تمر تسع سنوات على رحيل المجاهد محمد عصامي المدعو “سي مروان”، ناضل وعاش بعيدا عن الأضواء إلى غاية وفاته في سبتمبر 2013.
بدأ حياته في مهنة الخياطة، رغم بساطته فهورجل استثنائي ومناضل المهمات الصعبة، كرس حياته لخدمة القضية الوطنية وهو في مراحل الشباب الأولى.
شغل عضوية اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية وقيادة الولاية الحزبية بسكرة والاوراس، علاقته الوثيقة بالشهيد محمد بلوزداد أتاحت له العمل سريا في جمع وتخزين السلاح استعدادا للثورة، وتأطير التنظيم السري.
بدأ مشواره الوطني مناضلا بسيطا في صفوف حزب الشعب، كان عضوا اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وتولى مهمة قيادة الولاية الحزبية “بسكرة والاوراس”.
عرف عنه انضباطه وتفانيه في النضال وقدرته على التجنيد والقيادة، وكان من المشرفين على تنظيم مظاهرات الـ08ماي 1945رفقة الشهيد العربي بن مهيدي والمجاهد المرحوم احمد زيد.
قاد الحملات الانتخابية للحركة رفقة الشهيد عاشور زيان المكلف بالدعاية والأخبار بالولاية الحزبية آنذاك.
من الكتاتيب إلى النضال الوطني
ولد بسيدي عقبة في 1918، توفي والده وهو رضيع لا يتجاوز عمره العام الواحد، كفله عمه الذي كان خياطا، أمضى سنوات طفولته في مسجد الفاتح عقبة بن نافع.
تعلم العربية ومبادئ الدين الحنيف على أيدي علماء ومشايخ البلدة، التي كانت منارة للتعليم العربي.
التحق بالمدرسة الابتدائية بين 1928 و1932 قبل أن يغادر كغيره من أطفال الجزائر التعليم مبكرا ويتجه للحياة العملية.
تعلم مهنة الخياطة بمحل عمه واختارها حرفة لضمان لقمة العيش إلى غاية وفاته في سبتمبر 2013 ببسكرة.
انتقل رفقة عائلته إلى مدينة سكيكدة في 1937، ومارس مهنته بفتح محل للخياطة.
وفي هذه المدينة التي يوجد بها عدد من أهالي سيدي عقبة وبسكرة تعرف على أوجه نشاط الحركة الوطنية بعد تأسيس حزب الشعب.
تحول الى مناضل ناشط ضمن خلية أعضائها من بسكرة، والتف آلاف الجزائريين حول حزب الشعب، الذي كان يسعى للاستقلال واستعادة كرامة الوطن.
لكن الإدارة الاستعمارية أحست بخطورة هذا التوجه، خاصة بعد فوز عدد من مناضلي الحزب في الانتخابات البلدية، والتفاف المواطنين حول الحزب، فإعتقلت قادة الحزب وفي مقدمتهم زعيمه مصالي الحاج ومن ثمة حله يوم 26 جويلية 1937ما دفع مناضليه إلى النضال السري.
عاد محمد عصامي أواخر 1940 الى مدينة بسكرة، بعد تعرض محله بسكيكدة للتفتيش من قبل شرطة الاحتلال.
واصل نضاله السري وعمله كخياط رفقة احمد غريب، مسؤول قسمة بسكرة.
وحسب تصريح سابق للمجاهد عصامي، شارك في سنتي 1943و1944 في تأسيس حزب أحباب البيان والحرية ببسكرة والذي تكون من حزب الشعب واتحادية المنتخبين لبن جلول وجمعية العلماء والحزب الشيوعي وجماعة فرحات عباس التي يمثلها في بسكرة الحكيم سعدان.
واختير العقبي بلاغة، أمينا لمكتب حزب أحباب البيان بسكرة.
وحسب شهادة الفقيد عصامي، اقترح مناضلو حزب الشعب إنشاء منصب كاتب للحزب، أسندت مهمته إلى الشهيد العربي بن مهيدي، لضمان وجود عين أمينة داخل المكتب.
وبعد إعلان انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، شارك عصامي في تحضيرات مظاهرات الـ08 ماي 1945، والتي كان يقودها المجاهد الشاذلي المكي، الذي ألهب المواطنين بخطبته التي وصفها الحكيم سعدان بالنارية.
ساهم الفقيد في إعداد اللافتات وخياطة العلم الوطني، وانطلقت المظاهرة من وسط مدينة بسكرة بمشاركة مناضلي مختلف التشكيلات الحزبية ومواطني المدينة.
حملوا لافتات بعبارات “تحيا الجزائر”، “أفرجوا عن مصالي”، رافقها أهازيج الأناشيد الوطنية ور فع العلم الوطني من طرف المناضل المرحوم احمد زيد وآخرون.
قمعت المظاهرة واعتقل محمد عصامي رفقة مجموعة من المناضلين من بينهم بن مهيدي، وبعد إطلاق سراحه واصل نضاله السري بإشراف محمد بلوزداد المسؤول الحزبي بشرق البلاد، والتقى بالمناضلين بمدينة بسكرة.
وأعاد تنظيم الحزب على المستوى المحلي، وأنشأت المحافظة الحزبية بسكرة -الاوراس بقيادة محمد عصامي، وقسمت الولاية الحزبية إلى 07 قسمات منها قسمة بسكرة بقيادة عمر محبوب وقسمة مشونش بقيادة سي الحواس وقسمة فم الطوب بقيادة ابن بولعيد، وعينت قسمات احتياطية منها قسمة بسكرة التي ترأسها بن مهيدي والهاشمي طرودي.
تكوين الخلايا السرية ببسكرة
كلف عصامي بتنظيم الهيكل السري للمنظمة الخاصة، والشروع بتنفيذ العمل ميدانيا وتكوين الخلايا ونظرا لشاسعة الولاية الحزبية بسكرة –الاوراس، واقترح عصامي قائدين للمنظمة بهذه الولاية وهما بن مهيدي لمنطقة بسكرة وبن بولعيد لمنطقة الاوراس.
وباشرت خلايا المنظمة الخاصة في عمليات تدريب على استعمال السلاح، وفنون القتال وتنظيم خرجات تدريبية لأعضاء الخلايا.
ويروي المجاهد عصامي حادثة وقعت له مع ابن بولعيد، ويقول: “عندما بدأ التدريب يأخذ منحى جديا، تحمست لذلك وصارحت بن بولعيد بنيتي في الانضمام للتنظيم السري، أجابني بن بولعيد وهو يعاين ضآلة جسمي: “إذا كان ننصبوبك للذيابة”، أي نستعملك طعما لاصطياد الذئاب.
بعد تأسيس التنظيم وبداية التدريب على السلاح، كلف عصامي بالبحث وتوريد السلاح من وادي سوف، وكان عنصر الاتصال بين القيادة ومحمد عصامي المجاهد احمد محساس، الذي كان يسلم المال المخصص لشراء الأسلحة إلى عصامي الذي تمكن من جلب كمية من الأسلحة على دفعات.
خزّن بعضها في مطامير تحت الأرض ببلدية الفيض بمعرفة محمد الصغير حمودي ابن خالته وحولت إلى أريس من طرف بن بولعيد.
واصل عمليات شراء الأسلحة وهي التي استعملت في الانطلاقة الأولى للثورة، وهو ما دفع بالمؤرخين بوصفه مسلح الثورة.
بعد كشف المستعمر لأمر المنظمة الخاصة في 1950، اعتقل محمد عصامي وسلطت عليه مختلف أصناف التعذيب قبل إطلاق سراحه لانتفاء الأدلة.
وكان أخر لقاء له مع ابن بولعيد خريف 1954، حضر اجتماع تحضيري لانطلاقة الثورة مع بن بولعيد وسليمان لاجودان ومحمد بوضياف.
اعتقل المجاهد صبيحة اليوم الموالي لإنطلاق الثورة، وقضى خمسة أعوام في المعتقل، وأطلق سراحه في 1959.
خضع للإقامة الجبرية إلى غاية توقيف القتال في 19 مارس 1962، كلفته حكومة بومرداس رفقة مناضلين بالإشراف على استفتاء تقرير المصير ببسكرة والزيبان.
استمر بعد الاستقلال في ممارسة نضاله السياسي، ومهنة الخياطة بمدينته إلى غاية التصحيح الثوري في 19 جوان 1965.
اعتزل النشاط السياسي وتفرغ لمهنته إلى غاية تقاعده في 1980.
وتشاء الأقدار أن يلتقي بقصر المرادية ضيفا على رفيق دربه محمد بوضياف رئيس المجلس الأعلى للدولة وقتها قبل اغتياله بـ10 ايام.
كرمت مدينة بسكرة المجاهد عصامي في حياته بإطلاق اسمه على المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية بسكرة، وأطلق اسمه أيضا على القطب السكني بالمنطقة الغربية بعد وفاته تكريما واعترافا بنضاله من اجل استرجاع السيادة الوطنية.