إلتحقت المجاهدة زينة مباركي، المدعوة “نجيمة”، في 1955 بصفوف جيش التحرير الوطني وهي في الـ 15 من العمر، وقت كانت فيه هذه المهمة تبدو صعبة بالنسبة لأترابها من الذكور.
صرحت نجيمة، في لقاء مع وأج بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، أن إيمانها بقضية الوطن وتصميمها على محاربة العدو الفرنسي دفعها مع صديقتيها المقربتين مليكة و الجيدة للإلتحاق بالثورة، ليتصدرن عناوين الصحف الاستعمارية، التي تحدثت بإسهاب عن إنضمام الفتيات الثلاث في سن مبكرة إلى صفوف الجبهة، في حين أنه لم يتم بعد قبولهن رسميا بمعاقل الثورة، حسب رواية المجاهدة نجيمة.
وبلغت قصة الصديقات الثلاثة مسامع العقيد عميروش، الذي كان له سابق معرفة بزينة مباركي، خلال مهماته بمنطقة تالا حمزة، وبقرية أث مبارك بالتحديد، على بعد 7 كم جنوب شرق بجاية، أين شارك والديها طعامهم، ما دعم يقين قائد الولاية التاريخية الثالثة من الروح الوطنية العالية لهذه العائلة وقرر ضمها إلى صفوف جيش التحرير الوطني، حسبما تتذكره المجاهدة.
وأشارت إلى انه رغم صغر سنها آنذاك، إلا أنه كان لديها إحساس قوي بالقضية الوطنية و حلم واحد كان يراودها و هو حمل السلاح لطرد هؤلاء المحتلين الظالمين، الذين سلبوا أراضي عائلتها بإيبوراسن (وادي غير)، التي تعتبر مسقط رأس عائلتها قبل أن تضطر إلى اللجوء إلى آث مبارك بالجهة المقابلة للمنطقة.
تذكرت نجيمة، السعادة التي كانت تغمرها لدى رؤية المجاهدين و هم يحتفلون بنجاح غاراتهم الليلية على القوات الاستعمارية أو هياكلهم القاعدية، لا سيما عقب إلتحاق أخيها الأكبر وأبناء عمومتها بصفوف الثورة و تعيينهم في مناصب مسؤولية.
وأشارت إلى أن هذا الأمر شجعها على اتخاذ قرار الالتحاق بالثورة دون إخبار والديها، حيث كانت تريد الالتحاق بأخيها المجاهد بإيغيل أويازيط بالجبال، على بعد 40 كلم عن بجاية.
وفي روايتها لهذه العملية، أوضحت أنها قامت باقتناء التذاكر مع صديقتها الجيدة، بفضل النقود التي جمعتها وأخد بعض المال من والدها خفية، قبل التحاقها بإيغيل أويازيط، عن طريق الحافلة.
ولم تنس نجيمة، أبدا المعاملة الجيدة التي حظيت بها بالمنطقة بفضل سمعة أخيها الطيبة، فيما لم تكشف لهم عن سر قدومها بينهم. لكن سرعان ما ابلغ أخيها سي طاهر، بالأمر، و الذي قدم على جناح السرعة إلى عين المكان و غضب كثيرا لدى إخباره بسبب قدومها قبل أن يقرر إعادتها إلى المنزل.
وأكد على أهمية مهمتها ببجاية حيث بإمكانها توفير الدواء وجمع تبرعات المواطنين واستسقاء المعلومات.
وهو الأمر، الذي لم يتسن لها القيام به بسهولة ببجاية بسبب ترصد قوات الاستعمار لأفعالها و حرق بيت عائلتها في القرية وتخريب حقولهم، ما دفع والديها إلى الفرار و اللجوء إلى “حومة أوبازين.
وبعد أن كان والدها في البداية رافضا لقرارها الالتحاق بالثورة، باركها و قال لها “افعلي ما شئت يا بنيتي، كنت سأقوم بالشيء نفسه لو كنت في سنك”، وشجعها على تحقيق هدفها.
وبعد ذلك، تلقت نجيمة، تدريبا عسكريا في مجال إطلاق النار وحمل السلاح لبضعة أشهر، قبل تسجيل أولى مشاركاتها في العمليات العسكرية بمعاقل المنطقة الثانية في هجمات واشتباكات ببجاية وسطيف.
وتسنى لها بعد ذلك اقتسام مصاعب الحياة و قسوتها مع رفقائها في السلاح المرابطين في الغابات تحت قصف القذائف والرصاص و نقص حاد في الطعام والماء والنظافة. و لازالت نجيمة، تتذكر إلى اليوم كيف استطاعت مع رفقائها المجاهدين النجاة من القصف المكثف خلال حصار عملية “جوميل” في 1959 ، بفضل تقاسم كيلوغرام واحد من السكر لمدة شهر كامل.
واستحضرت ببعض من الحزن الممزوج بالحسرة تضحيات كل “الإخوة” الذين استشهدوا في ريعان شبابهم.
واختتمت قائلة: “ذلك كان مصيرنا، النصر أو الموت. ولا زلت إلى يومنا هذا مستعدة للإلقاء بنفسي إلى النار لو قيل لي أن في ذلك طوق نجاة الجزائر”.
ولدت نا نجيمة، التي تبلغ اليوم 81 عاما، في 13 جوان 1942، ولم تحض بنصيب من التعليم و الدراسة خلال فترة الاستعمار، لكنها استدركت الوضع بعد الاستقلال حيث تعلمت القراءة والكتابة.
وشغلت مناصب هامة في حياتها المهنية، من بينها انتخابها عضوا بالمجلس الشعبي الولائي لبجاية لعهدتين (8 سنوات) ونقابية لمدة 14 عاما في الاتحاد العام للعمال الجزائريين ضمن مؤسسة وطنية للنسيج. وظلت طوال حياتها نموذجا يقتدى به في شغفها بوطنها وإلتزامها و شجاعتها.