مسجد ابن خلدون بعاصمة ولاية قالمة، والزاوية الرحمانية بقرية الناظور، معلمان شاهدان على تمسك سكان المنطقة بهويتهم الوطنية ودينهم في مواجهة المخططات الاستعمارية .
أوضح مدير السياحة والصناعة التقليدية، صالح باقل، أن هذين المعلمين الدينيين اللذين يعود بناؤهما إلى للقرن الـ19 ميلادي، كان لهما دور كبير في إفشال مخططات الاستعمار الفرنسي الهادفة إلى القضاء على أصالة وهوية الجزائريين، وذلك بفضل إسهامهما في غرس القيم الدينية و الوطنية وتعزيز الانتماء الحضاري العربي الإسلامي.
وأضاف باقل، بأن المديرية خصصت فضاءها المعروف باسم ” كل يوم صورة” الذي يدخل أسبوعه الثلاثين منذ إطلاقه عبر صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، يتضمن نشر مجموعة من الصور الخاصة بهاذين المعلمين تزامنا مع أيام شهر رمضان المبارك، نظرا لدورهما الرائد طوال الحقبة الاستعمارية في تحفيظ القرآن الكريم، وعلوم الدين وإحياء اللغة العربية، ونشر المعرفة الصحيحة بتعاليم الإسلام وعقائده وأحكامه وآدابه ومحاربة الجهل والشعوذة والبدع.
من جهته، اعتبر الكاتب المتخصص في التاريخ المحلي، عبد الغني بوصنوبرة، في تصريح لوأج بأن الشروع في بناء المسجد العتيق يعود إلى 1848، حيث أقيمت به أول صلاة في1851.
وأبرز الباحث، أن تشييد هذا الصرح الديني بفضل سواعد أبناء المنطقة ومن خالص مالهم عن طريق التطوع وجمع التبرعات خاصة بعد كل موسم حصاد، وذلك ما يظهر تمسكهم الكبير بمقومات هويتهم وعقيدتهم.
وذكر الكاتب وأستاذ التاريخ، أنه استعمل في بناء هذا المسجد الحجارة المصقولة من بقايا المدينة الرومانية القديمة، و التي كانت متناثرة في كل مكان، وأشار إلى أن السكان فضلوا بناء مسجدهم على النمط الإسلامي وفق الهندسة العثمانية تأكيدا منهم على إظهار تميزهم واختلافهم عن الشكل الهندسي الفرنسي.
وأفاد بوصنوبرة، بأن جريدة “المبشر”، التي كانت تصدرها السلطات الاستعمارية باللغة العربية وتوجهها لفائدة الجزائريين في تلك الفترة أشارت في إحدى مقالاتها في 1848 إلى بداية بناء المسجد بقالمة إلى جانب بناء عدد من المساجد الأخرى في مناطق مختلفة من الجزائر ومن بينها “المسجد العتيق بسطيف”.
وتشير مصادر تاريخية إلى أن تشييد المسجد العتيق، والذي خضع خلال السنوات الماضية إلى عملية ترميم كلية، يعود إلى أواخر العهد العثماني في 1824 قبل أن يفتتح بداية الفتـرة الاستعمارية في 1852 وهو ما يبرز اعتماد هذه التحفة المعمارية على الهندسة الإسلامية والزخارف الفنية الجميلة، وتشير المصادر التاريخية إلى أن المسجد يحتوي إلى جانب قاعات الصلاة وتحفيظ القرآن، غرفة كبيرة تحت الأرض عبارة عن مخزن وضعت فيه المؤونة إبان الثورة التحريرية المباركة.
وفيما يتعلق بالزاوية الرحمانية “للشيخين اعمارة، و الحفناوي بديار” المتواجدة بقرية الناظور، ببلدية بني مزلين، على بعد حوالي 22 كلم شرق قالمة، تعتبر من الشواهد الدينية والتاريخية للمنطقة، حسب ما أكده الكاتب والشاعر المتخصص في التراث، محمد بن رقطان، مبرزا بأن هذا المعلم الذي تأسس في 1869 صنف ضمن التراث الوطني في1999.
وذكر المصدر نفسه، الذي ألف كتابا بعنوان “أعلام زوايا الناظور” بأن الشيخ اعمارة مؤسس هذه الزاوية الذي ولد في 1832، تلقى علومه الدينية بزاوية صدوق بولاية بجاية، التي نال بها الإجازة حيث كان أحد تلاميذ الشيخ محمد أمزيان بن علي المشهور بالشيخ الحداد، أحد رموز ثورة المقراني ضد الاستعمار الفرنسي في1871.
وأوضح، بأن زاوية الناظور كانت خلال الفترة الاستعمارية معهدا علميا ودينيا يتكون من 4 بنايات تتوزع على المسجد والمدرسة القرآنية، التي كانت تختص بتحفيظ القرآن وعلوم الدين للشباب بنظامي الداخلي والخارجي و دار الاستغاثة، التي تشرف على الجانب الخيري وتقديم العون للفقراء والمحتاجين ودار الصلح، التي كانت تفصل في النزاعات وتصلح بين المتخاصمين.
وذكر المتحدث نفسه، أن هذا الصرح الديني الذي ما يزال مسجده مفتوحا لحد الآن لصلاة الجمعة وإقامة التراويح، أمد ثورة التحرير المجيدة بعدد معتبر من طلابها وأبنائها.
وأشار إلى أن مؤسسها الشيخ اعمارة، تعرض إلى الأذى من طرف السلطات الاستعمارية التي وضعته تحت الإقامة الجبرية و وزجت به في السجن بمدينة قالمة ليواصل نشاطه رغم المضايقات الاستعمارية إلى غاية وفاته في شهر رمضان من 1318 هجرية الموافق ل1901.
وحسب الأستاذ بن رقطان، فبعد وفاة مؤسس الزاوية خلفه ابنه محمد الحفناوي، الذي واصل السير على نفس المنهاج إلى غاية وفاته في 1943 ليأتي بعده الشيخ عبد المجيد، الذي واصل بدوره على نفس الطريق ما دفع الاستعمار الفرنسي في 1958 إلى غلق الزاوية التي استعادت إشعاعها بعد الاستقلال.
وفي هذا السياق، أكد الأستاذ عبد الوهاب موامنية، أستاذ متطوع مكلف الصلوات الخمس والدروس المسجدية بذات الزاوية الرحمانية – بأنها لا تزال تحافظ على رسالة مؤسسها الشيخ اعمارة، وأبناؤه الذين توالوا على المشيخة من بعده عن طريق إحياء المواسم الدينية بقراءة القرآن والذكر، وأبرز بأن عدم استقبال طلبة في الوقت الراهن مرده إلى قدم هيكل البناية الحالي، الذي يحتاج إلى إعادة ترميم.