دور المتاحف في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، واستمرارها في الزمان والمكان، في ظل الحرب السيبرانية التي تستهدف المنظومة الفكرية والذاكرة الوطنية، فكرة خاض فيها الدكتور جمال الدين قندل.
تحدث الدكتور جمال الدين قندل، عضو المجلس العلمي للمتحف الوطني للمجاهد، عن دور المؤسسات المتحفية في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، استمراريتها عبر الزمان والمكان، في ظل التدفق العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، وما يعرف اليوم بالحرب السيبرانية التي تستهدف منظومتنا الفكرية والذاكرة الوطنية.
تطرق قندل إلى، الإطار المفاهيمي للمؤسسة المتحفية وأهميتها وأنواع المتاحف، في ندوة تاريخية نظمها المتحف الوطني للمجاهد على هامش الصالون الدولي للسياحة في طبعته الـ21.
وقال إن المؤسسة المتحفية مؤسسة تربوية ترفيهية تعليمية غير ربحية، تعمل على خدمة المجتمع من خلال جمع وحفظ وعرض وصيانة التراث الحضاري والإنساني. وتكتسي هذه المؤسسة أهمية كبيرة في حماية الموروث الثقافي،وتؤدي دورا تكميليا للمؤسسة التعليمية من خلال نقل المعلومة التاريخية عن طريق أشياء تعرض في المؤسسات المتحفية وتعكس جوانب مادية من التاريخ والحضارة والثقافة، في الغالب.
ويؤكد المحاضر أن المؤسسة المتحفية تعمل على تحقيق التنشئة الاجتماعية السوية، من خلال غرس قيم وبناء شخصية وتثبيت وتعميق هوية لدى الأطفال خاصة.
ويعدد أنواع المؤسسة المتحفية، منها المتاحف الأثرية والتاريخية، الفنية، العلمية والزراعية والصناعية، لكن الذي يحتل الأهمية الكبيرة بالنسبة للذاكرة الوطنية هو ما يعرف بالمتاحف الأثرية والتاريخية.
الفرق بين الذاكرة والتاريخ
ويوضح فيما يخص الفرق بين الذاكرة والتاريخ أن الذاكرة على تنوع أشكالها ومضامينها تشكل المادة الخام لعلم التاريخ، وهي قدرة الفرد أو الجماعة على تخزين أفعال أو معلومات ماضية بهدف استحضارها في الحاضر بسبب من الأسباب، استنادا للمؤرخ الفرنسي جاك لوغوف في كتابه “التاريخ والذاكرة”.
ويضيف المؤرخ الفرنسي أن المؤرخ الذي يبحث في أحوال الزمن والتاريخ هو علم هذه الأحوال تناول التفسير، ويتفق لوغوف مع المؤرخ ابن خلدون الذي ذهب في ضبط وتحديد مفهوم التاريخ الى أن هذا الأخير في باطنه نظر، وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفية الوقائع، وأسبابها عميق.
ويضيف: “هو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير أن يعد في علومها، وخليق يوقفنا على أحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياساتهم”.
ويؤكد الأستاذ قندل أن المؤسسات المتحفية تخدم الذاكرة الوطنية من خلال طرائق مختلفة أو مجالات مختلفة أولها من خلال الأشياء المعروضة في المتاحف، من الصورة الفوتوغرافية واليدوية والوثائق والخرائط والمجسمات، والأدوات الشخصية والعامة.
ويقول: “هذا وفق نسق مؤسس على ضبط العلم مشفوع بتعليقات سليمة شكليا، وصحيحة معرفيا تراعي التسلسل الكرونولوجي والتصنيف، والترتيب اللذين على نحو يستهدف الزائر ويدفعه للتأمل والتساؤل، وتعمق لديهم الرغبة في البحث”.
ويوضح المحاضر أن المعروضات تخضع للإثراء، والتوسيع والتنويع لارتباط ذلك بالمعلومة التاريخية، ومستوى الإضافة التي يمكن أن تقدمها هذه المعلومة التاريخية خدمة للذاكرة الوطنية.
ويرى الباحث ضرورة مرافقة الزيارات العادية والمنظمة للتنظيمات الطلابية والمجتمع المدني وتلاميذ المؤسسات التربوية للمتحف الوطني للمجاهد، بدليل مؤهل شارح ومفصل، غاص في أعماق المعروضات، ومستوعب للراهن وتجاذباته السياسية، ومدرك لأبعاد وأخطار التحديات التي تستهدف الذاكرة الوطنية من خلال طرح أسئلة شائكة يراد منها زرع الشك، ويُراهن عليها لإحداث الفجوات وإزالة اللبس في المعطيات.
أكثر من 24 ألف زائر في 2021
بالنسبة لزيارات التلاميذ الأطوار الابتدائي، المتوسط والثانوي في 2015، 34331 زائر، 26483 زائر في2016، و 36677 في 2017، 51781 في2018، وفي 2020 بلغ عدد الزائرين 10213، وإلى غاية جويلية2021 بلغ عدد الزائرين24183.
ويرى الدكتور قندل أن عدد الزائرين لا يزال بعيدا عن المأمول خاصة، بالنظر إلى تعداد المتمدرسين المقدر بـ8 مليون متمدرس.
و-بحسبه-نحن بحاجة إلى دفع من المسؤولين لتنظيم الزيارات.
بالنسبة للندوات التاريخية التي ما فتئ المتحف الوطني للمجاهد ينظمها، بلغت 14 ندوة في 2014 و 41 ندوة في 2016، و31 ندوة في 2017، ونظمت 14 ندوة في2021، شارك فيها أساتذة متخصصون في التاريخ خاصة الحديث والمعاصر، وحضرها الفاعلون في صناعة تاريخ الجزائر للإدلاء بشهاداتهم حول مختلف الوقائع.
ويؤكد أنه إلى غاية 2022 طبع 120 عنوانا، في سلسلة من أمجاد الجزائر 1830-1962، وهي كتيبات صغيرة تستهدف فئة عمرية محدودة من تلاميذ الأطوار الثلاثة الابتدائي المتوسط والثانوي، بأسلوب أدبي قصصي حتى يرغب التلاميذ في قراءة هذه السلسة والإقبال عليها، إضافة إلى المطويات والنشريات.
5751 شهادة سجلت بين 1998 و2002
وبالنسبة للشهادات التي تعكف المؤسسات المتحفية وعلى رأسها المتحف الوطني للمجاهد على جمعها، فقد سجلت 5751 شهادة بحجم ساعي قدره 2143ساعة و8 دقائق و50 ثانية ابتداء 1998 إلى غاية جويلية 2002.
يقول الباحث: “كم كبير من الشهادات الحية ينبغي أن توضع بين يدي الباحثين المهتمين بالتاريخ، حتى يعودوا إليها في انجاز مذكراتهم ورسائلهم وأطروحاتهم الجامعية”.
ودعا الدكتور قندل لتجاوز الطرح القداسي على الذاكرة الوطنية والنظر للثورة على أنها فعل إنساني بشري يعتريه الخطأ والصواب، ووجوب تجاوز الطرح الكرونولوجي للأحداث التاريخية، لأنه من مساوئه إفراغ الوقائع التاريخية من بعدها الثقافي والحضاري ويقدم الوقائع والأحداث والأحوال على أنها فعل مادي، إضافة إلى تجاوز الطرح الشخصاني، بعدم ربط صناعة التاريخ بأشخاص، وتجنب الطرح المناطقي أي ربط الصناعة التاريخية بمنطقة دون أخرى، وهذا صونا للذاكرة الوطنية.
التاريخ المحلي..
وفي رد عن سؤال موقع “ذاكرة الشعب” حول مكانة التاريخ المحلي في الذاكرة الوطنية، يوضح المحاضر أن التاريخ المحلي جزء من التاريخ العام، فعندما نجمع التاريخ المحلي لكل بلدية وولاية من خلال مذكرات أو أطروحات سنصل إلى كتابة التاريخ العام.
ويؤكد قندل أن المشكل الذي يطرح في الميدان، هو غياب المادة العلمية الخام المتمثلة في الأرشيف والوثائق، وأحيانا شهادات، هي التي تجعل الباحثين ينفرون من الاهتمام والاشتغال على التاريخ المحلي.
ويشير أنه مؤخرا هناك توجها لدى بعض الطلبة في الاهتمام بالتاريخ المحلي بالجامعة الجزائرية، وأعطى مثالا بإحدى الطلبة التي اشرف عليه بجامعة الشلف الذي أنجز مذكرة ماستر حول تاريخ منطقة التنس جديرة بالنشر، و بذل جهدا كبيرا بجمع الشهادات و وصل إلى التأريخ للمنطقة، لأنه ليست هناك دراسات سابقة حول الموضوع ومذكرته أضحت دراسة سابقة للذين يأتون بعده.
ويؤكد أستاذ آخر على أهمية المونوغرافية في العهد الإستعماري لكتابة التاريخ المحلي،حيث أشرف على مذكرة طالبتين أنجزتا تاريخ شرشال من خلال المونوغرافية الاستعمارية، هي دراسة شاملة معمقة.
ويضيف: “نحن بحاجة ماسة لهذه الدراسات التي أنجزت في 1938 مثلا أو في 1952 لأنها تعطي معلومات دقيقة عن السكان طبيعيا،إقتصاديا،اليوم أي شخص يريد البحث في تاريخ منطقة ما مضطر التنقل إلى الأرشيف الوطني للبحث عن مونوغرافية أي ولاية”.
ويشير إلى وجود دراسات في العهد الاستعماري، لديها أغراض لان الدراسة المونوغرافية الهدف منها هو انجاز المخطط الاستيراتيجي لتطوير البلدية، و البلديات يقومون بمونوغرافيات في الجانب الاقتصادي والسكاني،و مع الوقت تصبح مصدر للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي وغيرها.
الأرشيف من أكبر المعارك
ويوضح الأستاذ علال بيتور أن التاريخ المحلي موجود بكثرة فيه وثائق لا تعد ولا تحصى لكن الأرشيف الجزائري الموجود بفرنسا مفقود استولت عليه دولة الاحتلال.
يقول: “هذا الأرشيف يمثل منجما من مناجم الذهب، لكل بلدية أرشيفها الخاص في فترة الاحتلال أرشيف تابع لوزارة الداخلية وأرشيف تابع للدرك الفرنسي، هذا الأخير يوميا يكتب تقارير”.
ويضيف: ” الباحث الجزائري في تاريخ الجزائر يعاني يطلب منه أن يكتب عن التاريخ الوطني والمحلي ولكن ليست له الوثائق، معركة استرجاع الأرشيف من اكبر المعارك وأشدها”.
من جهتها، تقول مديرة المتحف الوطني للمجاهد حياة معمري، أن هناك مبدأين في الأرشيف المحلي مبدأ المصدر ومبدأ ترك الوثائق أين أنجزت أو الأصح أين أنتجت، بالنسبة للجزائر فيه مصالح التوثيق على مستوى كل ولايات، هذا العمل يوكل إلى الأمانات العامة.
وتضيف معمري أن هناك تعليمة لتسليم الوثائق إلى المديرية العامة للمركز الوطني للأرشيف وبالفعل استرجعت هذه المؤسسة ما سمي بالأرشيف التاريخي ،وأبقت كل الولايات على الأرشيف الإداري.
وتشير إلى الحملة الوطنية التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين في 1971 بإسترجاع الأرشيف الخاص بطريقة نظامية، لأنه يمثل المصدر الوحيد، وهناك أرصدة خاصة على مستوى المتحف الوطني للمجاهد أو المركز الوطني للأرشيف، تضيف مديرة المتحف الوطني للمجاهد.