يقول المؤرخ الدكتور العربي الزبيري، في حوار لموقع “ذاكرة الشعب”: ” لحد الآن لم نكتب التاريخ لأنه صعب.. لم نتمكن من ضبط المفاهيم والمصطلحات، وهذا يتطلب إنشاء مدرسة وطنية للتاريخ”.
معالجة التاريخ في الجامعة الجزائرية بين الأمس واليوم، ما قولكم؟
العربي الزبيري: لحد الآن لم نكتب التاريخ لأنه صعب، التاريخ هو مفتاح البناء والتشييد، من دون تاريخ لا يمكن أن نصل إلى البناء والتشييد وهذه حقيقة. نحن لم نعط التاريخ حقه لا بالأمس ولا اليوم، الجامعة كانت تستقي من الخارج. لم تكن لنا مدرسة وطنية.
المدرسة الوطنية هي التي تضع المفاهيم والمصطلحات، مفاهيمنا ومصطلحاتنا مأخوذة من غيرنا، ما دامت المفاهيم ليست لنا لا يمكن أن نكتب تاريخنا، فنحن نكتب التاريخ الذي يريده الآخر والذي لا يخدم مصلحة الجزائر.
لأجل ذلك عندما تقولين التاريخ بين الأمس واليوم، أقول لك إننا مازلنا حتى الآن ما لم نتمكن من وضع المفاهيم والمصطلحات، أي ما لم نتمكن من بناء المدرسة الوطنية وضبط مفاهيمها ومصطلحاتها فإننا لا يمكن أن نكتب تاريخنا بالشكل الذي نريده أبدا.
في هذا الإطار متى تتجسد تأسيس مدرسة وطنية بأقلام مؤرخين جزائريين؟.
المشكل ليس المؤرخين الجزائريين، المشكل هو هذه المدرسة، لكي تُؤسس يجب أن يكون هناك قرار دولة، هناك بعض الكيانات لا أذكر اسمها تعطي التاريخ أهمية قصوى، لان مصطلحات ومفاهيم التاريخ هي التي تساعدنا على البناء وإعادة البناء.
نحن لم نفعل هذا، ومازلنا حتى الآن نكتب مثلما يبدو ويحلو لنا، ونعيد الكتابة وهذا غير صحيح، إذا أردت كتابة تاريخ الجزائر فينبغي أن تضبط المصطلحات والمفاهيم، وهذا لا يكون إلا بواسطة المدرسة التاريخية.
بدون منظومة أفكار لا يمكن كتابة التاريخ
هل أثرت الإيديولوجية في كتابة التاريخ؟
طبعا، الأيديولوجية هي منظومة أفكار، إذا لم تكن هناك منظومة أفكار لا يمكن كتابة التاريخ أو إعادة كتابته، إذا انتزعت الأفكار والمصطلحات من التاريخ، لم يعد تاريخ، والأيديولوجية هي التي تضبط ذلك.
التاريخ الثقافي جزء مهم من تاريخ الجزائر، لماذا توقفت مجهودات خيّرة في هذا الباب بعد وفاة المؤرخ أبو القاسم سعد الله؟.
قولي لماذا توقفت الأعمال في هذا المجال، منذ انطفاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيوخ الأوائل للجمعية مثل الشيخ عبد الحميد بن باديس، الطيب العقبي، وغيرهم أولوا عناية وأهمية للثقافة.
الدكتور أبو القاسم سعد الله هو نتاج هذه الجمعية، الثقافة لا تنتظر شخصا واحدا، هي منطلق حياة المجتمع بصفة عامة. نحن لم نهتم بالثقافة وما زلنا لحد الآن. الثقافة هي الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، من دون ثقافة لا يمكن أن نصل إلى نتائج إيجابية.
الحديث عن كتابة التاريخ الثقافي له وجهان وجه جزائري وآخر استعماري، وهي من بين المسائل العالقة في الذاكرة ما قولكم؟.
التاريخ واحد ليس هناك تاريخ استعماري أو جزائري، الاستعمار يعتدي على التاريخ، ما لم نطهر التاريخ ونعيده إلى أصله لا يمكن إعتماده.
التاريخ هو التاريخ الوطني،لم نهتم بمدرسة وطنية للتاريخ، وهذا خطأ ما لم نتمكن من بناء هذه المدرسة، لا يمكن أن نصل إلى ما نرجوه.
خطاب الذاكرة حاليا مرتبط بآليات استرجاع ما ضاع من ذاكرة الجزائر، ما رأيكم في الذي تجسد لحد الآن، وما تأملونه لاحقا؟
استعادة الذاكرة يتطلب جهد. من يبذله؟، الوطنيون هم من يبذلون هذا الجهد، ومن هم الوطنيون؟، ينبغي أن نضعه في موضع سهل المنال،كل شيء ضاع من ذاكرة الجزائر، وإذا كنا نريد استرجاع هذه الذاكرة يجب أن نؤسس مدرسة وطنية تأخذ في الاعتبار جميع الفروع، تهتم بعلم الاجتماع الوطني، علم النفس الوطني، التربية الوطنية، المدرسة الوطنية تهتم بكل التخصصات انطلاقا من حقيقتنا وواقعنا للوصول إلى ما يفيدنا وما ينفعنا.
المذكرات الشخصية مفسدة للتاريخ.. التاريخ علم وليس مذكرات
بالنسبة للمذكرات الشخصية أو الذاتية فيها الغث والسمين، ما تقييمك للمذكرات التي كتبت لحد الآن؟
المذكرات مسألة شخصية، وليست التاريخ، هي أبعد ما يكون عن التاريخ هي مفسدة للتاريخ، لأنها تنطلق من شخص يكتب انطلاقا من عاطفته ومن رغبته في الوصول إلى أي نتيجة.
إذا كان يكتب من هذا المنطلق فلماذا نعتمده في كتابة التاريخ؟، نقرأ كل المذكرات وكل ما كتب فيها ولكن ندرس، لأن التاريخ علم وليس مذكرات.
فكرة سعيت إلى تجسيدها في كتابة التاريخ، ولم تسعفك الظروف في ذلك، ما هي؟.
ليست فكرة هو واقع، مثلا بيان أول نوفمبر1954، كتبه مناضلون لم يكتبه علماء، البيان يضم مفاهيم ومصطلحات كتبت باللغة الفرنسية عندما ترجمت كانت ترجمتها خاطئة، حاولت ومازلت أحاول أن أصلح هذه الأخطاء لأنها قاتلة.
هدف بيان أول نوفمبر الأول هو “إعادة بناء الدولة الجزائرية”
ترجمة البيان تقول إن الهدف الأول إقامة الدولة الجزائرية، ليس هذا هو الهدف الأول، الذين كتبوا يقولون”إعادة بناء الدولة الجزائرية”، واستمراريتها وهذا ليس هو البناء.
اجتهدت واتصلت بجهات كثيرة، ولكنني لم انجح حتى الآن.