من إسكافي بسيط الى مناضل ومؤسس حزب الشعب الجزائري المطالب باستقلال الجزائر في فترة الأربعينيات، مصالي الحاج أب الوطنية.
ولد مسلي أحمد، المعروف بمصالي الحاج يوم 16 ماي 1898 بتلمسان، من أب فلاح وكان هذا الأب شخصا محترما ومبجلا لدى الجميع ومتدينا، وكان يشغل أيضا كحارس قبة سيدي عبد القادر بتلمسان، أمّه كانت ابنة قاض شرعي وحرفي ميسور الحال.
يقول مصالي في مذكراته: ” حسب الحالة المدنية الفرنسية، ولدت يوم 16ماي 1898بتلمسان في عمالة وهران من والد اسمه الحاج أحمد مصالي، وأم اسمها فطيمة صاري علي حاج الدين، كان ابوها قاضيا، كنا في العائلة ستة اولاد طفلان واربعة بنات كنا نسكن حي باب الجياد، في منزل هو ملك لجدتي ماما بن قلفاط، وترعرعت في هذا الحي وعشت فيه إلى غاية 1918″.
ويضيف: ” صرت حذاء متدربا فالسيدة بن زرقة، التي كان زوجها حلاقا نصحت أمي أن توجهني إلى مهنة الإسكافي، كانت تقول إن المستقبل واعد بالنسبة لهذه المهنة أكثر مما هو بالنسبة للحلاقة، فقد قدمني ابنها للسيد بن عطار، صاحب محل الإسكافية، كان يسكن قرية سيدي بومدين”.
ويشير مصالي، في مذكراته، إلى أن عمله كان يبدأ باكرا وعليه ان يفتح محل الإسكافية ويقوم بالتنظيف ثم يرمي الاوساخ بعد تمشيطها ليضع على حدى المسامير والقطع الجلدية الجيدة وقطع الشمع الخ، ثم يخرج بعد ذلك للقيام بالمشتريات عند بائعي الخردوات دون ان ينسى اذا اتيحت له الفرصة لعب كرة القدم لفترة قصيرة بالضرب على كرة من خرق الكتان مع الأطفال، الذين هم في سنه، كانوا يعلمونه كيف يقطع الكرتون والجلد وكيف يسمر الأحذية، التي انتهى من صنعها والتي هي قابلة للبيع، ولحفظ ثيابه من الغراء اعطي مئزر وهكذا صار مظهره فعلا اسكافيا.
ويضيف مصالي:” كنا خمسة او ستة عمال من اعمار مختلفة إضافة إلى صاحب المحل، الذي كان يعطي الاوامر و النصائح، كنا نصنع الأحذية للتصدير الصغير، فقد كان التجار التلمسانيون يذهبون لبيعها في مدن وقرى الناحية الوهرانية، كنا نصنع احذية على المقاس حسب اذواق الزبائن، فقد كانت هذه المسألة تؤدي إلى مساومات حادة من زمن الطلب إلى يوم التسليم.”
ويروي: ” كان الدكان في حي نشط وكان يعجبني كثيرا، كان هناك على مقربة منا فرنان في حالة عمل حيث كان ينضج فيهما الخبز لعدد من الأحياء، كان الأطفال يأتون باستمرار حاملين صينيات خشبية عليها الخبز الذي لابد من انضاجه وفي رمضان ترى زيادة على ذلك صينيات مملوءة بالحلويات المصنوعة من اللوز والقرفة والعسل والفانيلا وماء الورد، فالأطفال الفقراء كانوا ينظرون بشغف إلى تلك الحلويات، التي يوزعها عليهم أحيانا العائلات التي هي في طريق البورجوازية بمناسبة الاعياد الإسلامية”.
كان والديه يهديانه بلغات بمناسبة الاعياد الدينية، ولكنها مصنوعة من الكرتون اكثر من الجلد وكانت لا تقاوم أكثر من شهر وفي تلك الفترة كان عمره عشر سنوات، كان دائما يلبس شيئا بسيطا، عباءة طويلة بيضاء وتحتها سروال ملونا يشده عند الحزام بتكة ويضع على رأسه المحلفة شاشية صغيرة وكان رجلاه حافيين في اغلب الأوقات، وفيما بعد صار يلبس نعالا تساعده كثيرا في الرياضة.
يقول مصالي في مذكراته: ” اتصلت بالسيد رفائيل، الذي قبل بتسهيل الأمر لي وهكذا جدد تاريخ سفري الأول، كان فرحي عظيما وكان خيالي يدور بسرعة فائقة، كنت خائفا نوعا ما من القيام بهذا السفر وحدي مع أناس لا اعرفهم”.
ويضبف: ” تحصلت على رخصة التغيب من الإسكافية، اقلعت في المساء فالمسافرون وعددهم عشرة اخذوا اماكنهم في العربة مع أمتعتهم، كان كل هذا يتم في حركة كثيرة الاضطراب، فكرة رؤية أبي في بلد بعيد عن تلمسان كانت تفرحني وكنت مسرورا بالوصول ،ان هذه الجولة التي اوصلتني 40كيلومترا خارج تلمسان تمثل بالنسبة لي سفرا خارقا للعادة وقد كنت مستعجلا للقيام به”.
وعندما بلغ مصالي الحاج، سن الدراسة اقترحت عليه أمه المدرسة العربية، لكن أباه أراد تسجيله في إحدى المدارس الفرنسية لأنه كان يرى بأن تعلّم الفرنسية سيمكّن ابنه من الدفاع عن نفسه والدفاع عن بلده واستقلاله، وبالفعل كان له ما أراد.
لكن دخول التلميذ مصالي الحاج، إلى إحدى المدارس الابتدائية الفرنسية، لم تقطعه عن ثقافته العربية الإسلامية بحكم أن أباه كان رجلا متديّنا، فكثيرا ما كان مصالي الحاج يتردّد على الزاوية الدرقاوية كغيره من أفراد عائلته، فجعلت منه شخصية عربية مسلمة نابعة من بيئته.
تأثّر مصالي الحاج بالتجنيد الإجباري للجزائريين، وبالرغم من هذا التأثر العميق إلا أن دوره سيأتي في 1918 حيث جنّد في الجيش الفرنسي ورقي إلى رتبة رقيب، وهذا التجنيد فتح له آفاقا جديدة في مستقبله السياسي والكفاحي ضد الاستعمار جعلت منه أبا للوطنية الجزائرية بحق، وبعد تسريحه من الخدمة الإجبارية وزواجه بالفرنسية «اميل بوسكيت» وفق أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، عمل كغيره من المغتربين في مصانع ومعامل فرنسا.
كان كثير الاحتجاج لأنه لا يطيق رؤية مظاهر التمييز العنصري والظلم الاجتماعي، التي كانت تمارس على العمال المغتربين خاصة العرب، ما جعل أصحاب المصانع يصفونه بالمشوّش بسبب احتجاجاته الدائمة والجريئة على مظاهر الاستغلال.
استغلّ مصالي الحاج، وجوده بفرنسا لتحسين مستواه العلمي والثقافي، إذ كثيرا ما كان يتردّد على مدرجات جامعة «السوربون» ليس كطالب، ولكن كعصامي يريد أن يغرف من العلوم والثقافات الإنسانية لتحسين مستواه، استطاع أن تكوين علاقات إنسانية وعلمية وثقافية حيث تعرف هناك على الأديب الكبير «محمد ديب»، والزعيم « نهرو»، وكذلك «شكيب أرسلان»، وغيرهم من الزعماء والكتاب والمثقفين القادمين من البلدان المستعمرة، والتي بدأت تشهد في تلك الفترة ميلاد الكثير من الأحزاب والحركات التحررية.
عاصر أحداث تاريخية صقلت حياته النضالية
إنّ الأحداث التاريخية التي واكبها مصالي الحاج، كان لها الأثر البالغ في صقل حياته النضالية والسياسية، إذ أنّه عاصر أحداث الحرب العالمية الأولى، سقوط الخلافة الإسلامية، الثورة البلشفية وثورة الريف المغربي بقيادة عبد الكريم الخطابي، فحفزته كل هذه الأحداث على التفكير في إيجاد إطار سياسي يبلور من خلاله أفكاره السياسية.
انخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم أسّس بمعية الحاج علي عبد القادر، والجيلالي شبيلا، ما سمي آنذاك بحزب نجم شمال إفريقيا وذلك في1926، وكان هذا الحزب يطالب باستقلال كل بلدان المغرب العربي، التي تقع في شمال إفريقيا.
في 26 فيفري 1927 شارك مصالي الحاج في وفد ممثلا عن النجم في مؤتمر بروكسل لمناهضة الاستعمار وطالب في تدخله باستقلال الجزائر، ولكن سياسة مصالي الحاج، الوطنية الداعية إلى الاستقلال لم ترض الشيوعيين الذين كانت سيطرتهم واضحة على نجم شمال افريقيا، فأوقف الحزب الشيوعي مساعداته المالية ما جعل الصراع بين مصالي والشيوعيين يبلغ أشده، فانسحبت كل العناصر الشيوعية من النجم، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تقدم على حله بتاريخ 20 نوفمبر 1929 بتحريض وإيعاز من الحزب الشيوعي.
اضطر مصالي الحاج، للإعلان عن إعادة تأسيس الحزب باسم جديد وهو «نجم إفريقيا الشمالية»، وحينها برزت كفاءة مصالي الحاج، ومقدرته في إدارة الحزب وتوجيه سياسته الوطنية المستقلة، وانتخب في1933 رئيسا للحزب، ولكنه أوقف في نوفمبر 1934 بتهمة إعادة تنظيم جمعية منحلة ثم حكم عليه بالسجن ستة أشهر نافذة وغرامة مالية مقدارها 200 فرنك، ثم انتقل إلى جنيف بسويسرا وكان دائم الاتصال بالأمير شكيب أرسلان، وقام بنشاطات مكثفة لصالح القضية الجزائرية.
أعلن مصالي، وبكل شجاعة في المؤتمر الإسلامي في 1936 م عن رفضه التام للمشروع الاندماجي أو ما سمي بمشروع «بلوم فيوليت»، خلال خطاب ألقاه أمام 2000 مشارك صارخا بأعلى صوته وهو ممسك بحفنة من تراب «هذه الأرض أرضنا ولن نبيعها لأحد».
في 25 جانفي 1937 أعلن عن حل جمعية النجم المجيد، وكان مصالي الحاج بفرنسا فطلب من أنصاره العمل باسم جمعية «أحباب الأمة»، وظل هكذا إلى أن أسّس مع رفاقه في 11 مارس 1937م حزب الشعب الجزائري وانتقل إلى الجزائر في شهر جوان، ولكنه سرعان ما اعتقل وخمسة أعضاء من الحزب بتهمة التشويش والتضامن ضد السلطة الفرنسية، وأصبح ينتقل بين سجون الحراش وبربروس وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، مع حرمانه من كافة حقوقه المدنية والسياسية.
في 1939 حلت الإدارة الفرنسية حزب الشعب الجزائري ومنعت جرائده من الصدور، وفي أكتوبر من العام نفسه اعتقل مصالي من جديد مع بعض أنصاره، وحكم عليهم بـ 16 سنة سجنا نافذة وبعد نزول قوات الحلفاء بالجزائر في 1942 أطلق سراح مصالي الحاج من سجن «تازولت» بباتنة، ووضع تحت الإقامة الجبرية ثم أبعد إلى مدينة القليعة، ثم عاد إلى العاصمة أقام بمنطقة بوزريعة وأسّس حركة انتصار الحريات الديمقراطية، والتي تعتبر النواة الأولى المفجّرة للثورة وفيما بعد انبثقت عنها المنظمة السرية «لوس».
وبعد الانشقاقات، التي وقعت في صفوف حزب الشعب بين المصاليين والمركزيين، ظهرت لجنتان موازيتان للإعداد للثورة الأولى هي اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي رفض مصالي التعاون معها وأسس اللجنة الثانية سميت اللجنة الثورية الجزائرية، حيث اجتمعت يوم 15 أوت 1954 وحدّدت المسؤوليات وقسّمت البلاد إلى 6 ولايات وثلاث مناطق ثورية، ولكن اللجنة الثورية للوحدة والعمل فاجأتهم وسبقتهم بإعلان الثورة في أول نوفمبر 1954.
قدم مصالي، في 1956 مذكرة للأمم المتحدة مطالبا باستقلال الجزائر، دعما للثورة ورفض الدعوة التي وجّهها له الجنرال ديغول، في 1960 للتفاوض حول الاستقلال، لأن الزعيم كان يرى بأن الهدف من ذلك هو إضعاف الثورة، وبعد الاستقلال بقي مصالي الحاج في فرنسا إلى أن وافته المنية يوم 03 جوان 1974.
شكرا لك على المقال ، لقد كان الزعيم الوطني التاريخي مصالي الحاج أب الوطنية الجزائرية أول من نادى بالإستقلال الجزائر و هو الأب الروحي للثورة الجزائرية و لما حضر للثورة و موعد تفجير الثورة ، سبقوه في إعلان الثورة لأسباب شخصية و قد ندموا بعد الإستقلال الرمزي و طلبوا السماح منه لكن بعد فوات الأوان.
العفو هذا واجبي في نقل الحقيقة التاريخية وإنصاف صناع الثورة