.
ويضيف فنيدس في تصريح لـ”الشعب” بمناسبة الذكرى الـ60 لإسترجاع السيادة الوطنية، أن الجريدة لم تتوقف في كل مناسبة في إحداث التمايز من خلال التحضير لملفات لها مكانتها ولها قيمتها، و في أن تكون مرجعية لمواطن شغوف، يبحث عن كل شيء يخص وطنه، وبالخصوص تاريخه اعتقادا منه لان الدول التي لا تاريخ لها ولا هوية لا مستقبل لها.
وأشار المدير الأسبق، إلى أن التحضير كان دقيقا لملفات تكون في مستوى الحدث ليس فقط الغاية تسجيل الحضور، ولكن إعطاء التمايز والكشف عن الجوانب المخفية من التاريخ الوطني الذي كانت الشعب مهتمة به، وفي كل المواسيم و المناسبات.
وأوضح أن، الجريدة فتحت المجال لأقلام كبار، لإعطاء رأيهم وتسجيل حضورهم في هذه المناسبة عبر كتابات وتقديم تحاليل و المشاركة من خلال حوارات،واستطلاعات الرأي، وقال: ” هذا ليس بمفاجئة لأن الشعب ولدت من رحم الثورة وجاءت حاملة لرسالتها،مدافعة عن أهدافها مسوقة لقيمها في فترات البناء الوطني بدءا من 11ديسمبر 1962″.
وأضاف: ” استمرت في كل الحقب على هذا التمايز، تقريبا مع كل المسؤولين كل واحد يقدم مساهمة له،وله طريقة في تقديم الملفات، لكن لغاية واحدة وهدف واحد، هو الإهتمام بالذاكرة باعتبارها هوية ووطنية”.
ويبرز فنيدس أنه في الفترة التي عمل فيها كمدير عام للجريدة، وقبلها كمدير تحرير لاحظ تجاوب الجريدة مع المتغيرات، بمرافقتها للسياسات الوطنية والاهتمام بالذاكرة عبر أدوات إعلامية عدة، منها جريدة الشعب الورقية والرقمية ، وأدوات أخرى ضيف الشعب ومنتدى الشعب.
ويؤكد أن، كل هذه المنابر غايتها الإبقاء على هذا التمايز للجريدة التي اقتنعت بضرورة الدفاع، وخوض نضالات ومعارك من أجل الحفاظ عليه في فترات الزحم الإعلامي والتعددية الإعلامية.
وفي فترات بروز فضاءات أحيانا لا نعرف مصدرها وهويتها تحاول إعطاء صور أخرى للذاكرة مشوهة لحقائق الأشياء،و مقدمة أخبار زائفة مثل الفايك نيوز على الجزائر ومسارها وبناءها ، يضيف فنيدس.
اهتمام الشعب بالتاريخ جزء من اهتمامها بالبناء الوطني
ويوضح محدثنا أن، اهتمام “الشعب” بالتاريخ هو جزء من اهتمامها للبناء الوطني بما فيه الاقتصاد و الثقافة والرياضة،وقال :” لا ننسى أن الشعب رافقت الجزائر وترجمت أفراحها، من خلال الفريق الوطني وإنتصارات وتأهلاته الكثيرة الذي صنع مجد الكرة الجزائرية ومجد الرياضة ككل”.
وهذا ما جعل الشعب تبقى وفية ويبقى لها هذا التمايزوهذه المرجعية لأن الشعب مهما تعددت الآراء وتنوعت الاتجاهات يبقى لها أصولها ومميزاتها وخصوصيتها وهي وضع الذاكرة الوطنية والمرافقة في البناء الوطني ولا تحود عنه قيد أنملة.
من جهته يقول مدير التحرير الأسبق لجريدة”الشعب”سعيد قرايت، أن التحضيرات لعيد الإستقلال في 1980 استثنائية، وهذا العيد له طابع خاص، فقبل شهر يعقد المدير العام إجتماعا مع رؤساء الأقسام بحضور رئيس التحرير، ويحضرون لهذا الموعد بالإتفاق على خطة عمل، يترجمها رئيس التحرير مع رؤساء الأقسام وبعض الصحفيين الذين لديهم باع طويل وبصمات في الجريدة.
ويضيف: ” يرسمون خطة للتطبيق، توزع المهام على الصحافيين، هناك من يكلف بتحقيقات وأحاديث صحفية مع المجاهدين وأرامل الشهداء وذوي الحقوق من أبناء الشهداء، وكل من له مساهمة من بعيد أو من قريب في الثورة بما في ذلك أصدقاء الثورة، عبر أحاديث”.
ويشير قرايت إلى، أن الصحفيين المكلفين بالتغطية في الوسط يقوم بعمله، وهناك من ينتقل إلى قالمة لإجراء حديث مع أسرة الرئيس الراحل هواري بومدين، وهناك من يتنقل إلى المجاهد المرحوم بن عودة في عنابة وهناك من ينتقل إلى وهران لحديث مع عائلة زبانة، وبمنطقة القبائل مع عائلة عميروش وعبان رمضان وكريم بلقاسم.
ويوضح أنه خلال خمسة عشرة يوما، تجمع المادة وتصحح من طرف رؤساء الأقسام وتعرض على رئيس التحرير، وبعد موافقة المدير العام ترسل للمطبعة.
ويؤكد مدير التحرير الأسبق، أن المادة كانت مادة دسمة وممتازة، لأن كل صحفي يجتهد لتقديم أفضل المقالات، و كان هناك تنافس بين الصحافيين، كل صحفي يسعى لان يكون الربورتاج أو الحديث الصحفي الذي قام به مع مجاهد أو عائلة شهيد أحسن ويأتي بمعلومات جديدة.
ويشير إلى أن، الكثير من الصحفيين يكتشفوا حقائق جديدة عن الثورة عبر هذه التحقيقات.
“الشعب” واكبت مراحل الثورة الثقافية، الزراعية والصناعية
وبالنسبة لمرافقة “الشعب” لأهم الإنجازات منذ الثمانينيات، يقول محدثنا أن الجريدة منذ تأسيسها في 11 ديسمبر 1962،واكبت كل مراحل الثورة الثقافية الزراعية والصناعية، وجاءت لتملئ الفراغ الرهيب الذي كان سائدا في الجزائر مع عدم وجود جريدة باللغة العربية.
ويضيف أنه مع مطلع 1980 حدث تغيير سياسي في إطار الإصلاحات ، وتحول نوعا في السياسة الفلاحية أي التراجع عن الثورة الزراعية، وفي الصناعة فتح المجال أمام القطاع الخاص نوعا ما، وسايرت الجريدة هذه التحولات لأنها الناطق الرسمي للدولة باللغة العربية.
وسايرت الجريدة دستور فيفري 1989 الذي اقر التعددية السياسية والإعلامية، وهنا جاء التنافس الإعلامي، ، فجريدة”الشعب” في 1990 كانت تحت إشراف حزب جبهة التحرير الوطني.
ويشير :” بعد إرجاع “الشعب” إلى القطاع العمومي، بقيت محافظة على الخط الإفتتاحي الوطني، وتشجع التعددية السياسية، فأصبح خطها متزن، لا نسكت عن السلبيات ونشجع الإيجابيات”.
ويضيف: “كنا نعطي الفرصة لكل الأحزاب و نوازي بينهم لا فرق بين الجمعيات المدنية كلهم سواسية شعارنا منذ مطلع التعددية “الخبر مقدس والتعليق حر”، فالصحفي يأتي بالخبر، وله حرية التعليق”.
وذكر قرايت أن الجريدة سايرت مرحلة الإرهاب الأعمى ودفعت أربعة صحفيين،وغطت إغتيال محمد بوضياف، وتعاقب الرؤساء، وبقي لديها خط وطني متزن لم تغيره منذ تأسيسها، تتناول القضايا باحترافية ومهنية دون تهويل.