وقعت معركة جبل الدوم بولاية الجلفة يوم 20 مارس 1961 وهي “ملحمة بطولية”، بالنظر إلى الخسائر التي تكبدها الاستعمار الفرنسي والتي جعلتها خالدة، مثلما سجل جامعي مختص في التاريخ، عشية ذكرها الـ62.
قال الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة زيان عاشور، عبد القادر حليس، في حديث لـ وأج، أن كتابات المستعمر عن خسائره في جبل الدوم يومها تشهد عن أهميتها وعن الدور البطولي الذي قام به مجاهدو جيش التحرير الوطني من أجل استقلال الجزائر رغم قلة إمكانياتهم العسكرية.
وأشار الجامعي إلى أن هذه المعركة التي وقعت بالمنطقة الثالثة بالولاية التاريخية السادسة وقادها المجاهد الميلود بشيري، “لم تذهب فيها دماء المجاهدين هباء، فقد تكلمت عنهم جرائد المستعمر آنذاك لاسيما في الشق المتعلق بما تكبدته القوات من خسائر تجاوزت 50 فردا بين قتيل وجريح وخسائر أخرى في العدة والعتاد”.
وأضاف أن معركة جبل الدوم التي وقعت فجر يوم عيد الفطر المبارك، ستبقى خالدة في السجل الحافل للثورة التحريرية المجيدة بالنظر لجسامتها ولأن صانعوها واجهوا بأسلحة خفيفة طائرات جيش الاستعمار وكبدوا هذا الأخير خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
وكانت يومها فرقة التموين التابعة للقسمة 56 للناحية الثانية للمنطقة الثالثة بالولاية التاريخية السادسة موجودة في سفوح جبال الدوم. وكانت الفرقة تضم 6 مجاهدين من بينهم اثنين قدما من الولاية الثانية لزيارة ذويهما بعين الصفراء.
وأثناء إقامتهما بهذا المركز وصلت الأخبار إلى الجيش الفرنسي الذي حدد مركزهم فتحركت الطائرات الكاشفة والاستطلاعية وبدأت بعملية تمشيط واسعة انطلاقا من منطقة دلدول وسيدي مخلوف (الأغواط) .
واتجه مجاهدو فرقة جيش التحرير نحو جبل الدوم، لتباغتهم طائرات المستعمر الفرنسي الكاشفة عن قرب، فوجهوا صوبها كل ما كان بحوزتهم من سلاح، وتمكنوا من إسقاطها والحصول بعدها على أسلحة طاقمها.
واستغل المجاهدون المرابطون حطام الطائرة وجعلوا منه مكان للتصدي لقوات العدو وكان من بينهم “عامر طرباقو” ومجاهد آخر يدعى أحمد. وواصلت بقية الفرقة طريقها بحثا عن موقع أكثر إستراتيجية لمواجهة العدو.
لكن الفرقة اصطدمت بالقوات الفرنسية القادمة من سيدي مخلوف لتدور معركة شرسة امتدت من طلوع الشمس إلى منتصف النهار، استعمل فيها العدوكل ما يملك من عتاده حربي وتدخلت كذلك أسراب الطائرات لتلقي القنابل الفتاكة والغازات الحارقة المحرمة دوليا.
وأسفر هذا الهجوم عن تفحم جثتي المجاهدين عامر وأحمد بعد حرق حطام الطائرة عليهما، كما استشهد بطلين آخرين و أسرت قوات المستعمر مجاهدين آخرين، ولم ينج من هذا الجحيم سوى المجاهد الميلود بشيري الذي ألقي عليه القبض بعد إصابته بجروح بليغة والمبروك الحاج الذي تمكن من الإفلات والنجاة بأعجوبة.
نصب تذكاري يخلد الملحمة
ولكي تبقى هذه المعركة راسخة في أذهان سكان المنطقة وكل زائريها، تذكرهم بملحمة بطولية قادها مجاهدون آمنوا بعدالة قضية بلادهم، نصب بالموقع الذي شهد أحداثها والذي تمتزج فيه الصخور مترامية بمرتفعات وعرة، نصب تذكاري منذ سنة 2016.
ويوجد على النصب التذكاري لهذه الملحمة كتابة تسرد معركة جبل الدوم مستمدة من مصادر أرشيفية. وقال المبادرين بوضعه يومها من الأسرة الثورية والسلطات المحلية أن النصب سيخلد المعركة ويكون أداة لتواصل الأجيال وحفظ الذاكرة الوطنية.
وفي كل المناسبات خاصة اللقاءات التاريخية المتعلقة بالمعارك التي دارت رحاها بالولاية السادسة التاريخية، يؤكد مختصون في التاريخ على بسالة المجاهدين المشاركين في معركة جبل الدوم الذين، رغم أسلحتهم الخفيفة ووجودهم في سفح جبل “المرقد” الذي لم يكن ليمنح لهم فرصة التخفي لحماية أنفسهم من العدو، إلا أن إيمانهم بالنضال حتى الممات جعلهم يتجهون إلى جبل الدوم ذو التضاريس الصخرية الوعرة.
ولم يزد المجاهدين وابل الرصاص الذي صوب نحوهم، إلا إصرارا رغم العدد الكبير للقوات الفرنسية التي تمثلت خسارتها في الطائرة الاستطلاعية “بيبر أل 21” (piper L21)، كما يؤكده مختصون في تاريخ المنطقة.