أوضح المختص في علم الآثار بلقاسم شعلال، أن دور المتاحف اليوم لم يعد مقتصرا على عرض المقتنيات، بل امتد ليشمل التعليم والتثقيف، وأشار إلى أنّها تشكّل ذاكرة وطنية وقومية وثروة للأجيال القادمة.
تحدّث الأستاذ محاضر في علم الآثار القديمة جامعة باتنة، بلقاسم شعلال، لـ«الشعب” عن أهمية المتاحف في الحفاظ على تاريخ وتراث وثقافة الجزائر، وإبراز هذا التراث للناس من خلال عرض المقتنيات المتحفية، وهذا بقصد ربطهم بماضيهم الذي يشكّل الهوية الحقيقية لبلدهم، وصيانة اللقي المتحفية، وإجراء الدراسات والأبحاث اللازمة عليها وفق منهجية معروفة، متفقة مع المعايير التي وضعها المجلس الدولي للمتاحف، إضافة إلى التعريف بمحتوياته بشتى الوسائل المتاحة، وخاصة استغلال التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي الذي نعيش أوج تطوره حاليا.
وأوضح شعلال في السياق ذاته، أنّ المتحف يساعد على نشر الوعي الثقافي والعلمي في المجتمع، حيث يعرّف بالإنجازات الحضارية للمجتمعات على مرّ العصور، كما أنّ للمقتنيات المتحفية أهمية قصوى من الناحية العلمية والبحثية، يمكن من خلالها دراسة مجتمع معين في العديد من المجلات مثل التاريخ والفن والأنثروبولوجيا…إلخ، إضافة إلى ما يوفره المتحف من منشورات علمية كالكتب والمجلات والمطبوعات على اختلاف أنواعها، والتي تساعد الباحث بدون شك في أبحاثه دون أن ننسى مكتبة المتحف التي يزورها المواطن البسيط والمتعلم.
وأضاف محدّثنا، أنّه بحكم احتواء المتاحف على اللقى والبقايا الأثرية التي تحتاج إلى اللمس والمشاهدة، قد يساهم في تعويض الطالب والباحث سهولة التطبيق على هذه البقايا، عوضا عن تنقله إلى المواقع الأثرية نفسها، وبالتالي، فإنّ وجود هذه المؤسسة ينقص كثيرا من المتاعب والمصاريف لبلوغ بعض الأهداف.
تساهم المتاحف في جلب السياح، وتعمل على زيادة عائدات النشاط السياحي كمورد اقتصادي بدون أن ننسى رسوم الدخول، وعائدات أخرى من خلال استغلال المرافق الأخرى التابعة للمتحف كالمطاعم وحوانيت بيع نسخ بعض اللقى الأثرية…إلخ.
وبحكم أن الإنسان يتمتّع بغريزة الحنين إلى الماضي – يقول المتحدث – فإنّ احتواء المتحف على مقتنيات قد يشبّع تلك الغريزة، وقد تعود به اللقى إلى فترات قديمة، ولهذا يساهم المتحف بالارتقاء بالذوق الفني لدى أفراد المجتمع من خلال الاطلاع على الأعمال الفنية على مرّ العصور، إضافة إلى ما تتركه تلك الأعمال من أثر إيجابي في النفوس.
وأكّد شعلال، أنّ المتاحف تعمل على ترسيخ الحس الوطني والشعور بالفخر والانتماء، من خلال الاطلاع على الإنجازات الحضارية للأجداد، وبالتالي إيجاد نماذج يقتدى بها، وتكون دافعا للأجيال المعاصرة في استكمال المسيرة.
لهذه الأسباب.. يغيب الشباب
يرجع بلقاسم شعلال، عزوف جيل الشباب وعدم تشبعه بثقافة المتاحف إلى أسباب عديدة منها: غياب الحملات التحسيسية من قبل المدارس والجمعيات الثقافية والأسر الجزائرية، فيما يخص الترويج لفكرة زيارة المتاحف، وعدم إدراج مادة التربية المتحفية في البرامج التعليمية.
ما أدى بهذه الفئة أن يكون لديها قصور معرفي فيما يخص هذا الموضوع، وغياب دور الإعلام في إبراز أهمية المتاحف والتراث الذي تحتويه، ما أدّى إلى ضعف الإقبال عليها، وعدم إتباع مؤسسات المتحف أساليب جذابة ومتقدمة لعرض المقتنيات، إضافة إلى وجود شبه خندق بين المواطن والمؤسسات المتحفية، حيث يرى المواطن أن هذه اللقى التراثية لا تمثله وليس له علاقة بها، ما نتج عن ذلك هذا العزوف.
وقال شعلال، أنه لإدخال ثقافة زيارة المتاحف للفئات الشابة، يجب العمل مع هذه الفئة مبكرا، وذلك بـ “تنظيم ورش عمل فنية للشباب، على غرار صناعة الفخار واللوحات الفسيفسائية وكيفية استخراج اللقى في المواقع الأثرية، قد يساعدهم في أن يكون هذا الوعي لديهم في المستقبل، إنتاج أفلام كرتونية توضيحية لهذه التجارب (صناعة الفخار والفسيفساء…إلخ)، يجب أن تحكي أهمية التراث المادي للحفاظ على الهوية الوطنية، إدراج وحدات تعليمية (تربية متحفية) في المدارس، إضافة إلى الوحدات الأخرى التي تعتني بتاريخ الحضارات.
وإجبارية الاهتمام بموضوع حماية التراث والمتاحف في برامج الجمعيات الثقافية وإدراج هذه الوحدات في البرنامج ومتابعة السلطات المعنية ذلك في الميدان، بناء متحف في كل مدينة أو ولاية لغرض احتوائه على تراث المنطقة، وذلك من أجل تسهيل الوصول إليه، تنظيم معارض فنية بأسلوب مناسب للشباب لغرض جلب اهتمامهم، إنشاء تقاليد بين المؤسسات التعليمية والمتحفية، بحيث تكون اتفاقيات بينهما لتسهيل زيارة المتحف وحضور ندواتها ومختلف نشاطاتها، إلى جانب استحداث جوائز تحفيزية لتشجيع هذه الفئة لزيارة والبحث فيما يحويه المتحف من مقتنيات أثرية.