كيف كانت مدينة الجزائر قبل قرنين من الزمن، في بناياتها وعادات سكانها والحرف التي كان الناس يمارسونها آنذاك..؟.
في هذا الجانب بالذات، عثرنا على مصدر مهم.
يروي القنصل الأمريكي بالجزائر وليام شالير (الذي عمل في بين 1816 و1824) في مذكراته، تفاصيل مهمة عن البنية الإجتماعية للجزائريين وطريقة عيشهم وحرفا كان يمتهنها سكان مدينة الجزائر، ويتحدث عن كيفية المعاملات التجارية.
يصف القنصل الأمريكي بدقة منازل وأحياء، ومدارس يتردد عليها الأطفال ابتداء من سن الخامسة والسادسة، ولباس المرأة الجزائرية، وكيف تتم طقوس الزواج.
اقتراح احتلال الجزائر
وأنت تقرأ مذكرات وليام شالير تلتمس حقدا غير مفهوم على المسلمين، وهو ما يفسر أنه هو من اقترح على فرنسا الإنزال العسكري في سيدي فرج.
يذكر ذلك في كتابه في الصفحة 76: “كان نزول الجنود في جميع الحملات العسكرية، التي شنت على مدينة الجزائر من البحر، يتم في الجانب الشرقي من الخليج، وهذه بالتأكيد غلطة لا تغتفر وتعود إلى جهل بشاطئ البلد وطبوغرافيته، حيث أن جميع وسائل الدفاع ركزت في هذه المنطقة”.
ويضيف مفصلا في اقتراحه للفرنسيين: “إنه لمن الواضح أن جيشا يمكنه النزول في خليج سيدي فرج الجميل، دون أن يجد عقبات تذكر، ومن هناك يمكنه في مرحلة واحدة أن يصل إلى الهضاب، التي تسيطر على موقع قصر الأمبراطور 2، وعندئذ سوف لا يجد عائقا في طريقه نحو هذا الحصن والإستيلاء عليه بالقوة، وذلك إما بتسلق أسواره أو باستعمال الألغام لنسفها”.
ويؤكد: “متى سيطر الجيش على هذا الحصن وثبت مدفعية قوية في الهضاب التي تشرف عليه، أصبح يسيطر على الموقف والهضاب المشرفة على الحصن من السهل التعرف عليها في خرائب طاحونتين بالريح تتخذ كل منهما شكلها اسطوانيا، وخرائب قلعة كانت تسمى سطاو، ولكنها لم تعد قائمة، بسبب مخاوف الحكومة من عواقب بقائها، حيث أنها موقع يسيطر على حصن الأمبراطور، وبالتالي على المدينة”.
ويقول أيضا: “إنزال قوات في سيدي فرج، لابد من أن يرافقه ظهور قوات بحرية في وسط الخليج للتمويه على العدو، وعقب ذلك تستسلم المدينة أو تؤخذ عنوة بالقوة”.
حرير، مناديل، أحزمة وعمائم
يصف القنصل الأمريكي في الجزائر، الصناعات في الجزائر والحرف، التي كانت تقتصر على صناعات الحرير والصوف والجلود المدبوغة، وتبلغ قيمة المستوردات الجزائرية من مادة الحرير الخام، التي يأتي معظمها من سوريا 80 ألف دولار سنويا.
ويؤكد القنصل أن المنتجات الرئيسية الجزائرية من الحرير هي شالات، مناديل، أحزمة ونوع من العمائم والقماش الذي يطرز بالذهب، وغير ذلك من المنتجات التي تستهلك محليا، وهذه المنتجات الحريرية تباع بأسعار أغلى قليلا من مثيلاتها من المنتجات الفرنسية والإيطالية.
وبحسب شالير، المنتجات الجزائرية أجمل وأمتن وأنواعها جميلة ودائمة، ولا توجد بضاعة أوروبية تفوق المنتجات الجزائرية في هذا المجال.
يقول: “كذلك تستعمل كميات كبيرة من الصوف لنسج البرانس والحايك والشالات والسجاد، هذه المنتجات كلها تستهلك محليا، ونسج الصوف شائع في كل عائلة في المملكة، ولو انه يجري بطرق بدائية والإنتاج عادة يستعمل لإستهلاك أفراد العائلة، ولكننا نجد أيضا مصانع في جميع المدن وفي القرى الكبيرة لنسج الصوف”.
ويضيف: “تصنع في الجزائر أيضا أنواعا رفيعة وجميلة من الحصائر، تشكل فرشا للأرضية تشبه السجاد، وكذلك تصنع السلل في الريف ومن مختلف الأنواع للأغراض المنزلية، وصناعة أعداد الجلود ودبغها صناعة معروفة بكل أسرارها في هذا البلد، والجلود المدبوغة والمصنوعة على الطريقة المغربية، تبدو في هذا البلد قريبة من درجة الكمال”.
إنتاج الأقمشة الخشنة شائع أيضا في الأرياف الجزائرية، وأسعار هذه المنتجات رخيصة جدا، وهي من حيث النوع تشبه المنتجات الألمانية التي تباع في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية.
حاول القنصل الأمريكي، تقديم فكرة عن الفن المعماري السائد في الجزائر للقارئ. ويصف المنازل بالقول إنها مخططة ومبنية على الطراز نفسه، خاصة المنزل الذي سكنه، يقول: ” المنزل الذي سكنته شخصيا سيعطي فكرة عن جميع منازل مدينة الجزائر، التي لا تختلف إلا في الحجم وقيمة المواد التي بنيت بها. وهذا المنزل مربع ويبلغ 64 قدم من كل واجهة وارتفاعه 42 قدما، وثلثه عبارة عن الطابق الأرضي، حيث توجد المخازن والصهاريج والإصطلاب والأقواس القوية التي تحمل المبنى”.
ويشير إلى أن بقية البناية عبارة عن طابقين في شكل دائري حول حوش مفروش بالمرمر، سعته 30 قدما مربعا، يغطيه بهو مفتوح سعته 6 أقدام، ويقوم كل طابق على 12 عمود من المرمر الإيطالي، وكل واحد من هذه الأعمدة يكون سندا لأثني عشر قوسا أهليجي الشكل.
ويحيط بالحوش صفان من الأعمدة الرشيقة الجميلة، والسقف مسطح وله حاجز يبلغ ارتفاعه أربعة أقدام ونصف ومن جهة البحر يوجد بهو آخر مقسم إلى شقق صغيرة عديدة.
ويضيف: “نتيجة لإتساع الحوش، كانت شقق المنزل الذي له أربع واجهات ضيقة جدا وطويلة جدا، وهذا التفصيل والتصميم ملائم جدا بالنسبة لأحوال المناخ، ولكنها بالتأكيد تكون غير مريحة في مناخ أقل حرارة”.
واجهتان من هذا المنزل، تواجهان البحر ولهما نوافذ، ولكن المنازل في الجزائر لا تتلقى الضوء عادة، إلا من الحوش لأنه من غير المسموح لمنزل يشرف على منازل أخرى أن تكون له نوافذ. وجميع النوافذ، التي تشرف منها على الشارع أو على الحوش مزودة بقضبان من الحديد، ما يوحي أن المنزل سجن، مثلما يقول شالير.
ويشير القنصل الأمريكي إلى أن المنازل المزودة بصهاريج تحصل بها العائلة في موسم الأمطار على ما يكفي الحاجة العادية من الماء.
يقول شالير إن منزله مثل المنازل المشابهة له، ومنزل آخر أصغر منه ويدخل ضمن حيطانه، ويشكل بناية مستقلة بنفسها، وهو يستعمل عادة لإيواء النساء، أو أسرة تابعة لصاحب المنزل الكبير، أو سكن لإبنه المتزوج، وكذلك تستعمل البناية في حالات أخرى مطبخا، أو مكاتب، أو حمامات.. الخ.
ويضيف: ” هذا المنزل ليس له سوى باب واحد يفضي إلى الخارج، وهذا الباب من القوة والمتانة، بحيث يشبه باب قلعة، والعائلة التي تسكنه تملك في داخله كل ما تحتاجه، دون أن يساورها الخوف من الإعتداء من الخارج، وجميع أرضية المنزل مفروشة بالمرمر، أو بالأجر الذي تم تلوينه في هولندا، وجميع غرف الشقق غطيت حيطانها حتى إرتفاع حوالي أربعة أقدام بالفسيفساء الرفيع القيمة”.
الأجنبي، منزل الجزائري والظرف الاستثنائي
في جميع المنازل في الجزائر، توجد شقة صغيرة موجودة عند الباب الخارجي للبناية، وفي هذه الشقة يستقبل رب البيت الزوار ويتولى المعاملات، لأن الأجنبي غير مسموح له دخول المنزل بسبب وجود النساء، والأجنبي لا يمكنه أن يدخل منزل عائلة جزائرية إلا في ظروف إستثنائية.
هذه الشقة فسيحة وفاخرة التأثيث تسمى السقيفة.
ويُعنى بصيانة الحيطان الخارجية لجميع البيوت الجزائرية طلائها بالجبس، دائما، ما يجعل المدينة تبدو من بعيد في مظهر أنيق أخّاذ.
يقول شالير إن الجزائريين في أوقات الرخاء يحرصون على بناء منازل جميلة، ومن السهل العثور على كثير من المنازل في الجزائر تكون أجمل.
ويشير إلى أن الرجال المسلمون مُحرمٌ عليهم الصعود إلى منازلهم بالنهار، وبذلك تبقى هذه السطوح وقفا على النساء، على أن هذا المنع لا يشمل المسيحيين، يقول: “لذلك يمكننا في بعض الأمسيات أن نلمح سحر هذه الأسيرات الجميلات اللائي يستفدن من اللحظات القليلة، التي يسمح بها لهن القانون لإستنشاق الهواء براحة فوق منازلهن”.
ويقدم لنا شالير فكرة عن قيمة المنزل الذي كلف بناؤه 100 ألف دولار، وهو يدفع ايجارا سنويا ما مقداره مقداره 250 دولار.
ممرات.. وشارع الحلاقين والسياسة
يصف القنصل الأمريكي شوارع مدينة الجزائر بأنها ضيقة، مجرد ممرات، وبعض الشوارع لا يمكن أن يمر فيها فارسان على متن جواديهما دون أن يصطدم أحدهما بالأخر.
هذه الشوارع مفروشة بالحجر، ويعنى بنظافتها وصيانتها في العادة.
يوجد شارع يسمى الشارع الكبير، يمكن أن تمر فيه عربتان دون أن تلمس إحداهما الأخرى، وهذا الشارع يبلغ طوله نصف ميل متعرج، يمتد من باب الواد أو الباب الشمالي للمدينة حتى باب عزون أو الباب الجنوبي.
في هذا الشارع توجد المقاهي الرئيسية ودكاكين الحلاقين، وفيه يلتقي الذين يهتمون بالسياسة ويتناقشون بالأخبار.
هذا الشارع هو الذي يقصده الجزائري المسترخي ليزيل عن نفسه ما يساورها من ملل وضجر. يجلس في المقهى الذي يفضله ويتناول قهوته ويتبادل الأخبار ويلعب الشطرنج.
وفي هذا الشارع أيضا يوجد الدكان المهم الوحيد في الجزائر، يسمى معرضا توجد فيه مختلف الأشياء العادية، وبالمقابل اسكافي يعكف بوقار، وقد جلس بشكل القرصفاء على الأحذية التي يصنعها، وكلها في متناول يده بحيث لا يحتاج النهوض، يقول القنصل الأمريكي.
وبحسبه، تنقسم مدينة الجزائر إلى أحياء منفصلة تغلق أبواب كل منها بعد صلاة المغرب مباشرة. هذه الأبواب يحرسها بسكريون، يقومون بفتحها للسكان الذين يضطرون إلى الخروج من المدينة ليلا وهؤلاء الحراس يخضعون لأوامر الشرطة، التي تقضي بأن يحمل المسلم أو المسيحي، الذي يسير في الشوارع ليلا مصباحا مشتعلا، واليهودي ضوءا بدون مصباح.
تعليم متطور وغير مُكلف
يتحدث شالير، عن التعليم في مدينة الجزائر بإعجاب، حيث تملك كثيرا من المدارس العادية، التي يتردد عليها الأطفال ابتداء من سن الخامسة والسادسة، يتعلمون القراءة والكتابة.
يعترف القنصل الأمريكي بالتطور الحاصل في التعليم بالجزائر، يقول: ” نظرا لأن الأمور لا تتطور بسرعة في هذه البلدان، أميل إلى الإعتقاد أننا مدينون للعرب بالطريقة التربوية التي تعرف عندنا باسم الأنكاستر، فكل تلميذ يحمل لوحة يمكن الكتابة عليها ومحو ما كتب بسهولة، وعلى هذه اللوحة تكتب بوضوح سورة من القرآن”.
ويضيف: “يقوم بقية التلامذة بنقلها بعناية، كل على لوحته والتلميذ الذي يتعلم معنى الكلمة وطريقة كتابتها يعلم ذلك للتلاميذ الآخرين، ويعلم الدرس بصوت مرتفع تلميذ كبير أو معلم يجلس في مكان مرتفع سدة-وفي يده عصا يستعين بها لحفظ النظام ولإثارة انتباه الطلبة، وبهذه الطريقة يتعلم التلميذ القراءة والكتابة، والمرجح أن الفضل يرجع إلى هذه الطريقة في وجود هذه الوحدة وجمال الخط العربي، وتعليم الجزائري عندما ينتهي من حفظ القرآن ويعرف الفرائض التي يعلمها له المعلم نفسه”.
ويؤكد أن هذا النظام التربوي لا يكلف إلا شيئا قليلا من المال، والبنات يتعلمن في المدارس نفسها تشرف على إدارتها نساء.
ملابس بحسب طبقات المجتمع
لباس الجزائريين، كما يروي القنصل الأمريكي، يتكون من قطع عديدة بعضها بأكمام والبعض الآخر بدون أكمام، مفتوح في الصدر ومزين بأزرار وزخارف، وبعد ذلك تأتي سراويل فضفاضة ينزل حتى ربلة الساق، وكثيرا ما يلبس الرجل حزاما يلفه مرات عديدة حول وسطه ويعلق عليه مسدسا ويضع في طياته أيضا ساعته ومحفظته تقوده، ولباس الرأس هو العمامة والرجلين “البلغة”، التي تميز زي الرجل الجزائري، والجوارب لا يلبسها إلا الشيوخ وفي حالة البرد فقط، ونوعية الملابس تختلف باختلاف طبقات الناس وثروة الأفراد وفصول السنة.
فيما يتعلق بملابس الأتراك الكلوغيين، عادة مزينة بالقصب وبحواشي الذهب أو الفضة أو الحرير طبقا لنزوات الشخص، وشكل العمامة وثناياها ونوع المادة، التي صنعت منه هي المقياس الذي يحكم عليه الناس بقيمة الرجل الذي يلبسه.
وكلا اللباسين يستعملان للغرض نفسه، معطف في النهار وغطاء بالليل.
وعن الحايك يقول شالير:” ومع ذلك يجب الإعتراف بأن الحايك لباس غير مريح لأنه يتحتم على لابسه أن يمسكه دائما بيده، وسعر الحايك يختلف باختلاف نوعه.
يصنع الحايك من الحرير أو من الصوف الأبيض، أو من الصوف الأحمر ،ومتى استعمل الحايك غطاء للفراش فإنه لا يوجد ما هو أفضل منه لتوفير الدفء على خفة وزنه”.
ويضيف: “لباس النساء العربية بقدر ما أمكنني ملاحظته، يتكون من قميص صغير يصنع عند نساء الطبقة الغنية من ارفع المواد وأفخرها، ومن سراويل ينزل حتى العقب، وثوب من الحرير أو من مادة أخرى ويكون غنيا بالتطريز بالدنتيال ويغلق بشريط من الوراء، وأخيرا تلبس المرأة الجزائرية حذاء ولكن بدون جوارب”.
جمال الجزائرية..
يؤكد شالير أن المرأة الجزائرية تعتني عناية خاصة بشعرها، وكثيرا ما ينزل شعر إمرأة جميلة حتى يصل الأرض، والمرأة الجزائرية لا تقنع بالجمال الذي وهبتها الطبيعة لشعرها ولحواجبها، فهي تعمل على صبغهما بالأسود مثلما تصبغ بطلاء خاص أظافر أصابع أيديهن، وكذلك يصبغن بالحناء أكفهن وأقدامهن.
تلبس المرأة الجزائرية الحلي الثقيلة بما في ذلك خواتم وأقراط الذهب وأساور وخلاخل من الذهب والفضة.
المعدن الشائع في الطبقات الغنية هو الذهب ثم تنزل النساء حسب طبقتهن إلى الفضة، والألماس أحيانا، ولباس الرأس القومي هو السرمة الذي يصنع من الذهب أو الفضة حسب الطبقة، التي تنتمي إليها المرأة وهو مخروطي الشكل وفوقه يلقى حجاب شفاف كثيف أو خفيف التطريزة، حسب شهادة القنصل الأمريكي.
ترتدي الفتاة غير المتزوجة على رأسها بدلا من ذلك قلنسوة عادية مطرزة بسكوينات (Seguin)، ذهب إيطالي (كانت العملة المضروبة منه متداولة في مختلف الدول الإيطالية وكان شائعا أيضا في تركيا والجزائر)، والفتاة المتزوجة تعرف حالتها عندما تخرج من بيتها بسراويلها المتعددة الألوان.
ترتدي الجزائرية ثوبا متعدد الألوان وهو ثوب بنات الملوك، وهذا الثوب يغطيه حايك من النوع الذي تقتضيه الظروف.
ومتى سافرت المرأة الجزائرية إلى الخارج، ترتدي حايكا أبيضا يغطي جسمها كله من الرأس إلى العقب بحيث تبدو وكأنها شبح متحرك.
ونساء الطبقة الراقية لا يخرجن إلا قليلا أو لا يخرجن إطلاقا، وعلى الرغم من أن هذه السيدات يتعرضن للوم أزواجهن على التبرج والتبذير، مع بقائهن في عزلة، لكن من الممكن الاستنتاج أنهن يمارسن نفوذا غير قليل في المجتمع، يقول شالير، ويشير إلى وجود عدد صغير من الجزائريين، الذين يستفيدون من ترخيص الإسلام لهم بالتزوج بعدد من النساء، والقاعدة العامة هي أن الرجل يكتفي بامرأة واحدة تلحق بها عدد من الإماء يختلف باختلاف مركز الرجل الاجتماعي وثروته.
إحترام المرأة
يحتوي عقد الزواج عادة على شروط على مستوى من المساواة مع الرجل، الذي يتزوجها أو على الأقل تحميها من معاملة تعسفية، كي لا يحط من قيمة هذه السيدات، والواقع أن أثر هذه الفوائد قد زاد واتسع تدريجيا و نجم عن ذلك أن المرأة العربية لا ترزح في قيود العبودية لزوجها أكثر مما ترزح تحت ثقل العادات و التقاليد الموروثة، حسب شهادة القنصل الأمريكي.
ويجري تخطيط الزواج وعقده بواسطة الأمهات والعلاقات النسوية، التي تسعى بين الطرفين والنساء الجزائريات يلتقين وفي الزيارات المتبادلة في المنازل أو في الحمامات العمومية، التي يترددون عليها كثيرا والتي تفتح أبوابها في فترة ما بعد الظهر للنساء فقط.
ويروي شالير: ” في هذه المناسبات تلتقي القريبة بالقريبة والصديقة بالصديقة ساعات عديدة متوالية ليستغرقن في الحديث الممتع، على حساب أزواجهن الذين يطردون من منازلهم أو يختبئون وراء الأستار الكثيفة في إحدى زوايا المنزل، حيث لا يرون أحدا ولا يسمعون شيئا ليفسحوا المجال للعصابة المرحة”.
والنساء وسيلة التسلية الوحيدة التي في متناولهن هي تلك اللقاءات التي تجري في الحمام العمومي أو الزيارات المتبادلة والاجتماعات ولاسيما مناسبات الزواج والميلاد والختان.
الصحن القومي للجزائريين
يتحدث القنصل الأمريكي، في مذكراته عن عادات الجزائريين في الأكل، إذ يشكل الخبز ولحم الضأن والدجاج والسمك والحليب والزبدة وزيت الزيتون والزيتون والفواكه والخضروات، والكسكسي الذي يصنع من عجينة تشبه العجينة التي تصنع منها المقارونة، الأغذية الرئيسية لسكان بلاد البربر، يقول: ” الكسكس يمكن اعتباره الصحن القومي وهو بمثابة المقارونة في إيطاليا والأرز في الهند، والكسكس يفتل حبات صغيرة عادة في قصعة مصنوعة من الخشب ثم يوضع في كسكاس ويطهى بالبخار وقد يرفق بالمرق والخضروات، أو يقدم بالبيض المسلوق أو بأعشاب حلوة”.
ويؤكد أن طبق الكسكس لذيذ الطعم ومغذ جدا، والطبقة الفقيرة التي لا تستطيع شراء اللحم تحضره بزيت الزيتون أو مدهونا بالزبدة، في حين طبقة العمال تقتنع بالخبز والزيت متى أمكنها الحصول عليه.
ويشير إلى أن الجزائريين لا يستهلكون إلا قليلا من لحم البقر، وهم قلما يذبحون بقرة ولا يذبحون عجلا أبدا، وفي أجود الفصول التي يكثر فيها العشب تعمد كثير من العائلات الجزائرية إلى ذبح ثور أو ثورين وتقطع لحمه ثم تجففه في الشمس وبعد ذلك يغلى في الزيت ثم يحفظ في أواني ويغطى بالزيت أو بالسمن لاستهلاكه في وقت آخر.
القهوة مشروب الترف
القهوة هي مشروب ترف للجزائريين، حيث توجد المقاهي ودكاكين الحلاقين أو مزاولة نوع من أنواع التجارة أو العناية بالحدائق المنزلية أو محاولة تحسين المنزل الريفي لمن يملكون منازل في الريف، فهذه الأشغال توفر وسيلة لتزجية الوقت والخروج من الحياة الرتيبة التي يعيشها الناس.