شكلت منطقة الجنوب ودعمها للثورة التحريرية من خلال المواقف البارزة لسكانها والمحطات التاريخية الحاسمة، التي شهدتها في مقاومة الاستعمار الفرنسي أهم المحاور التي تطرق إليها الباحثون في ملتقى وطني بعنوان “19 مارس… انتصار وحدة الجزائر أرضا وشعبا”، اليوم الأحد، بجامعة ورقلة.
أكد مشاركون من مختلف جامعات الجزائر على دور سكان مناطق جنوب البلاد ورفضهم لمخططات فرنسا الجهنمية الهادفة إلى تقسيم الجزائر وفصل الجنوب.
تحدث البروفيسور رضوان شافو (جامعة الشهيد حمة لخضر بالوادي)، عن دور سكان الولاية السادسة التاريخية ونضالهم ومساهمتهم في دعم قادة جبهة التحرير الوطني على كافة الأصعدة وتحدي الظروف الطبيعية والتضاريس الصحراوية المكشوفة، وانتشار القواعد العسكرية الفرنسية بشكل كبير بمناطق الجنوب.
وأكد المؤرخ، أن أغلب ولايات جنوب البلاد كانت قواعد خلفية للثوار، مهمتها تزويد الثورة بالذخيرة، التي جلبت من الحدود اللبيبة بفضل التنظيم المحكم للخلايا الجوارية التي كانت تتسم بالسرية التامة.
وأبرز الباحث، بعض المحطات التاريخية التي أدت دورا كبيرا في مواصلة مفاوضات إيفيان بين الطرف الجزائري والفرنسي، لاسيما بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها منطقة ورقلة في 27 فبراير 1962، حيث خرج المتظاهرون رافعين شعارات وطنية تندد بسياسة فرنسا بفصل الجنوب عن البلاد الأم وتطالب بالوحدة الترابية إلى جانب مظاهرات في كل من تقرت والطيبات استشهد فيها جزائريون بعد صدامات عنيفة مع القوات الفرنسية.
وأوضح المؤرخ لخضر عواريب (جامعة قاصدي مرباح بورقلة)، أن الإستراتجية التي إتبعتها فرنسا الاستعمارية لفصل الجنوب الجزائري عن شماله لم تأت بمحض الصدفة، وإنما كانت نتاج عديد المناورات والمخططات، التي شرع فيها المستعمر منذ 1947، بفرض سلسلة من القوانين القمعية والإجراءات التعسفية على السكان، بهدف بسط يد البطش على المنطقة الجنوبية واستنزاف خيراتها وجعلها قاعدة لقواتها العسكرية ومركزا لتفجيراتها النووية دون إعارة أي اهتمام لحياة أهاليها.
وأضاف المتحدث أن، ‘المحاولات الجهنمية للسلطات الاستعمارية ارتكزت على تجنيد كل إمكانياتها المادية والبشرية لفصل هذه المنطقة عن الجزائر، لكنها وقفت عاجزة أمام صمود الشعب الجزائري الذي ناضل من أجل وحدة وسلامة ترابه وتبين ذلك من خلال مظاهرات 27 فيفري 1962، التي كانت آخر مسمار يطرق في نعش فرنسا الاستعمارية.
ومن جهته، أشار المؤرخ اقرود محمد، من جامعة الجلفة، إلى أن الولاية السادسة التاريخية شهدت مواجهات عنيفة ودامية مع الجيش الفرنسي وكذلك انتفاضات شعبية، أبدى فيها سكانها رفضهم للمستعمر الغاشم ومخططاته الجهنمية، لاسيما ما تعلق بمشروع فصل الصحراء الجزائرية وبرهنوا فيها عن تماسكهم بالهوية والوحدة الترابية.
وتطرق في ذات السياق البروفيسور اقرود، إلى أهم المعارك التي شهدتها على سبيل الذكر منطقة الجلفة آنذاك، كمعركة التوميات، عمورة وقعيقع ومعركة عين معبد، بتاريخ 22 أفريل 1962، حيث استشهد سبعة مجاهدين من مختلف مناطق الجزائر ما صنع الوحدة الترابية والتلاحم الشعبي حول الثورة.
وقال: “تحديات سكان الجنوب كانت ضد الظروف الطبيعية والأرض المكشوفة والمخططات الاستعمارية وإغراءات المستعمر لبعض الأعيان بمناطق الجنوب، والذين رفضوا هذه الإغراءات ومخطط فصل الصحراء عن الجزائر الأم”.
ويأتي تنظيم هذا الملتقى الوطني بعنوان “الطريق إلى النصر بين المناورات الفرنسية لفصل الصحراء وردود الفعل الوطنية” ، بهدف إبراز المواقف السياسية للثورة ضد مشاريع التقسيم والتأكيد على دور الشباب في تخليد المواقف البطولية في الذاكرة الجماعية وكشف مناورات فرنسا الاستعمارية ووسائلها، مثلما أوضحه عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ورقلة، الدكتور ياسين محجر.
وأشار إلى أن من بين أبرز التوصيات، التي انبثقت عن أشغال هذا الملتقى التاريخي إنفتاح الجامعة على محيطها الاجتماعي بتنسيق نشاط المخابر وفرق البحث مع المجتمع المدني لحفظ الذاكرة الوطنية، وجمع الشهادات والوثائق وتسجيل أشرطة سمعية بصرية ذات الصلة بالثورة التحريرية المجيدة، إضافة إلى فتح قسم للتاريخ بجامعة قاصدي مرباح بورقلة.