شكل وقف إطلاق النار 19مارس 1962المحطة الأخيرة في مسيرة الكفاح المسلح بالولاية السادسة التاريخية.
توج هذا اليوم المشهود بانتصار الجزائريين على استعمار استيطاني بغيض، ورفعت الراية الوطنية في مهرجانات واحتفالات شعبية واستعراضات لجيش التحرير الوطني، عبر مختلف مناطق الجزائر، وكانت مناطق الولاية السادسة على موعد مع القدر الذي استجاب لإرادة الحياة.
يتذكر المجاهد بشير زاغز، رئيس جمعية أول نوفمبر1954لحماية وتخليد مآثر الثورة لولاية بسكرة، صفحات هذه المرحلة والاحتفالات التي تلتها على مستوى الولاية السادسة، واعتبر يوم النصر حلما انتظره الجزائريون منذ بداية الاحتلال الفرنسي لبلادنا، وان فرحة الشعب والمجاهدين اعتبرت عيد ميلاد ثان لكل جزائري.
التزام بوقف إطلاق النار رغم استفزازات العدو
وحسب المجاهد بشير زاغز، فإن فرنسا اختارت موعد وقف إطلاق النار عند منتصف نهار19مارس بدل منتصف الليل لتجاوز ونسيان منتصف أول نوفمبر لمحاولة نسيان ليلة نوفمبر1954التي أسست للهزيمة الكبرى.
ويضيف ان هذا اليوم كانت فيه مظاهر الفرح لا يمكن وصفها لدى مختلف فئات الشعب، التي كانت تجوب الشوارع ليل نهار، دون كلل أو تعب وهي تستقبل أفواج المجاهدين.
ويروي المجاهد زاغز، انضباط جنود جيش التحرير الوطني بأوامر القيادة بعد الإعلان عن موعد وقف إطلاق النار، حيث لم تسجل أية حادثة إطلاق النار بعد 19مارس 1962تطبيقا لأوامر قيادة الثورة، التي نصت على منع الاتصال والاحتكاك بجنود العدو.
وقد أوكل أمر الاتصال للجان، التي شكلتها حكومة “روشي نوار” بقيادة عبد الرحمن فارس، والتي كانت همزة وصل بين المجاهدين وقوات الاحتلال في كل المدن الجزائرية. ويضيف المجاهد زاغز:” ثقة المجتهدين كانت كبيرة في قيادة الثورة، حيث لم نطلق أي رصاصة رغم استفزازات العدو، واستطعنا التغلب على العدو الظاهر والمتخفي من خونة وغيرهم”.
الفرحة الكبرى واحتفالات مدوكال
وقد شارك مواطنو ولاية بسكرة في الاستعراض الكبير، الذي نظمته قيادة الولاية السادسة بمدينة مدوكال، وهناك أعداد كبيرة منهم من تنقل إلى مدينة مدوكال مقر الاستعراض والاحتفال على الدراجات الهوائية وعلى ظهور الحمير رغم بعد المسافة، حسب شهادة المجاهد بشير زاغز.
وقد ترأس الاحتفال قائد الولاية السادسة، المرحوم العقيد محمد شعباني، الذي ألقى كلمة اعتبرها محدثنا، تواصل لفكر ونهج القائد الذي لم يبدل تبديلا، ونظمت احتفالات جزئية لإتاحة الفرصة للمجاهدين، الذين لم يشاركوا في المهرجان الكبير وبقوا مرابطين في الأماكن، التي حددتها القيادة بسبب عدم ثقتها في نوايا العدو، ومنها احتفالات المنطقة الرابعة بغوفي، مثلما ذكر المجاهد زاغز، احتفالات بسكرة في المناطق التي كانت تتبع الولاية الأولى مثل عين الناقة واليانة.
حصار دار بركان وتدخل حكومة روشي نوار
ولعل أهم حادث خطير بعد وقف إطلاق النار يتذكره المجاهد بشير، رغم عدم مشاركته في ذلك، لأنه وقع في قرية الحوش، التابعة للولاية الأولى أوراس النماشة، والمعروف بحصار دار بركان.
نزلت مجموعة من 20مجاهدا بقيادة المرحوم المجاهد الرقيب الطيب موسي، يوم 03افريل من جبل احمر خدو، لمشاركة المواطنين فرحتهم، وتوجهوا لقرية الحوش، بعد إن أخلت قوات العدو مراكزها، والتي عادت الى مواقعها معززة بقوات كبيرة وضربت طوقا حول المكان، الذي يقيم فيه المجاهدون والمتمثل في منزل عائلة بركان، ونصبت المدافع وأحاطت المكان بالأسلاك الشائكة لإجبار المجاهدين على الاستسلام، حسب شهادة محدثنا.
ويضيف:” لكن دون جدوى واستمر الحصار 11يوما، حفر خلاله جنود جيش التحرير بئرا لتأمين مياه الشرب وحفر خندق بهدف فك الحصار والخروج من المنزل، وانطلقت مفاوضات من اجل استسلام المجاهدين، لكن دون جدوى فقد رفض قائد المجموعة أي تنازل ولم ينجر إلى استفزازات العدو، لخرق وقف إطلاق النار”.
وكان رده على القائد الفرنسي :”نحن نمتثل لأوامر قيادتنا، وحفاظا على استقلالنا الوطني لن نحاربكم”، وانتهت مسألة الحصار بتدخل حكومة عبد الرحمن فارس، التي اتصلت بقيادة الولاية الأولى، و عينت المجاهد رحال منصور، للتفاوض مع جنود العدو والتي أثمرت على فك الحصار وعودة المجاهدين إلى مواقعهم لجبل احمرخدو مرورا، بقرية اليانة القريبة من كيمل مقر قيادة الولاية الأولى، يقول المجاهد زاغر.