شهدت الجزائر إبان الثورة التحريرية وضعا إنسانيا مزريا، استوجب على قيادة الثورة التكفل به بتأسيس المصلحة الصحية لجيش التحرير الوطني كحل أولي لمعالجة مختلف القضايا الإنسانية، حسب شهادة الأمين العام للهلال الأحمر الدكتور مصطفى مكاسي.
يقول مصطفى مكاسي: “مع كثافة التطورات الميدانية و محاولة فرنسا توظيف الجانب الإنساني، تقرر تدعيم الثورة التحريرية بجمعية إنسانية وطنية تحت اسم “الهلال الأحمر الجزائري”.
تأسس الهلال الأحمر الجزائري رسميا في 9 جانفي 1957، بعد انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، قررت لجنة التنسيق والتنفيذ تدعيم المصالح الصحية لجيش التحرير الوطني بإنشاء جمعية إنسانية وطنية هدفها: التخفيف من معاناة الجزائريين، وتبليغ الرأي العام الدولي بمآس الشعب الجزائري وتدويل القضية الجزائرية.
ويضيف مكاسي أن قيادة الثورة شرعت في الاتصالات بالجزائريين المقيمين بتطوان المغربية، حيث اتصل الأستاذ عبد القادر شنغريحة، بالطبيب بن سماعين، والصيدلي عبد الله بن مراد، لتحرير تقرير أولي لتأسيس جمعية إنسانية وطنية مسماة الهلال الأحمر الجزائري وتقديم ملف التأسيس للجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف.
وبعد إرسال التقرير إلى قيادة الولاية الخامسة التاريخية، أعلنت لجنة التنسيق والتنفيذ عن تأسيس الهلال الأحمر الجزائري في 11ديسمبر 1956، وأودع طلب الاعتماد لدى محافظ منطقة طنجة باعتبارها منطقة دولية، من اجل التخفيف من معاناة الجزائريين.
وفي هذا الصدد، يقول مكاصي: “قام منظرو الكفاح المسلح بتوفير كل الإمكانيات والوسائل، ونظموا كل الجوانب بطريقة محكمة، وقد حددت لجنة التنسيق والتنفيذ مقره في طنجة وكلفت الأخ عبد القادر شنغريحة، بإيداع القانون الأساسي في المغرب واتصل بصفته مسؤولا عن جبهة التحرير الوطني بأعضاء السلك الطبي لناحية المغرب وهم بن سماعين، والصيدلي بن مراد، وطلب منهما إيداع القانون الأساسي للهلال الحمر الجزائري، فاختارا مدينة طنجة باعتبارها منطقة دولية يسهل فيها تكوين الشركات والبنوك والجمعيات”.
ويشير إلى أن الاعتراف بالهلال الأحمر الجزائري كان في جوان 1957 إلا انه لن يكن رسميا لان الاعتراف الرسمي يستند لشروط.
تشكل الهلال الأحمر الرسمي، من الرئيس حسان بوكلي، النائب الأول بن باحمد مكلف ببعثة الشرق الأوسط، النائب الثاني مولود بوقرموح، الأمين العام الدكتور مصطفى مكاسي، نائب الأمين العام الأول الدكتور جلول اوهيب، الأمين العام للخزينة بلول اكلي،النائب الأول للخزينة محمد ميدوم قندوز، النائب الثاني أمين براشمي مفتاح، والأعضاء المقيمين هم الدكتور جيلالي بنتامي،الدكتور عبد السلام هدام،الدكتور بشير عبد الوهاب، عباس تركي، فتوي، حبيب بن يخلف، يسعد يسعد، زوبيدة بلحاج، شنتوف، والدكتور تجاني هدام.
وتوضح شهادة مكاسي أنه بتأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية تطلبت الظروف نقل مقر الهلال الأحمر من طنجة إلى العاصمة التونسية وتجميع كل فروعه، وإحداث تعديلات في قانونه الأساسي وكلف المتحدث بالعملية بصفته أمينا عاما، فأجر شقة مجهزة بأثاث قديم وشرع في الأنشطة في ظرف وجيز.
وعين أعضاء جدد لتسيير الهلال وهم: الرئيس بن باحمد نائب الرئيس، اوشارف، الأمين العام مكلف بالشؤون الاجتماعية بوضربة،الأمين العام للخزينة بلول، مندوب الهلال بجنيف بن تامي، مندوب الهلال بالمغرب لحبيب بن يخلف، إضافة إلى العضوين اوهيب وطالبي.
طبق اتفاقية جنيف في التعامل مع الأسرى
التزمت قيادة جبهة التحرير الوطني بتطبيق اتفاقية جنيف الثالثة على الأسرى الفرنسيين وتجاهلتها السلطات الاستعمارية.
وبذلك برهن الهلال الأحمر الجزائري عن الالتزام بالقوانين الدولية ويظهر ذلك من خلال المراسلات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وزودت هيئة الهلال الأحمر الجزائري بقائمة اسمية للأسرى من الجنود الفرنسيين من قبل قيادة جيش التحرير الوطني وتبليغها للجنة الدولية للصليب الأحمر عن طريق مندوب الهلال بجنيف بن تامي، يقول مكاسي.
ومن بين العمليات التي أطلق فيها سراح الأسرى الفرنسيين، إطلاق سراح أربعة أسرى من الجنود الفرنسيين بمقر الهلال الأحمر التونسي يوم 20 أكتوبر 1958، بحضور ممثل سفارة المغرب وممثل الحكومة المؤقتة الجزائرية ومندوب اللجنة الدولية للصليب الأحمر والحكومة التونسية، وفي فيفري 1959 أطلق سراح 08 أسرى بمدينة وجدة، ثم 06 جنود من القوات الاستعمارية.
وتواصلت عملية إطلاق الأسرى من الجانب الجزائري إلى غاية الاستقلال، وفي 30ديسمبر 1961 أطلق سراح اسرين من القوات الاستعمارية بتونس.
بالنسبة للأسرى الجزائريين كانت هذه القضية من أهم القضايا، التي شغلت طاقم الهلال الأحمر الجزائري، ويظهر ذلك من خلال المراسلات المبعوثة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمطالبة الدولية الاستعمارية بالالتزام بتطبيق اتفاقية جنيف الثالثة على الأسرى العسكريين والمعتقلين الجزائريين بتحسين معاملتهم وظروف اعتقالهم ومنع تعذيبهم والسماح لأسرهم بزيارتهم.
من إنجازات الهلال الأحمر الجزائري، توفير اللوازم الصحية والأدوية،تكوين المسعفين، الممرضين والممرضات والأطباء،الدعاية، حيث وجه منشورات ورسائل لمختلف الدول والهيئات الدولية،التكفل باللاجئين الجزائريين في تونس والمغرب وليبيا،الحصول على الهبات الدولية والنقدية والمادية.
إضافة إلى إقامة دور الحضانة وتنظيم مخيمات صيفية لفائدة أطفال اللاجئين،إنشاء مراكز التأهيل والتكوين المهني للمراهقين،تهيئة أماكن خاصة للراحة خاصة بالمسنين والجرحى والمعطوبين،إقامة مراكز التمريض ومجمعات صحية، وتنظيم عمليات تبني اليتامى من أطفال اللاجئين.
خدمات إنسانية للصليب الأحمر الدولي
قدم الهلال الأحمر الجزائري خدماته الإنسانية للصليب الأحمر الدولي بخصوص قضية الأسرى الفرنسيين، تمثلت في التدخل لضمان معاملة الأسرى الفرنسيين بطريقة إنسانية وتمكينهم من تبادل الرسائل مع عائلاتهم عن طريق الهلال الأحمر الجزائري،السماح للأسرى الفرنسيين باستقبال الطرود من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعائلاتهم.
تمكن الهلال الأحمر الجزائري من نقل رسائل صوتية مسجلة من قبل الأسرى، وسلمتها للجنة الدولية للصليب الأحمر من اجل تسليمها لعائلاتهم،أماكن احتجاز الأسرى الفرنسيين كانت مطابقة لنصوص اتفاقيات جنيف من حيث الغذاء واللباس.
ولم يسجل الهلال الأحمر الجزائري أي استغلال جسدي أو فكري للأسرى الفرنسيين من طرف جيش التحرير الوطني، الذي كان يوفر لهم الألبسة النظيفة، السجائر، والجرائد و وفر لهم مذياعين صغيرين وبعض الألعاب.
وفي 08 فيفري 1958 قررت جبهة التحرير الوطني تشجيع كل مبادرة مفادها تحسين حالة الأسرى ، و قررت إقامة مخيمات للأسرى الفرنسيين في دول محايدة، كل الأعمال الإنسانية، التي قام بها الهلال الأحمر الجزائري كانت بمساعدة كل عضو من أعضائه فكل واحد يعمل كل ما بوسعه على مستواه لتخفيف الآلام ومساعدة الآخرين وهذا ما يعطي صورة مؤثرة على روح التضامن التي كانت سائدة خلال مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، يقول مكاسي.
المصدر: المتحف الوطني للمجاهد