تبقى معركة “القرون”، غرب تقرسان بولاية الجلفة، عنوانا للتلاحم والتضحيات الجسام للمجاهدين البواسل و شهداء الثورة التحريرية، وفق ما استقته “وأج” من باحثين و مهتمين بتاريخ المنطقة.
رغم مرور 66 عاما على هذه الملحمة البطولية، التي وقعت في 8 أفريل 1957، لا يزال الباحثون يعتبرونها فخرا لأنها معركة شرسة كانت شاهدة على تلاحم و بطولات المجاهدين، الذين كبدوا المستعمر آنذاك خسائر فادحة، حسبما أكده الباحث والمهتم بتاريخ المنطقة، سليمان قاسم، صاحب كتاب “التاريخ السياسي والعسكري للولاية السادسة”.
يعتبر الباحث، هذه المعركة من أهم المعارك في كفاح وتاريخ المنطقة على اعتبار أنها جسدت ملحمة بين كتائب الولاية الخامسة، التي يقودها القائد زكريا، و جيش الصحراء الذي يقوده عمر إدريس.
وكان جبل تقرسان، بناحية بن يعقوب بالجلفة شاهدا على بطولات المجاهدين، الذين رسموا انضمام الجيشين من خلال الاستبسال في معركة ضد جيش الاستعمار الفرنسي، الذي تكبد فيها خسائر فادحة.
وتمثلت هذه الخسائر في سقوط عدد كبير من الجنود من بينهم ضابط و إسقاط طائرتين مروحيتين إحداهما استكشافية، فيما غنم جيش التحرير في هذه المعركة قطعا عديدة من أسلحة متنوعة من بينها رشاش خفيف و ثقيل ومسدسات وجهاز اتصال وخرائط عسكرية.
واستشهد مساعد قائد الكتيبة بصفوف جيش التحرير الوطني “سي خالد”، التي قدمت من مركز “خناق عبد الرحمان”، إلى جانب إصابة بعض المجاهدين بجروح.
وأشار المؤرخ سليمان، إلى أن مثل هذه المعركة لم تنل حقها من الكتابة التاريخية ما يستدعي من الطلبة والباحثين في التاريخ التعريج عليها باعتبارها محطة هامة في نضالات المنطقة.
وللعلم، الباحث ، له رصيد من الكتب الخاصة بأحداث الثورة التحريرية في المنطقة والمتوج بجائزة أول نوفمبر 1954 للبحث التاريخي لمرتين على التوالي ( 2013 و2014).
معركة شرسة.. ونصر
حظيت هذه المعركة بشهادات حية ممن عايشها لتبقى خالدة في سجل الثورة التحريرية، وهو ما تضمنه كتاب “المسار الثوري” للمجاهد عبد القادر فضة، المدعو بوعسرية، الذي أعده الباحث الأستاذ الخليفة لبوخ، المهتم بتاريخ المنطقة.
وجاء في الكتاب، الذي تطرق بالتفصيل لهذه المعركة، أن هذه الملحمة أثمرت عن تحقيق نصر عظيم بكل المقاييس ضد جحافل الاستعمار، الذي راح يصب جام غضبه على الجبال المجاورة والغابات بالحرق والتدمير بعد انسحاب كتائب جيش التحرير وقد بقيت الغابة تحترق لأيام.
وقعت المعركة بجبال “تقرسان”، بتراب بلدية بن يعقوب حاليا، في المكان المسمى ب “القرون” لأن هذه السلسلة الجبلية تشكل ثلاث نتوءات وقرون و بها غابة كثيفة من أشجار الصنوبر، والعرعار والبلوط و نبات الحلفاء.
كان هذا الجبل يشكل مع جبل “لزرق” بالأغواط، همزة وصل مع جبال العمور غربا وسلسلة جبال أولاد نايل شرقا إبان الثورة التحريرية.
واندلعت هذه المعركة فجأة بعد ظهور طابور و رتل من المدرعات و كان تعداد القوات متقاربا مع تفاوت التغطية الشاملة لمكان المعركة من قبل جيش التحرير الوطني، الذي كان قد احتل المرتفعات المشرفة على الميدان ما جعل قوات المستعمر تتكبد خسائر كبيرة في العدة و العتاد.
وبالرغم من محاولات جيش المستعمر إقحام بعض فرقه في المرتفعات للضغط على المجاهدين وإخراجهم من التحصينات الجبلية، إلا أن هذا التخطيط لم يكن ذو فعالية لأن فيلق المجاهدين كان متماسكا ومسيطرا على مجريات الأمور.
وعاش جنود المستعمر وفيالقه حالة من الرعب والهستيريا ليعمل في مساء ذلك اليوم على تعزيز قواته تباعا لإنقاذ الموقف من خلال سرب الطائرات الحربية، التي شرعت في قصف مرتفعات جبل تقرسان، بشراسة ووصلت المروحيات لإجلاء الجرحى و الموتى.
وبدورهم، غير المجاهدون الأشاوس خطتهم وشرعوا في التحضير لعملية الانسحاب مع حلول الظلام ليتجمعوا بالسفح الجنوبي من جبل تقرسان، بعدما أعادوا ترتيب الكتائب مثلما كانت عليه، واندفعوا نحو غرب جبل عمور، و أخذوا معهم الكتيبة التي كانت في خضم المعركة و وزعت عناصرها على الفرق والكتائب، التي كانت تنشط على مستوى المنطقة الثامنة.