على هامش إحياء الذكرى السنوية للموسم الثقافي والديني “معروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي”، الذي اختير له شعار “لم الشمل.. مرجعية وطنية وتاريخية”، احتضن المركز الجامعي علي كافي بتندوف أمس، فعاليات الملتقى الوطني العلمي الـ13 حول ثورة أول نوفمبر 1954 ودورها في تجسيد الوحدة الوطنية، بحضور محمد مخبي والي تندوف والسلطات المدنية بالولاية.
شارك أساتذة ومؤرخون من جامعات أدرار، تيبازة، باتنة والمركز الجامعي تندوف، في هذا الملتقى، الى جانب حضور الدكتور محمد بغداد مدير الإعلام والتوثيق بالمجلس الإسلامي الأعلى وسيد اعمر الشيخ الكنتي شيخ الطريقة الكنتية.
شهد الملتقى التوقيع على اتفاقية تعاون بين المركز الجامعي علي كافي وجمعية معروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي، كما تم تكريم عائلات 12 شهيد من شهداء المنطقة إبان الثورة التحريرية.
قال الدكتور مبارك جعفري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة أدرار أن الاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لعيد الاستقلال والـ68 للثورة التحريرية، تأتي في ظرفية خاصة يطبعها ازدياد وتيرة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الجزائر والتي تمس بسيادتها، وحدتها واستقرارها.
فرنسا خسرت مستعمراتها لأنها لم تفهم بيان أول نوفمبر
أضاف الدكتور جعفري متحدثا لـذاكرة”الشعب” إن ثورة أول نوفمبر 1954 وحّدت الشعب الجزائري حول قضيته التي آمن بها كما آمن باستقلاله وحريته، لأنها كانت ثورة كل الشعب، بكل فئاته وأطيافه على اختلاف الانتماء الجغرافي والإيديولوجي.
وأشار المتحدث الى أن جبهة التحرير الوطني ناضلت من أجل وحدة الشعب، المصير، الهدف والتمثيل، وهي أربعة عناصر، يرى الدكتور جعفري أنها مصدر قوة الثورة التحريرية المظفرة وعامل نجاحها، قابلتها استماتة من طرف المستعمر الفرنسي لتقسيم الشعب إثنيا وجغرافيا، وخلق تمثيليات للشعب الجزائري لإضاعة بوصلته النضالية وضربه في وحدته وصموده، لتصطدم في الأخير بخسارة كل مستعمراتها كنتيجة لتعنتها وغطرستها وعدم فهمها لرسالة بيان أول نوفمبر.
وعرج الدكتور جعفري على أهداف الملتقى الوطني العلمي الـ13، وأكد على أن هذا الملتقى ومعروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي فرصة سانحة للتذكير بمناقب الشهداء، وللتذكير كذلك بوحدة الشعب الجزائري ووحدة مصيره.
وأشار الى أن كل قادة الثورة التحريرية استشهدوا خارج مناطقهم، وهو دليل كاف يؤكد على البعد الوطني للثورة التي صهرت كل فئات المجتمع الجزائري في بوتقة واحدة وراء هدف واحد.
وفي السياق، أكد المتحدث أن ثورة أول نوفمبر 1954 تشكل المرجعية التي لا يمكن تخيّل بناءً للجزائر دون الرجوع إليها، ولا يمكن أن يجد الشعب الجزائري مرجعية واحدة موحِدة غير بيان أول نوفمبر، فالذين حرروا البيان –يقول المتحدث- كانوا يحملون معاني الوطنية والتضحية والكبرياء، فرغم ظروف الحرب وانقسام الحركة الوطنية أوجدوا لنا بيانا، كان داعيا للسلم قبل أن يكون داعيا للحرب، حتى بات يشكّل مرجعية لكل الثوار في العالم لمعانيه السامية وأهدافه النبيلة وقدرته على المحافظة على وحدة الصف.
وقال الدكتور جعفري أن تجليات الوحدة الوطنية التي أورثتها الثورة التحريرية وتناقلتها الأجيال بكل أمانة، أوجدت لنا مؤسسة عسكرية حمت الدولة الجزائرية وكانت صمام أمان الشعب، فكان لها –أي الثورة التحريرية- الأثر البالغ في التحام الشعب بجيشه وميلاد رابطة جيش – أمة، وساهم بيانها في استتباب الأمن والاستقرار في البلاد كمرجعية وطنية وتاريخية لا يمكن الحيد عنها.
لحظة إنجاز الإنسان الجزائري
ونوه الدكتور محمد بغداد، مدير الإعلام والتوثيق بالمجلس الإسلامي الأعلى، في تصريح لذاكرةالشعب، بأهمية اللقاءات الأكاديمية التي تتم بالشراكة مع المجتمع المدني، مشيراً إلى رمزية مكان وزمان انعقاد الملتقى الوطني الـ13 حول ثورة أول نوفمبر 1954 والأبعاد التاريخية، الثقافية والدينية التي تناولها معروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي.
وأشار الدكتور بغداد الى أن الملتقى الوطني الـ13 حول ثورة أول نوفمبر 1954 يأتي غداة احتفال الشعب الجزائري بحدثين مهمين، ستينية الاستقلال والذكرى الـ68 لاندلاع الثورة التحريرية، وبين الحدثين –يضيف المتحدث- تسجل الجزائر انتصارات دبلوماسية جسدها لم شمل الفصائل الفلسطينية ونجاح القمة العربية.
ودعا بغداد المؤسسات العلمية والأكاديمية الى إثارة ديناميكية جديدة في الحياة الجامعية والفكرية الجزائرية، من خلال العمل على استعادة دور النخبة واندماجها مع المجتمع المدني في إطار فعاليات فكرية وعلمية هادفة تقودنا الى إعادة بعث الدور الحيوي داخل المجتمع يحقق ثقة المواطن في ذاته وفي بلده وتاريخه وإنجازاته، وألا يبقى المجتمع المدني مجرد تكتل مهمته فقط نقل الانشغالات اليومية للمواطن، بل ينبغي عليه أداء دوره التاريخي في نشر الوعي واستعادة دور ووهج الهوية الوطنية في الأجيال الجديدة.
وأكد مدير الإعلام والتوثيق بالمجلس الإسلامي الأعلى أن ثورة أول نوفمبر ليست حدثاً تاريخياً فحسب، وإنما هي لحظة إنجاز الإنسان الجزائري، وينبغي علينا أن نعيش نوفمبر في كل يوم، على مستوى التربية، الأخلاق والالتزام، كما ينبغي أن تتجسد ثورة نوفمبر ومعالم الجزائر الجديدة في إتقاننا للعمل وفي دفاعنا عن الهوية وعن مكتسباتنا الوطنية.
وعرج الدكتور بغداد على المرجعية الدينية الجزائرية، وشدد على ضرورة الانتقال من مستوى الشعار الإعلامي لعبارة “المرجعية الدينية” بمضامينها النفسية والتاريخية والتي كان لها دور في حماية المجتمع عبر التاريخ إلى مستوى المشروع الاجتماعي، الثقافي، الفكري، الديني والفقهي، بحيث تتحول معه المرجعية الدينية إلى مشروع تمثله مؤسسات رسمية دينية من خلال برامج وأهداف واضحة المعالم يشارك فيها الجميع ويمارسها الجميع.
وشدد بغداد على ضرورة أن تحظى المؤسسة العسكرية والأمنية بدعم من المجتمع، من منطلق أن المحافظة على أمن البلاد مسؤولية الجميع وليس مسؤولية حصرية ملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية، مشيراً الى أن رابطة جيش – أمة هو نموذج فريد في بناء الدولة وتسييرها، وهو حياة مجتمع ونهضة أمة.
سياسة الجزائر أبقتها في منأى عن التجاذبات الدولية
وأكد سيد أعمر الشيخ الكنتي، شيخ الطريقة الكنتية، أن الزوايا اليوم مطالبة بالمحافظة على دورها التاريخي والحفاظ على المرجعية الدينية الجزائرية المتمثلة في المذهب المالكي وتوحيد المجتمع الجزائري بكل أطيافه ومكوناته.
وأشار إلى أن شيوخ الزوايا اليوم أمامهم فرصة تاريخية هي السعي في لم الشمل الذي بادر به رئيس الجمهورية بين الفصائل الفلسطينية وبين الدول العربية والفرقاء الماليين.
وأكد شيخ الطريقة الكنتية أن الجزائر تسير وفق سياسة حكيمة أبقتها في منأى عن التجاذبات الإقليمية والدولية، فلم تساند فصيلاً على حساب آخر ولم تتورط في نزاعات دولية، بل اتخذت من لم الشمل ووحدة الصف خطاً عريضاً لسياستها الخارجية.
وأكد أن سعيها في إيجاد حل للقضية الصحراوية هو واجب وشرف ومصير، لأن الصحراء الغربية مرجعية لاستقرار شمال إفريقيا وهي عامل لاستقرار كافة القارة الإفريقية.
ونوه شيخ الطريقة الكنتية إلى ان الزوايا في المناطق الحدودية أخرجت آلاف المجاهدين في جبهة الجنوب إبان الثورة التحريرية، والذين تشبعوا بحب الوطن وغرفوا من مناهل العلم والوطنية بين جدران الزوايا على غرار قبيلة الرقيبات، والمطلوب اليوم من شيوخ الزوايا السير على نهج الثورة التحريرية والعمل على توحيد المجتمع الجزائري بكل مكوناته.
توقيع اتفاقية تعاون
على هامش الملتقى الوطني الـ13 حول ثورة نوفمبر ودورها في تجسيد الوحدة الوطنية، وقعت اتفاقية تعاون بين المركز الجامعي علي كافي بتندوف وجمعية معروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي بهدف تحقيق المصالح المشتركة بينها.
تهدف الاتفاقية الى إقامة التعاون بين الطرفين من خلال تعزيز مشاركة المركز الجامعي بتندوف في التنمية المحلية للولاية، على أن تتكفل جمعية الشيخ سيد أحمد الرقيبي بالمساهمة في التربصات الميدانية الخاصة بالطلبة في جميع التخصصات وإشراك المركز الجامعي علي كافي بإنجاز الأعمال البحثية التي تندرج ضمن الأعمال المتعلقة بالتنمية وتطوير التكوين عن طريق التمهين وتزويد الهياكل المختلفة التابعة لجمعية معروف الشيخ سيد أحمد الرقيبي بالحلول المجدية ذات الطابع العلمي للمركز الجامعي علي كافي بتندوف، وتتكفل الجمعية بتوفير الوسائل الضرورية تحت تصرف الأساتذة والباحثين من أجل إنجاز المشاريع العلمية.