أدلى الجنرال المتقاعد بول أوساريس، بشهادته حول ما اقترفه في الجزائر من جرائم ضد مناضلي جبهة التحرير الوطني، في كتاب صادر في 2008 بعنوان”شهادتي حول التعذيب “مصالح خاصة: الجزائر، 1957-1959”.
شهد شاهد من أهلها
أجرى هذا السفاح حوارا لصحيفة لوموند الفرنسية، في نوفمبر 2000، ذكر فيه وسائل استعملها الجيش الفرنسي في الجزائر ابان فترة الإحتلال، منها القتل والتعذيب.
“سفاح الجزائر” مثلما أسمته بعض الجمعيات والأشخاص، الذين رفعوا دعاوى قضائية ضده وطالبوه بتعويضات عما اقترفته من إجرام في الجزائر في الحقبة الإستعمارية، قتل العربي بن مهيدي، وعلي بومنجل وغيرهما من أبطال الجزائر، كان يردد أن ما اقترفه تنفيذا لأوامر الجمهورية الفرنسية وبتوصيات سلطاتها العليا.
في هذا الصدد قال: ” العمل، الذي قمت به في الجزائر كان من أجل بلادي معتقدا في ذلك أنني أحسن صنعا، وإن كنت لم أرد ان أقوم به، وذلك ان ما نقوم به ونحن نعتقد اننا نؤدي من خلاله واجبنا لا يمكن لنا ان نندم عليه”.
شرح أساريس، في كتابه كيف إنضم إلى مصالح التجسس والتوثيق قائلا: ” توليت شؤون ادارة مصلحة العمليات التابعة لمصلحة التوثيق الخارجي والتجسس المضاد، بالنيابة في فصل الربيع عندما كان جاك مورلان، في مهمة منذ قرابة سنة كاملة في تحضير عمليات تهدف إلى منع إمداد المتمردين الجزائريين بالسلاح”.
وأضاف: ” كنت سأشارك حتما في مثل هذه العمليات ولكن الظروف قادتني إلى ارض المعركة للمشاركة مباشرة في العمليات العسكرية، كنت حينها ابن السادسة والثلاثين وكنت عميلا سريا وإن كنت لا أحبذ هذا الاسم، وبطبيعة الحال كنت اذا سئلت عن طبيعة عملي أجيب بأنني قائد في الجيش الفرنسي، وإن كان ثمة إلحاح شديد أضفت أنني أنتمي لجيش المظليين” .
ويروي هذا المجرم، أنه في 27 نوفمبر 1942، اتخذ اهم القرارات في حياته فبعد توجهه نحو مستقبل عسكري مؤيدا في ذلك شارل ديغول، صمم على الإلتحاق بالمصالح الخاصة، والعمل في الخفاء تحت غطاء القانون، ومن ثم تأخذ أعمالها طابعا سريا كالسرقة والقتل والتخريب والإرهاب، وبحسبه فإنه يقوم بهذه العمليات من أجل مصلحة بلاده.
قال: ” علموني كيف افتح الأقفال المغلقة وكيف أقتل دون أن أترك أثرا، وكيف أكذب وكيف أصبح غير مبال بمعاناتي الشخصية، أو بمعاناة الأخرين وعلموني كيف أنسى ولا أنسى وكان كل ذلك من أجل فرنسا”.
ويضيف: ” لقد قضينا سنة مضطربة جراء انتهاء الحرب في الهند الصينية وكان الخوف من الاجتياح السوفياتي يقودنا إلى انشاء مخازن للسلاح، قصد تنظيم المقاومة وجاء الكفاح المسلح في الجزائر ليضاف إلى جملة هذه المخاوف كانت الجزائر هي فرنسا”.
وأشار إلى أن مصلحة التوثيق الخارجي لم يكن لها الحق في التدخل في التراب الوطني نظريا، وهكذا شرعوا في العمل خارج الحدود واصبحت هذه العمليات أكثر حدة بعد مغادرته نحو الجزائر.
وبحسب شهادته، كانت هذه العمليات موجهة ضد من كان يبيع السلاح لجبهة التحرير في الجزائر، ومن كان ينقله عبر البواخر ويعترف أنه بفضل عمليات روني تارو، ورجاله غرقت بواخر عديدة دون تفسير في موانئ بحر الشمال او البحر الابيض المتوسط.
وأكد أنه قضى 12سنة وهو منغمسا في المصالح الخاصة، ويروي انه تعلم اللغة العربية في التلاغمة.
وأشار أوساريس الى أن باريس قررت التخلص من جبهة التحرير في اسرع وقت ممكن بسبب تزايد الاهتمام العالمي بالقضية الجزائرية، ولهذا بدأت الحكومة في إرسال من يقوم بالتطهير وكان المتحدث احدهم.
يقول: ” كان يجب علي التعرف على زعماء جبهة التحرير وأحدد مواقعهم ليتم القضاء عليهم في سرية وصمت، وكنت أعتقد أن الحصول على معلومات حول هؤلاء الزعماء كان سيقودني حتما إلى إلقاء القبض على متمردين واللجوء إلى استنطاقهم”.
وأضاف: ” كانت سكيكدة تقع في الشمال القسنطيني وهي المنطقة، التي كانت جبهة التحرير فيها انذاك أكثر وأحسن تموقعا، واذا كان هناك تصاعد في وتيرة العنف في الجزائر كان يمكن تحديد بسهولة أن منطلق ذلك هو هذه المنطقة، لم يبق الا معرفة أين ومتى وكيف وكانت هذه طبيعة عملي”.
وأوضح في شهادته أنه من أجل مباشرة هذا العمل كان محتاجا الى فريق وسرعان ما وضع ضابطين تحت تصرفه من بينهم رقيب يدعى كمال إيصولح، وعريف أول يدعى بير ميزري، كان ايصولح، ينتمي إلى عائلة كانت ضمن افراد الجيش الانكشاري التركي المتواجدة بمنطقة القبائل بإشراف السلطان وكان دورهم القيام بحفظ الأمن مقابل الحصول على مزايا وأراضي.
ويروي أوساريس، لقائه مع الشهيد العربي بن مهيدي، قائلا: ” في أحد الأيام توجهت صباحا نحو مركز قيادة بيجار، لأقابل بن مهيدي، وكان بيجار، رفقة معينه لونوار، أحضر زعيم جبهة التحرير الوطني، وأحضر أحد الجنود الحليب والقهوة للجميع ، كان بيجار، يريد ان يظهر لي أنه يتحكم في الوضع جيدا وانه فاز بثقة سجينه”.
وأضاف: ” صدرت الأوامر بقتل زعماء جبهة التحرير الوطني، غير أنه بدا قلقا، سأل سجينه ما رأيك في عملية توقفيك؟ لم يجيب بن مهيدي.
هل لديك شعور ما بأنهم خانوك؟ فرد: ومن يخونني؟.
يجيب بيجار: رفقاؤك في لجنة التنسيق والتنفيذ فهم قبائليون وأنت عربي، فابتسم العربي بن مهيدي، ابتسامة تأسف ثم قال لم يخن أحد حضرة العقيد، بحسب شهادة أوساريس.
في هذه الأثناء فقد بيجار، ضبط أعصابه نوعا ما، وقال وما الذي فعلناه لكي نلقي القبض عليك؟”. رد بن مهيدي: “لقد كنتم محظوظين وفقط”.
في هذا الصدد كشف اوساريس أن فرقته ألقت القبض على ابن الملياردير بن شيكو، الذي كان يملك مصنعا كبيرا للتبغ بالجزائر العاصمة، وكان يسير أموال جبهة التحرير في الوقت نفسه، وعندما أوقفوا ذلك الإبن، شرع في ذكر ما يعرفه ومن بين ذلك عنوان بن مهيدي.
وقال بيجار إنه كان ينوي “انقاذ” سجينه فقال له: ولماذا لا تعمل عندنا.. ألا ترى أن تقربك من فرنسا يخدم بلادك؟ فرد عليه بن مهيدي: لا أظن ذلك.
وختم بيجار كلامه رافعا كتفيه: ظن ما تشاء اما انا فإنني أؤمن بفرنسا الكبيرة.
يقول اوساريس: ” لم يرغب بن مهيدي، في التعاون معنا، ولم يكن لبيجار أن يتجاهل نتائج هذا الرفض”.
كانت الشرطة القضائية بقيادة بارا، جيفودان، تريد بن مهيدي، بشدة، ولكن بيجار رفض رفضا قاطعا تسليمه للشرطة ظنا منه أنهم سيعذبونه لا محالة، يؤكد السفاح أوساريس.
وأضاف: ” كنا نعلم أنه بخبرته يعتبر مسؤولا عن أغلبية العمليات الإجرامية، وهو يستحق الإعدام عشر مرات بدل إعدام واحد، ولكننا لم نكن نتيقن لجوء القضاء إلى هذا الحكم، وفي 3 مارس 1957، تحدثنا في هذا الأمر طويلا مع ماسو، بحضور ترانكيي، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها ان محاكمة بن مهيدي، عن طريق القضاء أمر غير مرغوب فيه، لأنه كان سيحدث صدى دوليا، كما أنه كان علينا ربح الوقت لأننا كنا نأمل في توقيف كل اعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ التابعة لجبهة التحرير الوطني”.
بن مهيدي لم يخن رفقاؤه
وأكد أوساريس، في شهادته أن بن مهيدي، لم يخن رفقاؤه ولكنهم عثروا على معلومات ثمينة في الوثائق، التي كانت بحوزته.
قال: ” سألني ماسو: ما رأيك ؟أجبته: أنا لا أرى لماذا يكون بن مهيدي، أفضل من الآخرين وفي مجال الإرهاب، لا يثيروني القائد أكثر من المنفذ البسيط، لقد قتلنا كثيرا من الشياطين البؤساء، الذين ينفذون أوامر مثل هذا الرجل، وها نحن نتلكأ منذ قرابة ثلاثة أسابيع من أجل معرفة ما الذي سنفعله فقط.”
وأضاف: ” إنني أوافقك تماما، ولكن بن مهيدي، لا يمر دون إثارة الإنتباه ولهذا لا يمكن القضاء عليه بمثل هذه الطريقة، لن نتركه للشرطة القضائية، فإنهم سيلجأون إلى تعذيبه حتى يعترف، وأنا رأيته وأعرف أنه لن يتفوه بشئ وإذا أجريت المحاكمة ولم يعترف بشئ فإنه سينجو حتما وجبهة التحرير من ورائه.
وواصل أوساريس قائلا: ” اتركوه لي قبل أن يتمكن من الهرب، وهذا ما يهددنا فعلا إن بقينا على ترددنا هذا.”
وحسب شهادة هذا السفاح، فإن ماسو أعطى له الضوء الأخضر بمباركة الحكومة الفرنسية، بالتصرف مثلما يرى وهو يتستر عليه.
وأكد : ” أنا من تسلم بن مهيدي، ليلة بعد ذلك في الأبيار وأعلم بيجار، بذلك فتدبر أمره لكي يكون غائبا وقت تسليمه، وصلت بسيارة جيب وشاحنة وبرفقتي بضعة عشر رجلا من فريقي الأول وهم مدججون بالسلاح، وكان النقيب ألير، هو المداوم حينها، وقام بصف فريق صغير من رجال وحدته وطلبت منه إحضار بن مهيدي، اعرضوا الأسلحة، كانت هذه هي الكلمات التي وجهها النقيب ألير، لفرقته عندما خرج بن مهيدي من المبنى”.
وأضاف: “تفاجأت عندما رأيت فرقة المظليين التابعة للوحدة الثالثة تقوم بتحية الشرف الأخيرة لزعيم جبهة التحرير المهزوم، لقد كان هذا هو التقدير الذي قام به بيجار، للرجل الذي أصبح صديقه وازعجني هذا العمل الإستعراضي المبني على المشاعر نوعا ما وحينها عرف بن مهيدي، ما الذي ينتظره”.
ويروي أوساريس، كيف اقتيد الشهيد بن مهيدي، في شاحنة نحو مزرعة منعزلة، بسرعة البرق خوفا من إحتمال نصب جبهة التحرير الوطني كمينا لهم لتحرير بن مهيدي، حيث قدم تعليمات صارمة إلى ضابط الصف المكلف بحراسة زعيم جبهة التحرير الوطني، مثلما أسماه.
وقال له: “إذا تعرضنا لهجوم ما فأقض عليه مباشرة حتى وإن خرجنا سالمين أطلق النار عليه ولا تتردد، وتوقفنا في مزرعة منعزلة كانت وحدتي تقيم فيها على بعد بضعة وعشرين كيلومترا جنوب العاصمة يسار الطريق وكانت تلك المزرعة إعارة من طرف أحد الأقدام السوداء، وهي تحوي بناية متواضعة لا تتجاوز الطابق الأرضي وكان فريقي الثاني ينتظرني هناك”.
وأضاف:” عزلنا السجين في غرفة مهيأة سلفا وكان أحد رجالي يقف قبالة بابها، وبمجرد إدخال بن مهيدي، الى الغرفة قيدناه وشنق بطريقة تفتح المجال لإحتمال حدوث عملية انتحار، وعندما تأكدت من موته أنزلته ونقلته إلى المستشفى”.
وقال أيضا: ” بناء على أوامري ترك ضابط الصف المكلف بنقله المحرك مشتغلا، وذلك حتى يتسنى لنا الإنطلاق مباشرة وبسرعة كي لا نقدم أدنى تفسير إذا حضر طبيب مصالح الإستعجالات، وكنا في منتصف الليل تقريبا، ناديت بعدها الجنرال ماسو، وقلت له: حضرة الجنرال إن بن مهيدي، أقدم على الإنتحار وجثته موجودة بالمستشفى، وسأقدم لك تقريرا غدا صباحا، وغمغم ماسو ثم أقفل الخط”.
وأشار أوساريس، إلى أن القاضي بيرار، كان أول من قرأ هذا التقرير وهو يصف بدقة كل تفاصيل الإنتحار، الذي سيقع في الليلة القادمة، وبدى القاضي مأخوذا بما قرأ وقال: إن هذا شئ جيد، هل تعلم أنه سينطلي على الجميع ؟.حسب شهادة هذا المجرم.
وقال: ” استقدمني ماسو، إلى مكتبه أياما بعد ذلك ثم قال: اسمع أوساريس، انا في ورطة وسأضطر لمقابلة الوكيل العام روليكي، وقلت مستغربا ماذا هل أصر فعلا على استدعائك؟ نعم من أجل الحديث عن انتحار بن مهيدي، قلت: انها وقاحة ويمكنك ألا تجيبه نظرا لمنصبك.. سأمثلك لدى المصالح القضائية”.
وحسب أوساريس، موت بن مهيدي، كان ضربة مصيرية بالنسبة لجبهة التحرير في الجزائر العاصمة، حيث نقصت العمليات الإجرامية وشرع أغلبية المتمردين (أي المجاهدين/التحرير)، في الإنسحاب نحو الأطلس البليدي، وأكد أنه استعمل المزرعة، التي أعدم فيها بن مهيدي، مرات أخرى وطلب من بعض رجال الوحدة حفر حفرة كبيرة ودفن فيها اكثر من عشرين جثة.
تخطيط جهنمي لإغتيال المحامي علي بومنجل
وبخصوص إغتيال المحامي علي بومنجل، يروي أوساريس: ” أعلمت الوحدة الثانية للمظليين بقيادة فوسي فرانسو، بإغتيال ثلاثة فرنسين، وهم زوجان شابان وطفلهما الرضيع جنوب العاصمة حين كانوا يتنزهون فوق دراجة وتمت الوشاية بالقتلة، الذين كانوا من المسلمين المنحرفين، مثلما يصفهم واستنطق السجناء من طرف ضابط استعلامات الوحدة المذكورة واعترف القتلة قبل اعدامهم بأن هذا الاغتيال ختم بأمر وبتمويل أحد أبرز المحامين في الجزائر العاصمة وهو علي بومنجل، الذي أراد بهذه العملية الاستعراضية تبديل اسطورة الإرهاب بصورة المثقف العالمي التي كانت تجري في عروقه”.
وواصل حديثه: ” كان بومنجل مسجلا في قوائمنا وكنا نعلم أنه متعاطف مع جبهة التحرير الوطني ونظرا لعلاقاته الكثيرة، التي كان من بينها أعضاء من الحكومة من أولئك، الذين يلعبون على الحبلين لم يقربه أحد وألقي عليه القبض أياما قبل إيقاف بن مهيدي، وأحدث ذلك ضجة كبيرة”.
وأشار أوساريس، إلى أن الأستاذ بومنجل، كان له أخا يعمل في سلك المحاماة مثله حيث أبلغ النخب الباريسية، وبعد محاولة انتحار فاشلة كلفته قضاء أياما عديدة في المستشفى صرح دون صعوبة ودون أن يتعرض إلى أي ضغوط بدوره في العملية، التي نسبت إليه، حيث أعار منفذيها مسدسه من طراز 7.65. يضيف.
وقال: ” صرح أنه كان يشغل منصبا هاما في صفوف جبهة التحرير الوطني، وكان مكلفا بإجراء الاتصالات بين جبهة التحرير الوطني والدول، التي كانت تساعدها ولهذا كان يشغل منصب وزير للخارجية غير الشرعي للتمرد، وبما ان بومنجل كان بارزا لم يتخذ في حقه أي قرار حتى بعد أسبوع من اعترافه وكان لا يزال في يد الوحدة الثانية للمظليين”.
وأضاف المتحدث: “نظرا لهذه الأهمية كان الحل الأقل مجازفة هو تسليم المحامي إلى العدالة وهذا ما كان يضمن عدم نيله جزاءه مثلما يستحقه، ولم نتمكن من ادانته بشئ سوى توفير السلاح للإرهابيين وكان هناك تواطؤ واضح ومعترف به بالقتل، غير أنه لم يكن هناك شك أنه بمجرد مثوله أمام القضاء فإنه سيطلق سراحه بعد ان يجري أخاه بعض المكالمات الهاتفية”.
وأكد أساريس، أنه كان عليهم اتخاذ قرارا حاسما، وفي 23مارس 1957، قام بمشاورات طويلة مع فوسي فرانسوا، وترانكيي، وماسو، ليعرف ما الذي يمكنه فعله بعلي بومنجل.
وواصل شهادته:” بما ان الحديث كان يدور في فراغ نفذ صبري وخرجت وحينها التفت اليا ماسو، وقال بحزم أوساريس، ممنوع أن يهرب السجين مفهوم، توجهت مباشرة إلى الأبيار نهج كليمونصو، أين كان بومنجل، موقوفا في منطقة مليئة بالمباني، كانت زنزانته متواجدة في الطابق الأرضي”.
وأضاف: ” توجهت نحو مكتب الملازم د، الذي بدى مندهشا حين رأني ثم قال لي ما الذي يمكن أن افعله لك حضرة القائد؟.
لقد كنت في اجتماع مطول مع الجنرال ماسو ،…فإنه يجب أن لا ندع بومنجل، في هذه البناية التي يوجد بها حاليا..لأنه يمكن أن يهرب مثلا..إن ماسو سيكون غاضبا اذا حدث ذلك.”
وأجاب الملازم: أين يجب أن نضعه إذن.
فرد أوساريس: “أرى من الأحسن أن يحول إلى المبنى المجاور، أحضر سجينك ولكي تحوله إلى المبنى المجاور عليك اجتياز الجسر المتواجد في الطابق السادس، وأنا سأنتظر في الأسفل إلى حين فراغك من التحويل هل فهمتني الآن”.
وأكد في شهادته: ” بعد فترة رجع لاهثا ليخبرني بأن بومنجل، سقط من الطابق السادس وقبل أن يرميه من أعلى الجسر ضربه بمقبض قادوم، وقفزت إلى سيارة جيب Gippe ورجعت مع ماسو، والآخرين الذين كانوا لا يزالون مستغرقين في حديثهم، وقلت حضرة الجنرال، لقد قلت لي بأنه لا يجب لبومنجل، أن يهرب إطمئن لن يهرب لأنه ببساطة انتحر”.
ويختم هذا السفاح شهادته قائلا: ” كان لوفاة بومنجل صدى كبير.. وكنت على علم بالحملات، التي تقودها النخب الفكرية والثقافية الباريسية ضد التعذيب وتوجه فيها اصابع الإتهام صوب الجيش الفرنسي.. ولكن هذا الإنتحار الذي لم ينطل على الذين يعرفون ما يجري كان انذارا موجها لجبهة التحرير ولكل المتعاطفين معها”.