حظيت الثورة الجزائرية منذ قيامها بتأييد ودعم عربيين من حكومات وشعوب، سواء بالمظاهرات أو الإضرابات أو بالاحتجاجات أو المهرجانات الشعبية.
ناهيك عن المساعدات المادية الحكومية والشعبية كل حسب إمكانياته وموارده، بل وهناك الكثير منها من كان يعيش الفقر والاستعمار إلا أن إيمانها بالقومية العربية دفعها لتقديم الدعم على غرار السودان واليمن.
رغم الأوضاع المزرية التي كان يعاني منها من فقر وأوضاع متدهورة ناجمة عن الصراعات المذهبية والعقائدية التي كانت عليهـا البلاد آنذاك، إلا أن ذلك لم يمنعها من إعلان دعمه المعنوي المطلق للثورة الجزائرية وكفاح الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي.
جاءت مواقف السودان في هيئة الأمم المتحدة مؤيدة للقضية الجزائرية في 16 جويلية 1958، حيث كانت من الدول الأولى التي وقعت على الرسالة التي تضمنت طلب تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة الـ13 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
إلى جانب المذكرة التوضيحية المصاحبة لهذه الرسالة، والتي جاء فيما يلي: «إن الحرب ظلت مستمرة في الجزائر دون هوادة، متسببة في زيادة الآلام والخسائر البشرية، وليس هناك أي بادرة لوجود حل يتفق مع مبادئ وأهـداف ميثاق الأمم المتحدّة بـل إن هناك علائم تـثير القلق ظهرت في الأشهر الأخيرة، تدل على أن الوضعية قد ازدادت خطورة لأن الحـوادث قد اجتازت نطاق الحدود الجزائرية».
استقبال الوفود الجزائرية وضغط سياسي مؤثر على المواقف الدولية
وأكد السودان مواصلة دعمها المعنوي للقضية الجزائرية، خلال زيارة الوفد الجزائري برئاسة أحمد توفيق المدني العاصمة السودانية الخرطوم، حيث أقنعت الحكومة السودانية الوفد الجزائري بدعمه في المشاركة في مؤتمر أكرا العاصمة الغانية في 1958.
وحدث ذلك بعد مقابلة رسمية مع رئيس الحكومة السوداني، والتي أعقبتهـا مقابلة أخرى مع وزراء حكومته، مثلما جاء اعتراف السودان بالحكومة المؤقتة للجمهورية.
وفي 22 سبتمبر 1958، جاء اعتراف السودان بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ليدعم الموقف العربي الموحد القضية الجزائرية.
وفي دورة 1959 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد ممثل السودان في لائحة اللجنة السياسية ما يلي: «من المؤسف أن تتغيب فرنسا في الوقت الذي يسلم فيه ديغول الرئيس الفرنسي بالصيغة الدولية للقضية الجزائرية عندما اعترف بحـق تقرير المصير».
وبدعوة من السلطات السودانية التي أحست بنوع من التقصير في حق القضية الجزائرية بسبب الفقر والضعف الاقتصادي الذي يعاني منه السودان، توالت زيارات الوفد الجزائري إلى القطر السوداني، ما سمح للجزائريين من العمل على جمع الإعانات وفتح مكتـب لجبهة التحرير الوطني الجزائرية رسميا في العاصمة الخرطوم.
وبموجب ذلك، عقدت ندوات عديدة تشرح القضية الجزائرية وسبل دعمها ماديا ومعنويا، وكان من أهمها الندوة التي عقدها الشيخ أحمد توفيق المدني رئيس الوفد الجزائري.
ما أدى إلى بروز دور الطبقة المثقفة السودانية في نصرة القضية الجزائرية جماهيريا، وقام أساتذة وطلبة جامعة الخرطوم بمظاهرات وتجمعات تناولت التأييد المطلق للقضية الجزائرية.
وتوالت دعـوات السلطات السودانية الرسمية لجبهة التحرير الوطني قصد المزيد من توعية الجماهير السـودانية بالقضية الجزائرية، وقد لبت هذه الدعوات، حيث قام وفد جزائري بزيارة الخرطوم وكـان في استقباله مندوب وزارة الخارجية أحمد حسن مطر رئيس التشريفات وعدد كبير من ممثلي الوزارات والأحزاب.
وكللت الزيارات المتكررة للسودان بزيادة ربط العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، وأصبحت السودان من بين الدول العربية التي دافعت باستماتة على الثورة الجزائرية.
و اتخذت الحكومة السودانية قررا شجاعا تمثل في سحب سفيرها من العاصمة الفرنسية باريس، ردا على السياسة القمعية الممارسة ضد الشعب الجزائري، ووجهت مذكرتي احتجاج شديدتي اللهجة للسفارة الفرنسية بالخرطوم.
عبرت فيهما عن استنكارها الكبير للمجازر المرتكبة من طرف الجيش الفرنسي في حق الشعب الجزائري، وطالبت الحكومة الفرنسية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام المتواصلة ضد الوطنيين الجزائريين والإسراع في الاعتراف باستقلال الجزائر الكامل.
وعلى الصعيد الرسمي، أعلن رئيس الوزراء عبد الله خليـل تضامن حكومته مع قضية الشعب الجزائري، وأكد أن السودان رغم أنه كان تحت الاستعمار الإنكليزي إلا أن هذه الوضعية لن تمنع الدعم المعنوي الذي ظهر في هيئة الأمم المتحدة.
وأرسلت عـن طريق سفيرها في القاهرة مبلغا ماليا حسب طاقتها، وردت جبهة التحرير بواسطة محمد الأمين دباغين برسالة شكر وتقدير على هـذه الالتفاتة العربية لـدعم القضية الجزائرية.
وبمؤتمر الاتحاد الدولي للنقابات العربية في 1961 الذي كان يضم نقابة العمال في مصر، العراق، ليبيا، اليمن والسودان و أكثر من ستة ملايين منخرط من العمال العرب.
واتخذ قرار هام تعلق بمقاطعة البضائع الفرنسية إلى جانب وسائل النقل من بواخر وطائرات، وذلك بعد أن كانت هذه النقابات قد قاطعت البواخر الأمريكية، وقد نجحت المقاطعة وجاءت بنتائج إيجابية لصالح الثورة الجزائرية.
وباليمن أرض الحضارة والتراث والتاريخ المجيد طغى الدعم المعنوي على سياسته، خلال المراحل التي قطعتها القضية الجزائرية والثورة، حيث تعذّر على السلطة اليمنية توفير ما تحتاجه الجزائر من الدعم المادي، نظرا للهيمنة الإنجليزية على المنطقة حليفة فرنسا في الحلف الأطلسي، لذلك انحصر دعمها لها سياسيا في المحافل الدولية سيما في هيئة الأمم المتحدة.
وكان اليمن من بين الدول العربية الأولى التي دعمت تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 01 أكتوبر1955.
وبرز دورها مجددا في هذه الهيئة الدولية، في 15 فبراير 1957 وبعد نقاش دام أكثر من عشرة أيام، انتهى إلى كتابة عريضة تدعو الطرف الجزائري والطرف الاستعماري الفرنسي إلى ضرورة إيجاد حل عادل وسلمي للقضية الجزائرية.
الهيئات الدولية والأممية.. شاهد على تدويل قضية شعب حر
من جهة أخرى، ساهمت اليمن بقدر وافر في الندوة الدولية النقابية لمساعدة الثورة الجزائرية المنعقدة في 8 سبتمبر 1958 بالعاصمة المصرية القاهرة والتي حضرها ممثلو 18 دولة، وكانت الجامعة العالمية لنقابات العمال العرب هي التي دعت إلى عقد هذه الندوة الدولية لنصرة القضية الجزائرية.
وفي 19 سبتمبر 1958 عندما أعلن رسميا عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كانت اليمن من الدول السباقة إلى الاعتراف بها رسميا وكان ذلك في 21 سبتمبر 1958، وفي الدورة الخامسة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ضمت اليمن صوتها إلى مجموعة الدول الأفرو- آسيوية الـ35 التي صوّتت على لائحة اللجنة السياسية الخاصة بالقضية الجزائرية.
وفي دورة 1959 أكد ممثل اليمن على أنه يجب على الحكومة الفرنسية تقبـل فـكـرة محـاورة ممثلي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، خاصة ما تعلق بالطرق الكفيلة التي يمكن تطبيقها في الفترة الانتقالية، قبـل البـدء في عمليـة ضرورة ضبط الضمانات التي أقرتها هيئة الأمم المتحـدة للاستفتاء، لممارسة كل الحريات ولنجاح عملية الاستفتاء نفسهـا وعند افتتاح الدورة الأممية لعام 1959، تطرقت اللجنة السياسية التابعة للأمم المتحدة لملف القضية الجزائرية في 30 نوفمبر 1959.
وحضر الوفـد الجزائري بعد أن خصصت له ستة مقاعد في أماكن الملاحظين، وفي هذه الدورة كانت اليمن ضمن قائمة الدول السباقة إلى التصويت بـ 26 صـوتا على لائحة اللجنة السياسية مقابل امتناع 17 صوتا.
وقد ذكر ممثل اليمن في هذه الدورة فرنسا بما يلي: «يجب على فرنسا أن تقبل المناقشة مع ممثلي الحكومة الجزائرية المؤقتة حول وسائل اختصار الفترة الانتقالية قبل الاستفتاء».
وكانت اليمن ضمن الدول الأفرو – آسيوية التي وجهت رسالة إلى الكتابة العامة للأمم المتحدة، بهدف التعجيـل بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في 20 جويليـة 1960، وكـان مندوب اليمن في الأمم المتحدة من الموقعين على الرسالة وفي سياق مساندة اليمن للثورة الجزائرية دبلوماسيا.
وكان الوفد اليمني ضمن وفود الاتحاد الدولي للعمال العرب الذي أكد في مؤتمره المنعقد في 1961 على ضرورة مقاطعة الطائرات والبواخر والسلع الفرنسية، ومؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد في بلغراد في 1961، فقد شاركت فيه اليمن وندّد فيه مندوبها بالاستعمار العالمي، وفضح مناورات الاستعمار البريطاني لتثبيت أقدامه في جنوب اليمن.
في المقابل، أكد ضرورة احترام ومصداقية الأمم المتحدة في مصادقتها على قرار يمنع استعمال الأسلحة النووية في إشارة إلى فرنسا، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بهـذا الشأن خاصة وأن الظرف كان مناسبا، بحيث كانت فرنسا في الوقت نفسه قد بدأت تجاربها النووية في الصحراء الجزائريـة.