زاوجت المرأة الجزائرية بين النضال العسكري والتمريض والسكرتارية أثناء الثورة، فكانت الممرضة والجندية والمسبلة والفدائية، وعون إتصال.
إلتحاق المرأة بصفوف جيش التحرير، كان بسبب حاجة الثورة لعنصر فعال لا يمكن للإستعمار التفطن إليهم، فأدمجت قيادة الثورة المثقفات لأداء مهام كاتبات يقرأن الرسائل للقائد العسكري وترد عليها، وطبيبات وممرضات يضمدن جراح المجاهدين، ووظفت بعض المجاهدات المسبلات اللائي كن ينشطن بالمدن في توعية النساء، وإقناعهن بمساندة الثورة والإلتحاق بالجبل ليقمن بالعمل نفسه مع نساء القرى والارياف.
وفي هذا الصدد، تذكر الاستاذة جازية بكرادة من قسم التاريخ بجامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، بمقال لها بعنوان “دور المرأة الجزائرية المجاهدة في الثورة التحريرية بالولاية الخامسة 1956-1962″، نماذج الجنديات الجزائريات في صفوف الثورة التحريرية بالولاية الخامسة، منهن المجاهدة شميسة بابا أحمد، ليلى الطيب، الشهيدة سعدية بن سليماني، يمينة بوحريز رياشي، فتيحة طيب براهيم وفطيمة دحمان.
نقلت الباحثة، شهادات لهؤلاء المجاهدات اللائي شاركن بعمليات فدائية عديدة، تقول المجاهدة شمسية بابا أحمد: “قمت بعمليات فدائية عديدة وسط مدينة تلمسان، والتي كانت دليل جديتي في مساندة الثورة، وحين تعرفت على امرأة أثناء تنفيذي لأحد هذه العمليات وتأكدت أنه سيقبض علي، صعدت للجبل خوفا من أن أقع مرة ثانية في الأسر او أتعرض للتعذيب”.
وتشير شهادات المجاهدات، إلى أنه كان على المرأة التي ترغب في الالتحاق بالجبل ان تعثر أولا على خيط الإتصال، اما أحد الأهل او الجيران او حتى صديقتها المنضمة قبلا إلى الثورة، و المناضلة المسبلة او الفدائية فكان لابد ان تكون لها علاقة بأحد مسؤولي جبهة التحرير الوطني وبعد موافقة القيادة الثورية على انضمامها يتكلف بها الإتصال السري ويرشدها.
عندئذ يرافقها أحد المسبلين مسؤول الإتصال إلى مركز المجاهدين، لمقابلة قيادة المنطقة لينظروا في شأنها ويهتموا بتدريبها.
وفي غالب الأحيان كانت ترسل الفتيات للتدريب والتكوين قبل انضمامهن إلى الجيش فيتجهن نحو القاعدة الخلفية الموجودة على الحدود الجزائرية المغربية أين تتمرن بإتقان وعمق في المجال الطبي والعسكري والسياسي.
ولم تكتف المرأة الجزائرية القيام بأعمال تتناسب وطبيعتها الفطرية كالطبي وغسل الملابس وعلاج المرضى، بل تعدت كل ذلك، واقتحمت مجالات كانت تعتبر حكرا على الرجل فقط، هذه المجالات كانت تتطلب القوة في الجسم والقسوة في القلب كقيامها بحمل السلاح ومواجهة العدو، الذي اشتبكت معه في العديد من المعارك وحوصرت من طرف دباباته وطائراته، تقول الباحثة بكرادة.
وتؤكد أن هناك معارك واشتباكات شاركت فيها المرأة ومعارك أخرى حضرتها ولكنها لم تقاتل مع المجاهدين جنبا إلى جنب، إلا في حالات الدفاع عن نفسها، لأن قائد المعركة أمرها بالإختباء وهذا راجع أولا إلى الخوف من أن تقع في يد العدو، الذي طور أساليب التعذيب لدرجة لا يحتملها بشر، وثانيا لأنهم كانوا يحتاجونها كممرضة تسعف من سقط جريحا في المعركة.
ويذكر محمد قنطاري في كتابه “من ملامح المرأة الجزائرية في الثورة وجرائم الإستعمار الفرنسي”، شجاعة المجاهدة رابحة تونسي، المعروفة بالإسم الثوري” حاملة السلاح”، التي خاضت معارك قتالية عديدة في صفوف كوموندوس المجاهدين وكبدت القوات الفرنسية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الحربي.
كان قائدها الرائد سي رشيد، رفقة مصطفى هني، وسي المصدق وغيرهم بمعركة فلاوسن الأولى، التي دامت ثمانية أيام في اشتباكات متقطعة وحصار المنطقة من طرف القوات الفرنسية البرية والجوية بمختلف طائراتها المقاتلة والمقنبلة السامة، حسب ما يؤكده قنطاري.
ويشير إلى أنها شاركت أيضا في معركة بأولاد براشد، والتي انتصر فيها المجاهدين وغنموا الاسلحة والذخيرة الحربية، وتكبدت قوات الفرنسية خسائر بشرية ومادية واسرت المجاهدة رشيدة بودغن وفرت المجاهدة رابحة من ملاحقة العدو لها وتسللت إلى إحدى البيوت.
فهرعت صاحبة البيت لتخبئها في صناديق تربية النحل، بقيت فيه مدة 114ساعة، من الثامنة صباحا إلى التاسعة ليلا اخرجت منه مغشيا عليها وجسمها منتفخ وأحمر من لسعات النحل، لتحمل على جناح السرعة على ظهر حمار إلى مخبئ لتعالج بالأدوية الشعبية.
نماذج جنديات بالولاية الخامسة
المجاهدة شميسة بابا أحمد المولودة في 02اوت 1939بتلمسان، من عائلة كبيرة وغنية، درست في مدرسة الحديث، اين تلقت دروسا في الدين واللغة والتاريخ والمبادئ الوطنية، تشربت حب الوطن وكره المستعمر من عائلتها.
كان معظم أفرادها ينتمون إلى الحركة الوطنية، فمنهم من كان ذو توجه استقلالي ومنهم من كان إدماجي والبقية فكانوا إصلاحيين، وبعد اندلاع الثورة انضم إليها عمها سيدي أحمد، الذي كانت تحبه كثيرا وتعتبره أخاها الأكبر، والذي سرعان ما وقع في أيدي الإدارة الاستعمارية التي زجت به في السجن.
هذه الحادثة قلبت مسار حياة المراهقة شميسة، وعلى أثره صممت الإلتحاق بالثورة، وأخبرت عمها بذلك عند زيارتها له في السجن، فوجهها عند أحد المجاهدين ليكون انصال بينها وبين قادة الثورة في تلمسان المنطقة الأولى.
عند إلتحاقها بالجبل كلفت بجمع الاشتراكات ولما لاحظ مسؤولوها نشاطها وتفانيها في العمل اوكلت لها مهام اخرى تمثلت في نقل الرسائل من الجبل الى مراكز المدينة اتصال عسكري، وهذا أواخر 1958 وبداية 1959.
ألقي عليها القبض وادخلت السجن أين ذاقت أبشع أنواع التعذيب ليطلق سراحها بعد شهرين وكلها عزيمة على مواصلة كفاحها واصبحت فدائية، نفذت عملية فدائية انتقاما لمقتل المساعد الأول محمد غانم سي نورين، وذلك بإلقاء قنبلة في حمام بوجقجي، بمدينة تلمسان.
لتقرر الإلتحاق بالجيش في الجبل لما اكتشف امرها، لتصبح كاتبة الناحية الرابعة، شاركت في اشتباكات ولقبت بالشهيدة الحية لأنها فجرت نفسها عندما حاصرتهم قوات الإحتلال في منزل بتلمسان هي وزملائها، الذين استشهدوا على الفور ونقلت هي إلى المستشفى أين بقيت فيه لشهور عديدة، وما إن بدأت استعادت عافيتها حولت إلى السجن بتلمسان، وبقيت فيه حتى وقف اطلاق النار.
الشهيدة سعدية بن سليماني، الملقبة بنصيرة من مواليد 1937متزوجة وأم لثلاثة أطفال، إلتحقت بجيش التحرير بالمنطقة السادسة للولاية الخامسة، كانت كاتبة لقائد المنطقة استشهدت في مارس 1961 قرب مدينة معسكر أثناء معركة نشبت بين المجاهدين وجنود العدو.
المجاهدة ليلى الطيب وعضو سابق بمجلس الأمة، ولدت بمدينة وهران بحي أوروبي في 1939، بالرغم من أن الوالد كان تاجرا يتعامل مع الفرنسيين إلا أن ذلك لم يمنعه من الإهتمام بقضية بلده، كان عضوا فعالا في حزب أحباب البيان والحرية بقيادة فرحات عباس.
زاولت دراستها الابتدائية بمدرسة للبنات القريبة من حييها، ثم انتقلت إلى ثانوية ستيفان قزال، ونجحت في شهادة البكالوريا الجزء الأول في 1956، لكنها لم تكمل الجزء الثاني لأنها إلتحقت كغيرها من الطلاب الجزائريين بالثورة تاركة مقاعد الدراسة لتنضم إلى الجنود بتخمارت، بنواحي سعيدة مركز قيادة المنطقة السادسة للولاية الخامسة كممرضة.
تركت هذا العمل لأخريات وأصبحت جندية اذا شاركت في عمليات عسكرية عديدة بفرندة وبوحنيفية، ونواحي القعدة، وفي أواخر 1958 إجتازت الحدود الجزائرية المغربية لتستقر في الرباط أين أكملت دراستها في كلية الحقوق كاملة، وبقيت في الوقت نفسه عضو في جبهة التحرير الوطني تؤدي واجباتها الوطنية.
ولدت فطيمة دحمان، في 24مارس 1931 بعين تموشنت، وهي من أسرة ثورية، كانت عضو بجيش التحرير الوطني، حملت السلاح نشطت في البداية كمسبلة ثم أصبحت مندوبة سياسية ،ولما اكتشف أمرها إلتحقت بالجبل ولبست الزي العسكري.
شاركت في اشتباكات عديدة منها اشتباك واد الكيحل، ادخلت سجن وهران بعد أن عذبت في سجن المالح في 1958، لترحل إلى سجن الحراش فاعتدت فيه على مديره وكعقاب لها نقلت إلى سجن سركاجي وبقيت مسجونة مدة سنتين إلى أن استقلت الجزائر.
وتروي المجاهدة يمينة بوحريز رياشي، الملقبة بعزيزة، عن معارك شاركت فيها نواحي مدينة سيدي بلعباس ومدينة سعيدة فتقول: ” في أحد الأيام كنا في جبل بسيدي لحسن، فوقع اشتباك مع الجنود الفرنسيين وكنا كتيبة بها قرابة مائة جندي، ولما تغلبنا عليهم استدعوا الطائرات وقنبلوا المكان، ومن الضباط الذين عملت تحت إمرتهم الضابط مصطفى مولاي، الطيب النهاري، قمنا أيضا بالهجوم على ثكنة للجنود ببوحنيفية، كنا 12جنديا وكنت انا وجندية أخرى وكان معنا المجاهد بلاندي وزعطوط، وسي بوجمعة وخلفنا وراءنا خمسة عساكر والباقين جرحى”.
وتضيف: ” في يوم كنا نتنقل في الجبل متجهين إلى الحساسنة، بمدينة سعيدة، وعلى الساعة الرابعة مساءا شاهدنا دورية اتية من بعيد، فإختبئنا ننتظر إشارة قائدنا لنبدأ إطلاق النار عليهم وإلقاء القنابل، وقد حدث اشتباك عنيف بيننا ولسوء الحظ استطاع العدو طلب الإمدادات، فأطلقت طائرات العدو الغازات السامة التي تسببت في فقدان بصري “.