عنابة، أو بونة إحدى المدن الساحلية بالشرق الجزائري، أسسها الفينيقيون حوالي القرن 12 قبل الميلاد وأسموها هيكون، فتحها العرب المسلمون في 697 م، وأسموها بونة، ثم دخلها الهلاليون صلحا في القرن 11 م، وملكها أبو مسعود من شيوخهم.
أفراد قبيلة دريد هم سكان الحجار وما جاورها وهي فرع من قبيلة دريد الأثبجية الكبرى، التي تمتد مواطنها بين عنابة وقسنطينة وكان قائدها في القرن 19 م محمد بن يعقوب، مثلما تؤكده المصادر التاريخية.
ويشير الباحث بن صالح قادة مبروك، في كتابه مسار المدن والعمران بالجزائر، إلى أنه في 431 م تعرضت مدينة هيبو عنابة، لغزو الوندال، وفي 533م استولى عليها البيزنطيون، وذلك زمن الإمبراطور جوستيان، وفي 697 م جاء الفتح الإسلامي، فدخلتها الجيوش العربية وقد سماها العرب باسمها الحالي عنابة، نسبة لأشجار العناب التي تمتاز بها سهولها.
استمرت بونة، في سلطة الباديسيين الزيريين، وعرفت فترة من الرقي والإزدهار في عهد العز بن باديس، وبقدوم الهلاليين في 443ه/1050م، قضوا على هذه الإمارة تدريجيا، وأصبحت بونة، منذ القرن الـ 10م و4هجرية قاعدة هجومية تخرج الجيوش منها غازية إلى بلاد الروم، وجزيرة سردينيا وما ولاها.
ولم تفقد دورها التجاري لأنها محطة تجارية هامة على خط المبادلات المشرقية والمغربية، وأكثر تجارها كانوا من الأندلس، مثلما تذكره المصادر التاريخية.
صارت المدينة مركزا هاما لهجرات عرب الفتح، فاستقرت بها بطون بني تميم، التي أسست فيما بعد دولة الأغالبة، ويذكر أن مسجد سيدي بومروان، الذي يعتبر من أقدم المساجد في المغرب العربي هو من طراز أندلسي ويعود للقرن الـ11م بني بأعمدة من الآثار الرومانية تعود لهيبو ريجيوس، وسمي بهذا الإسم نسبة لمؤسسه عبد الملك بن مروان بن علي الأزهري الأندلسي، المولود بإشبيلية، والذي أنجز أول جامعة دينية بالمسجد
جاءت الهجرة العربية الثانية إليها في عهد حكم الأغالبة وهم سلالة عربية عدنانية، تميم بن مر بن إد طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانت تنتشر بكثرة في السهل العنابي والشمال التونسي وإليها ينسب كثير من علماء عنابة مثل عائلة بني تميم، أحمد بن قاسم بن محمد بن ساسي التميمي البوني، المشهور في التاريخ بكثرة فقهائها وعلمائها.
وفي هذا العهد استقرت كثير من الأسر العربية المهاجرة من المشرق في الريف العنابي بعد حصولهم على قطاعات ومزايا من الحكام الجدد.
في القرن الـ 10 م شهدت المنطقة هجرة عربية ثالثة كبيرة بالتمركز الكثيف لقبائل بني هلال العربية، وحلفاءها في المغرب الأدنى وهي القبائل، التي يعود إليها اغلب سكانها اليوم منها قبيلة الخوالد والتريعات في برحال وأولاد عطية في السفوح الجنوبية لجبال أيدوغ.. وقبيلة الشدادية حول مدينة عنابة، والشرفاء في بلدية الشرفة وأولاد يعقوب، في منطقة الحجار وغيرها من القبائل.
وقدم للمنطقة الأندلسيون، الذين فروا بعد سقوط الأندلس انتشروا في جبال ايدوغ، حيث مارسوا تخصصهم في الزراعة الجبلية. وهناك عروش بربرية أجلاهم العرب الهلاليون عن عنابة، فانتقلوا إلى غرب جبال ايدوغ، وأغلبهم بالقرب من منطقة جيجل، ومن هذه العروش البربرية، التي مازالت موجودة يذكر المؤلف، ويشاوة، زاوة، لهاصة، بني ورجين، أداسة.
ويوجد في عنابة العنصر الروماني، والأتراك وأحفاد العبيد الصقالبة الأوروبيين في العصور الوسطى ومن الزنوج، الذين قدموا مع الجيش العربي إلى الجزائر من سريان وفرس وأرمن وأشوريين، والجيش البيزنطي كان مكون من الأرمن والأبخاز، والجورجيين، واليونانيين الألبان وغيرهم.
قبائل مستوطنة بنواحي عنابة
بدأت تتشكل في فترات زمنية مختلفة لا تتجاوز ستة أو سبعة قرون أي بعد الفترة الممتدة من 1200 إلى 1900م نتيجة الهجرات الفردية أو الجماعية، بسبب الحروب والثورات والصراعات بين القبائل وحتى بين أفراد القبيلة الواحدة.
هناك عوامل طبيعية واقتصادية دفعت بالقبائل إلى ترك مواطنها هربا من الجفاف، الأوبئة والفقر والبحث عن مواطن أخرى أكثر استقرارا وأمنا، لكن معظم القبائل والأعراش المتواجدة الآن بناحية عنابة، قد تشكلت نتيجة الهجرات الأساسية الثلاثة وهي الهجرة من الشرق نحو الغرب، ومن أكبر القبائل التي اشتهرت بهجرتها هم قبائل بنو علال بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن وزان، وحلفائهم من بني سليم العربية، التي نزحت من صعيد مصر إبان الحكم الفاطمي على شكل جماعات.
وأخذت تتقدم نحو الشرق شيئا فشيئا، وصلت إلى المغرب الأقصى وكانت تواصل تقدمها نحو الجهات الرطبة والمناطق الخصبة بحثا عن الماء والكلأ.
وقبائل بنو هلال وسليم، معروفة ببداوتها وخشونتها وفروسيتها منذ أن كانت بنواحي الحجاز، إضافة إلى أنها معروفة بتمردها على السلطة المركزية، ما اضطر الخليفة لترحيلهم إلى صعيد مصر ولا تزال هذه الطباع موجودة في بعضهم حتى يومنا هذا.
وقد كان المستنصر الفاطمي، حاكم القاهرة قد استعمل هذه القبائل انتقاما من خصومه السياسيين من أمثال صاحب دولة المعز بن بلكين الصنهاجي، الذي خرج عن سلطة السلطان فاطمي، في ذلك الزمان، وهناك أسباب أخرى منها انتشار المجاعة والقحط في المشرق العربي في تلك الفترة، والداخلون إلى المغرب من قبائل بني هلال وسليم كثر.
ولعل أهم قبائلهم، التي شاركت في هجرة شهيرة هي رياح، زغبة، الأثبج، جشم، بنو قرة، قبائل المعقل وغيرهم كثير. وأكبر قبائل بني هلال، بناحية عنابة هي قبيلة رياح وسليم، بنواحي عين الباردة وما جاورها ولها تفرعات كثيرة في سهول وسواحل عديدة وجبال من عنابة.
في حين الهجرة العكسية من الغرب نحو الشرق اضطرارية، ومعظم هذه القبائل أجبرت على ترك مواطنها نتيجة الثورات والصراعات المختلفة واهم هجرة كانت هجرة الأشراف من الأدارسة والسليمانيون من ذرية علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب الظلم، الذي سلط عليهم في محاولة لإستعبادهم من ساحة السلطان والحكم.
ولقد دفعت ثورة موسى بن أبي العافية، ضد الشرفاء من الأدارسة والسليمانيون هذه القبائل الشريفة إلى ترك مواطنها (واد الذهب والساقية الحمراء، الصحراء الغربية حاليا)، مرغمة فرارا من بطشه، الذي اضطهدهم ونكل بهم ولاحقهم في كل مكان حتى أصبح الشرفاء يخفون نسبهم عن الناس خوفا من القتل والتشريد.
وكان نتيجة ذلك هروب ونزوح الكثير من القبائل الشريفة، التي كانت منتشرة كثيرا بالمغرب الأقصى والنواحي الغربية للجزائر خاصة تلمسان ووهران وتفرقها وتشتتها في مناطق عديدة، حيث هاجر الكثير منها نحو المناطق الجنوبية، خاصة منطقة الساقية الحمراء بالصحراء وبعض المناطق الوسطى والشرقية للمغرب والجزائر وتونس وليبيا.
ومنهم من عاد إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.
وهناك هجرة أخرى متأخرة للشرفاء -يذكرها المؤرخون- تمت من منطقة الساقية الحمراء، التي كانت مأوى كثير من قبائل الشرفاء من بطش ابن أبي العافية، حيث اضطرتها إلى ترك مواطنها والنزوح إلى مناطق متفرقة من الجزائر.
وسبب هذا النزوح، الذي يرجح وقوعه بين 1400 و1700م على ما ذكر جل المؤرخون هي حملات كان يشنها الإسبان بداعي التنصير أو البحث عن الثروات في المناطق الشمالية للبحر المتوسط والمناطق الساحلية الجنوبية للمحيط الأطلسي للمغرب والصحراء الغربية.
الهجرة من الجنوب نحو الشمال، معظم هجرات قبائل الصحراء من البدو الرحل، الذين كانوا في رحلة دائمة للبحث عن الماء والكلأ لأسباب طبيعية أو اقتصادية وبسبب الصراعات والنزاعات بين القبائل على مواطن الماء والكلأ.
ومن فروعها أيضا بعنابة وما جاورها أولاد ماونة، وبني مروان وقبيلة كرفة الهلالية، التي كان قائدها في القرن 19 م أحمد بن مراد، ومن فروعها خرازة الواقعة حوالي 10 كم غرب عناية، والموالفة والزهاوة والجنادلة، الذين هم فرع من قبيلة جندل الكبيرة بولايتي عين الدفلى والمدية ومنهم الحرازلة والنوايل، الذين هم فرع من أولاد نايل بالمسيلة والحضنة والعواودة وأولاد معمر، حسب ما يذكره ابن خلدونفي كتابه العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
أعلام مدينة عنابة
يوبا الأول آخر ملوك نوميديا، أحمد بن علي البوني، عالم ومفكر من القرن 12م، سيدي براهيم بن تومي المرداسي، شيخ بلدة بونة وهو أحد أقطابها الخمسة جاهد ضد الإسبانيين والتوسكانيين عندما غزو عنابة، باجي مختار، مجاهد جزائري ولد بعنابة، استشهد في جبال سوق اهراس في 1955، وجامعة عنابة تحمل اسمه. المجاهدين علي منجلي احد قادة ثورة التحرير الوطني، مصطفى بن عودة، أحد قادة ثورة التحرير الوطني، عمارة العسكري بوقلاز، أحد قادة الثورة وبطل القاعدة الشرقية.
ازدهار عمراني في العهد الحمادي
عرفت مدينة بونة، ازدهارا عظيما في الميدان العمراني خلال العهد الحمادي، ومن بين المباني التي شيدت بها في هذه الفترة مسجد سيدي أبي مروان البوني، يقع هذا المسجد بأعلى منطقة بونة، بالقرب من الزاوية الغربية للمدينة.
مازال موجود إلى يومنا هذا، يعود تاريخ بنائه إلى 425 ه/1033م، بناه رجل صالح يدعى أبو الليث، المتوفى في 450ه/1058م، مثلما يذكره أحمد بن القاسم البوني، في كتابه “التعريف ببونة إفريقية بلد سيدي مروان الشريف.
وأضاف الباحث: ” أثبتت الدراسة العلمية لجورج مارسي، أن هذا المسجد يرجع إلى العهد الزيري، وذلك من خلال تشابه مسجد سيدي أبي مروان، بالجامع الكبير بالقيروان والمساجد التونسية، من حيث جناحه المركزي الواسع ورواقه ذو القبتين الواقعتين على أعمدة مجتمعة، ومن خلال تشابهه بالمنشآت الفاطمية والصنهاجية من حيث طريقة طلاء القبب، التي تعود إلى القرن 4ه/11م، وأيضا قاعدة القبة المزخرفة بتضليعات متعرجة مثل قبة مسجد بني القهاوي بسوسة، والذي بني في القرن 5ه/11م”.
تتوفر عنابة على مسجد صالح باي، ذي الطراز الأناضولي بحجمه وأبعاده، ما جعل منه بناية عريقة تعكس مزايا الفترة العثمانية.