مركز تعذيب عين قرقور بالزلامطة في معسكر، مدفن للأحياء يستنطق الذاكرة وأنين الشهداء.
يقع معتقل عين قرقور بدوار عين قرقور التابع لإقليم بلدية الزلامطة، في منطقة معزولة تحيط بها الجبال، بني مطلع القرن 20.
استعمل من طرف فرقة الخيالة التابعة للدرك الفرنسي كمقر لها، يحتوي على 10 حجرات مقابلة لفناء واسع يتوسطه صهريج أرضي لتجميع مياه الأمطار طوله 12 مترا وعلوه مترين وعرضه ثلاثة أمتار.
استخدم بعد اندلاع الثورة التحريرية في تعذيب المجاهدين ومن تشتبه في صلتهم بالثورة المباركة، أين كانوا يقضون عقوبة السجن داخل هذا الصهريج الذي تتراوح مدة الاعتقال به بين 6 أشهر وسنتين، يقضيها الأسير تحت وطأة الاستنطاق والتعذيب.
يتسع هذا الصهريج لـ 30 سجينا بحسب الشهادات الحية الموثقة بمتحف المجاهد، واعتبرته أغلب الشهادات الموثقة، مدفنا للثوار وهم أحياء، كطريقة لتعذيبهم.
ويعد معتقل عين قرقور، من بين 76 مركزا للتعذيب عبر إقليم ولاية معسكر، لم تختلف طرق التعذيب الممارسة فيه عن باقي المراكز والمعتقلات بالولاية، على غرار مركز تعذيب كولان بـ «سيق»، نيقو بسيدي بوسعيد، الدار الحمرا بمعسكر التي احتوت على بئر يدفن فيها الثوار أحياء بعد تعذيبهم، و»كرطي بن داود» وسط مدينة معسكر الذي أقيم عليه مجمع سكني.
وقد اكتشف لدى تهيئة أرضيته، رفاة لشهداء قضوا نحبهم في أنفاق هذا المركز الذي لا تتوفر كثير من المعلومات عنه، ولا عن الأساليب الوحشية التي استعملت في تعذيب المجاهدين والشهداء، وهي تمثل 24 فئة و12 طريقة وأكثر من 62 مثالا لإبادة الجزائريين بوحشية، خاضت فيها أقلام المؤرخين والباحثين عن الحقيقة.
ولطالما سال حبر الحقيقة من أقلام الفرنسيين أنفسهم، عبر بعض وسائل إعلامهم التي أزاحت الستار عن مذكرات قادة الحرب، الذين كانوا يشرفون على عمليات التعذيب، على غرار مذكرات الجنرال الفرنسي «بول أوساريس»، المسؤول عن تعذيب وقتل كثير من المجاهدين الجزائريين خلال سنوات الثورة ضد المستعمر الفرنسي.
يقول الباحث في تاريخ المقاومة الجزائرية، الأستاذ بلقاسم حجايل، إن فرنسا الاستعمارية عملت لدى احتلالها الجزائر، على تطبيق مخططها باستعمال أكثر الطرق وحشية لإبادة الشعب الجزائري وإخضاعه لسلطتها، وعدد الباحث طرق التقتيل والتنكيل بالجزائريين في قائمة طويلة من الأساليب الوحشية حصر فيها 62 مثالا و24 فئة مدرجة وموزعة على 12 طريقة للإبادة الشنيعة، منها ما جاء في شهادات لفرنسيين أنفسهم عن كل جريمة اقترفت في سبيل سلب الأرض.
ويوضح حجايل أن حرب الإبادة الممنهجة ضد الشعب الجزائري الأعزل، زادت شناعتها بعد اندلاع الثورة التحررية، لاستحالة تنفيذ مخطط الإبادة، وما لوحظ من التفاف شعبي على الثورة المباركة وقيادة جبهة التحرير الوطني وجيشها.
وأشار إلى أنه لا يمكن لأحد تحديد الرقم الدقيق لنتائج الجرائم الفرنسية في الجزائر خلال 130 سنة من الاستدمار، بشكل يورط فرنسا الاستعمارية وقادة حربها ضد الجزائر في جرائم ضد الإنسانية.
وذكر حجايل أنواع الجرائم المرتكبة ضد الجزائريين العزل بطريقة باردة ومدروسة، تتناسب مع غياب أي شعور بشري في مرتكبيها، وهي تتراوح بين أنواع الإعدام بإجراءات موجزة، أو عن طريق التعذيب والتنكيل، يشهد على هذا العدد الهائل من السجون ومراكز التعذيب والمحتشدات التي ما تزال قائمة تروي قصص وأحداث ذكر التاريخ كثيرا منها..
وعلى سبيل رفع الحجاب عن الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي في الجزائر، من خلال جرائم الحرب التي استمرت حتى بعد قرار وقف إطلاق النار، منها إعدام الأطفال بهدف القضاء على النسل الجزائري.
فالحرب الفرنسية ضد الجزائريين لم تكن حربا بين جيشين، بل كانت حرب إبادة بكل المقاييس، وكل ما فرضته من قسوة وبربرية، تراوحت أشكالها وأنواعها بين 10 طرق، أهمها الإبادة بالغارات المنفذة على القبائل والتجمعات السكنية، القصف، الحرق، التعذيب والإعدام بإجراءات موجزة كالشنق والمقصلة، الألغام المضادة للأفراد، الاختطاف والتنكيل من طرف الميليشيات المدنية، الإبادة الجماعية باستعمال الغاز والدخان، القذف جوا والقصف الجوي للجبال، وكل مكان يشتبه في أن يرابط فيه السكان الموالون لجيش التحرير.
ولفت بلقاسم حجايل في حديث لذاكرة الشعب عن مؤلفه الذي يختصر جزءا منه الأساليب الوحشية والقمعية في إبادة الجزائريين، أن العنف الذي مورس على الجزائريين وصمة عار لا تمحى من على جبين فرنسا الاستعمارية، ما زال الفرنسيون أنفسهم يشهدون له في كتاباتهم ومواثيقهم، منها تلك التي أشارت إلى طريقة القتل «جمبري بيجار» نسبة لمخترعها العقيد الفرنسي Bigeard.
وكانت التقنية الأكثر إثارة والأكثر وحشية من عمليات الإعدام تتم بعد استدعاء ضحاياها من المقاومين وتنصب أقدامهم في قوالب إسمنتية، ثم تلقى جوا من الطائرة في البحر الأبيض المتوسط.
على أساس ذلك، يقول الباحث أنه لا بد من التذكير بهذه الجرائم والتعريف بها دون إهمال لذكر نتائجها وآثارها أو التغاضي عما خلفته من معاناة بين الجزائريين داخل وخارج الوطن.
وقال:” أن رسالة نوفمبر الخالدة لا تتوقف عند نيل الاستقلال أو مواصلة مسيرة البناء والتشييد الشاقة، بل هي رسالة عميقة لا بد أن تستكمل بالحفاظ عليها، وتحميل عبء صونها للأجيال القادمة”.