تحل الذكرى الـ61 لعيد النصر المصادف ليوم 19 مارس التاريخي المرتبط بحدث كبير عاشه الشعب الجزائري وقادة ثورة التحرير، الذين استطاعوا بفضل بطولاتهم وحنكتهم في قيادة سفينة الثورة إلى بر الأمان وتمهيد الطريق نحو الاستقلال والانعتاق من براثن الاستعمار الفرنسي.
كان ولا يزال هذا الحدث يوما مشهودا في تاريخ الجزائر، وبتاريخ أول هيأة تنفيذية مؤقتة أو حكومة “روشي نوار” المرتبطة تلازميا بهذا اليوم باعتبارها الهيأة، التي أشرفت على عملية استفتاء تقرير المصير وإدارة فترة مفصلية برزانة واقتدار..
19 مارس وبداية طريق الانعتاق والحرية
ارتبط اسم “روشي نوار” بومرداس، حاليا بأحداث تاريخية جد حساسة في مسار ثورة التحرير ومخرجات اتفاقية ايفيان بين الطرفين الجزائري والفرنسي، التي مهدت الطريق لوقف اطلاق النار يوم 19 مارس 1962 وتكليف المناضل الكبير عبد الرحمن فارس، لقيادة الهيئة التنفيذية المؤقتة المشكلة من 12 عضوا منهم فرنسيين للإشراف على الاستفتاء وقيادة المرحلة الانتقالية في ظروف أكثر ما يقال عنها أنها كانت صعبة وحساسة.
وقد تحدث الباحث محمد عباس، بالتفصيل عن الموضوع وأشار في كتاباته “أن الهيئة المؤقتة تأسست بتاريخ 19 مارس 62 بمرسوم من الحكومة الفرنسية مباشرة بعد إمضاء اتفاقية ايفيان، حيث نصت المادة 17 من الاتفاقية على ضرورة إجراء استفتاء خلال فترة حددت ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر من تاريخ نشر النص، على أن يتم تحديد تاريخ الاستفتاء بناء على اقتراح الهيأة التنفيذية بعد تنصيبها الرسمي مع تشكيل قوة محلية للإشراف على العملية الانتخابية.
وكشف محمد عباس، أن الهيئة ضمت 12 عضوا يمثلون جيش التحرير والحكومة الفرنسية بقيادة عبد الرحمن فارس، الذي يعتبر شخصية وطنية مستقلة لم تكن منضوية تحت أي حزب سياسي وعين المحافظ كريستيان فوني، لتنظيم الاستفتاء بتاريخ 1 جويلية 1962.
ضمّت الحكومة المؤقتة أيضا – حسب المصدر ذاته – كل من روجي روت، وهو فرنسي متعاطف مع الثورة الجزائرية و5 مجاهدين جزائريين في جيش التحرير منهم شوقي مصطفاي، وعبد السلام بلعيد، والمحامي عبد الرزاق شنتوف، والدكتور بومدين ومحمد بن تفيتفة، إضافة إلى محمد الشيخ من سعيدة.
وبفضل الدور الحاسم الذي أدته الهيئة في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، جعل الكثير من المؤرخين يصفون هذا المناضل بمهندس المرحلة التي بدأت قبل ايفيان، ساهم بشكل كبير في تنظيمها بفضل اتصالاته مع الجانب الفرنسي، مع إثبات قيادته الحكيمة في التحضير وتعبئة الشعب الجزائري للتصويت بنعم على الاستقلاال رغم كل الظروف المحيطة منها إرهاب المنظمة السرية التي حاولت عرقلة وإجهاض المشروع، وصعوبة الاتصال مع أبناء الشعب الجزائري خصوصا في القرى والمناطق الداخلية.
استفتاء تاريخي للشعب الجزائري
لقد أعطى الشعب الجزائري صفعة تاريخية للإدارة الاستعمارية الفرنسية، بعد إصراره على الخروج والتصويت بنعم على استفتاء تقرير المصير رغم كل العراقيل التي وضعتها الإدارة الفرنسية ومعها المنظمة السرية الإرهابية، التي نفذت سلسلة جرائم في حق الجزائريين وكل المساندين للقضية الجزائرية.
وأدت حكومة روشي نوار، دورا كبيرا في تحضير المواطنين عن طريق التعبئة وتوزيع المناشير، وضمنت استمارة الاستفتاء الإجابة بنعم أو لا على السؤال الرئيسي المطروح.. “هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة تتعاون مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962..؟.
وقد جاءت النتائج النهائية صباح يوم 3 جويلية 62 بأغلبية نعم، فمن مجموع المسجلين المقدرين بـ6.5 مليون مواطنا موزعين على 15 مقاطعة عبر منهم 5.9 مليون بنعم وبمقتضى المادة 24 من الباب السابع المتعلقة بنتائج تقرير المصير والمادة 27 من اللائحة تعترف فرنسا فورا باستقلال الجزائر مع تكليف الهيئة التنفيذية المؤقتة خلال ثلاثة أسابيع انتخابات لتشكيل الجمعية الوطنية الجزائرية التي تتسلم السلطات.
وانطلاقا من هذه النتائج، بعث الرئيس الفرنسي شارل ديغول، رسالة إلى رئيس الهيئة التنفيذية عبد الرحمن فارس، يعترف بموجبها باستقلال الجزائر، بدءا بيوم الاثنين 5 جويلية 62 بعد 132 سنة من الاستعمار، ليبقى بعدها تاريخ 19 مارس راسخا في أذهان الجزائريين وكل المهتمين بالتاريخ الجزائري وثورة التحرير؛ لأنه يرمز للانتصار والتحرر من الاستعمار الغاشم.
لكنه بحسب الباحثين والأكاديميين بحاجة إلى المزيد من الدراسة والإثراء لكشف فصول دقيقة عن هذه المرحلة المهمة من تاريخ الجزائر، التي لم تحظ بالاهتمام اللازم لدى الأجيال الجديدة من الشباب، الذين يحتفظون فقط بالذكرى دون تفاصيل أعمق، وهي المجهودات التي تحاول من خلالها مديرية المجاهدين لبومرداس بالتنسيق مع جامعة امحمد بوقرة، التي تحتفظ إلى اليوم بالجناح الخاص بمقر هيئة روشي نوار، تنظيم ندوات وأنشطة فكرية ومعارض لفائدة الطلبة خلال كل مناسبة لترسيخ الوعي الوطني ومحاربة ثقافة النسيان.