ما يزال المنزل الصغير الذي احتضن مؤتمر الصومام التاريخي في أوت 1956 وجمع تحت سقفه ستة من أبطال الثورة، بمرتفعات إيفري أوزلاقن على بعد 50 كلم من مدينة بجاية، يقاوم تقلبات الزمن ويواصل في نقل الذكرى للأجيال.
سقف بسيط.. همّـة عالية وإخـلاص للوطـن
بمجرد ما أن تطأ الأقدام المنزل التاريخي، يغمر نفس الزائر حسّ وطني قوي يسترجع ملحمة حرب التحرير وذكرياتها بأحزانها ومآسيها، ولكن أيضا بأفراحها وابتهاجها، وهذا الإحساس نابع من الشعور بالواجب الذي قام به قادة من خيرة أبناء الحزائر من أجل استرجاع استقلال البلاد.
وعلق طالب من جامعة سطيف يدعى العمري، وقد بدا عليه التأثر الكبير هو وزملاؤه عند خروجهم من المنزل الصغير: “هذا المكان يكاد يكون مقدسا بالنظر لما يعكسه من شعور قوي ومؤثر للغاية”، وقال إن “التماثيل الستة بالحجم الطبيعي لأبطال المؤتمر والموجودة بالبهو، تثير بمجرد رؤيتها إحساسا قويا بالفخر والوطنية، وعندما ندخل المنزل، تزداد حدة الاحساس بهذا الشعور، خاصة عندما ندرك أن زيغود يوسف، وكريم بلقاسم وعبان رمضان ولخضر بن طوبال والعربي بن مهيدي وعمار أوعمران، هم روح ورمز هذا المكان، اجتمعوا هنا لتمهيد الطريق للاستقلال الوطني”.
يقع المنزل على قمة نتوء جبلي ويتوسّط جبالا أكثر ارتفاعا يبلع علوها حوالي 1000 متر، ولا يبدو أن شيئا ما يميز المنزل الصغير، فقد شيد بنفس شكل المنازل التقليدية التي توجد في كل قرى منطقة القبائل، من الحجارة والطين وروث البقر مختلطة مع أوراق الشجر.
للوهلة الأولى، يبدو جليا أن أهل البيت كانوا فقراء، إنها عائلة بحوص، التي قدّمت للثورة شهيدا من أفرادها هو محمد أمقران، وشارك في تحرير الجزائر أيضا ابنها المجاهد محمد أمزيان، الذي توفي بعد الاستقلال.
إن المنزل الصغير ، الذي احتضن مؤتمر الصومام مستطيل الشكل ويتكون من غرفتين تبلغ كل منهما حوالي عشرة أمتار، مغطاة بسقف خشبي ويعلوها سقف من القرميد.
تصميم الغرفتين الداخلي متطابق، فجدرانها مكشوفة ومغطاة بطبقة من الإسمنت الحديث، ويوجد بأحد جوانبها رف تقليدي يمكن استخدامه كمكتبة أو لتخزين للطعام.
معلم تاريخي..
شُيّد هذا المعلم في قلب الموقع، الذي استضاف المؤتمر التاريخي للصومام رغم أنف العدو، وهو يوضح ويعكس ما وراء الهياكل والأوقاف التي تشكله الإرادة والشجاعة البطولية لقادة الثورة لتحرير البلاد من نير الاستعمار لكل من عبان رمضان وزيغود يوسف، والعربي بن مهيدي وكريم بلقاسم، ولخضر بن طوبال، وعمار أوعمران وعميروش، حيث كان الاجتماع في هذا اليوم الحار في الصيف لإعطاء دفع جديد للثورة ووضع معالم الدولة المستقلة.
ويستقطب المتحف كل عام أكثر من 20 ألف زائر، ويقدّم الموقع الذي يقع على بعد 08 كم شمال منطقة إيغزر أمقران، في وسط غابة كثيفة وفي مكان مرتفع، منظرًا مهيمنًا ودقيقًا على الزوايا الأربع للمنطقة، وأحيانًا على عشرات من الكيلومترات وهو ما يبرر اختيار المكان لتنظيم هذا المؤتمر التاريخي، بحيث يعد المكان الذي يسمح بعد ذلك بالتحكم في أي حركة مريبة للجيش الاستعماري. ويبرر أمر انجاز المتحف في المكان أهمية هذا الحدث التاريخي وتوضيح وإبراز العبقرية، التي أخذتها الجهات الراعية لتنظيمها في ظروف أمنية مثلى.
ويمكن للزائر للمكان أن يندمج بسرعة في الإطار التاريخي للمعلم من خلال تعدّد المباني والهياكل الذي يحتوي عليه، كل منها يسلط الضوء على جانب من جوانب ثورة التحرير، وذلك من خلال الصور الفوتوغرافية المعروضة والمقالات الصحفية والمخطوطات والخطابات والكتب والملابس والأسلحة والأواني اليومية، كل شيء مرتب ومكشوف بشكل يعطيه الفرصة للشعور والعاطفة بأصالة وعظمة هذه الصفحة المجيدة من تاريخ البلاد.
وفي الأسفل، على الجانب الآخر الأيسر، تتواجد المعالم ومجسّمات أبطال الثورة العظيمة لكل من عبان رمضان، وكريم بلقاسم ،وزيغود يوسف والعربي بن مهيدي ولخضر بن طوبال، وعمار أوعمران وضعوا في وضع مريح على الساحة الأمامية.
وفي المقابل، يجد الزائر نوعين من المعارض، وقاعة عرض تبرز أهمية هذا الحدث وتعطيه مجالا تربويًا، وغالبا ما يكون تلاميذ المدارس هم الضيوف الذين يرتبطون بالمكان على مدار العام.