يرى الدكتور محمد مبارك كديدة، أن الجزائر عملت مباشرة عقب استرجاع السيادة الوطنية على مواصلة استراتيجية الثورة المعتمدة على استغلال النخب المكونة في المدارس المعدة من طرف الاحتلال ما يعرف بـ«المفرنسة”، والنخب المعربة المكونة بمدارس ومعاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
شكّلت هذه النخب مقاومة ثقافية محافظة بذلك على مقومات الهوية الوطنية، رغم المضايقات المنتهجة من طرف الاحتلال الرامية إلى تغليب الفرنكوفونية وجعلها السائدة والغالبة، وبالتالي دفعها للعيش بهوية أخرى.
أكد الأستاذ المحاضر في التاريخ بجامعة الحاج موسى أخاموك لـ«الشعب”، أن الاحتلال ركز على الجانب الثقافي والعلمي والعادات والتقاليد واللغة، وكل ما ارتبط بالهوية، فأول ما قام به بعد السيطرة هو البدء في الحدّ من تأثير المؤسسات التي يمكن أن تشكل مقاومة ثقافية إن صحّ التعبير، وتحافظ على كل مقومات الهوية الوطنية ومحاصرتها، فحاربت الزوايا والمدارس واستولت على الوقف وصادرت أملاكها، وهي التي كانت تموّل المدارس والمشرفين عليها وطلبة العلم.
وقال محمد مبارك كديدة، أن هذه السياسة جعلت الجزائر تتعامل بذكاء مع هذه الوضعية، بتوجيه النخب الفرنكوفونية نحو منابر الدول الإفريقية خاصة، وتوجيه النخب المعربة نحو دول العربية والإسلامية، وبالتالي نجاح الثورة في استغلال كل النخب، لتظهر بذلك مشكلة الهوية بسبب استراتيجية المستعمر لأزيد من 100 عام في بعض المناطق.
هذه الوضعية، يضيف الدكتور كديدة، جعلت الجزائر تتجه بعد استرجاع السيادة الوطنية إلى الاعتماد على كوادر مشرقية من بعض الدول العربية على غرار، من أجل إعادة مسارها الحضاري، وهذا بفتح المجال على مصرعيه ببناء المدارس والمعاهد وتشجيع استخدام اللغة العربية، والتأليف بها، وحتى عقد مؤتمرات دولية كملتقى الفكر الإسلامي، الذي شهد حضور كبار المفكرين والعلماء في العالم والمستشرقين.
ما أهل الجزائر حسب المتحدث لتكون خلال فترة السبعينيات منبرا للنقاش العلمي الحضاري، إلى أن وصلت إلى إنتاج أجيال تؤمن بهويتها وتراثها وتتحدث اللغة العربية بطلاقة، وتبرز لسانها الأمازيغي المتنوع (التماهق، تمزابيت، وغيرها)، و تبرز قوة اعتزازها الجزائري بهويته، بل أصبحت بعض الكلمات المتداولة في الدارجة منتشرة في بعض الدول العربية الشقيقة، ولم يعد الظهور والحديث بالفرنسية مدعاة للفخر كما كان في مخيلة الكثيرين.
وختم الدكتور كديدة، حديثه بالتنويه بأهمية الموضوع الذي في نظره يحتاج إلى نقاش وإبراز زوايا كثيرة فيه، ذلك أننا لا يمكن أن نناقشه دون إبراز استمرار استراتيجية الاحتلال الفرنسي في محاولة إحداث شرخ أو شروخ في موضوع الهوية الوطنية.
وذلك باستغلال كل الإمكانيات والمعلومات، التي جمعتها ودرست من خلالها المجتمع الجزائري ومكوناته وهويته ومقومات شخصيته والمدينة في كثير من كتابات وتقارير مستكشفيه ومسؤوليه، التي اهتمت كثيرا بموضوع الهوية والمواضيع المرتبطة به مباشرة، حتى جعلتنا نشعر بأن تنوعنا وثراء ثقافتنا ومقومات هويتنا ضعف، وهو على العكس عامل قوة إن كنا واعين ومدركين بقوة وأهمية هذا التنوع والتداخل والتشابه والتكامل الموجود الذي يبرز هويتنا وهي أهم الجبهات التي يجب أن ننتبه إليها اليوم.