تعرضت الجزائر لأكبر تلوث إشعاعي في تاريخ الإنسانية لا تزال تبعاته الى يومنا هذا، جريمة تضاف الى سجل جرائمها الفضيعة في بلادنا.
كانت الجزائر مختبرا مفتوحا للتفجيرات النووية الفرنسية منذ نهاية الخمسينيات، استخدم فيها الجزائريون كفئران تجارب.
بدأت التجارب النووية او الأصح التفجيرات النووية بمرسوم صادر في الجريدة الرسمية الفرنسية يوم 10 ماي 1957، حيث أعلن عن تخصيص مساحة تقدر بـ108 آلاف كيلومتر مربع، على بعد 40 كيلومتراً من مدينة رقان، التي كانت آنذاك تشكل جزءاً من “فرنسا ما وراء البحار”، لإنشاء مركز عسكري صحراوي، قبل أن تتوسع إلى مناطق أخرى من صحراء الجزائر.
64 سنة على التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية في 13 فيفري 1960، وما يزال سكان المنطقة يعانون من الإشعاعات الخطيرة لهذه التفجيرات، التي اطلقتها فرنسا الإستعمارية في الجزائر، مخلفة كارثة إنسانية من تلوث الجو والمياه وتشوهات خلقية للمواليد الجدد، واعاقات وأمراض سرطانية نادرة، حيث سجلت 16 حالة وفاة بين 2004 و2006 .
في 2009 سجلت 13حالة وفاة تتراوح اعمارهم بين 42 و72سنة. واشارت دراسة جامعية اجريت بالمنطقة في 2000، من طرف طلبة البيولوجيا بجامعة وهران الى ان عدد الاصابات بالسرطان في منطقة رقان، تنوعت منطنها سرطان العيون، سرطان الرئة والحنجرة، سرطان الجهاز الهضمي، ظهور حالات عقم واسعة، حالات اجهاض وصلت 169 حالة سنة 2000، اصابة الكثير من سكان المنطقة بالصمم والبكم، الوفيات المتكررة للأطفال عند الولادة.
وادت هذه التفجيرات النووية التي تفوق أربعة أضعاف قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، الى انقراض انواع من الحيوانات والنباتات.
استيقظ سكان منطقة رقان، صبيحة 13 فيفري 1960، على وقع تفجيرات خلفت سحابة سوداء مليئة بالإشعاعات النووية امتدت حتى جنوب اوروبا، النيجر وتساقط أمطار سوداء على جنوب البرتغال وتوغلت في مناطق مجاورة للجزائر.
وقد ادعت فرنسا على لسان وزير دفاعها انذاك بيار ميسمير، ان هذه التفجيرات النووية لا تشكل خطرا على المناطق القريبة او البعيدة ، لكن تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي في 1998، كشف عن أن تجربة “اليربوع الأزرق” السطحية كانت بقوة 70 كيلوطناً باستعمال البلوتونيوم، وأدت إلى تساقطات إشعاعية على شرق منطقة رقان بصحراء الجزائر، ثم دوران سحابة نووية امتدت إلى نجامينا، عاصمة دولة تشاد، وعواصم افريقية اخرى قبل وصولها في اليوم الثامن الى مدينة الجزائر.
صباح 13 فيفري 1960 أرسل الرئيس الفرنسي شارل ديغول، رسالة إلى وزير دفاعه بيار ميسمير، يعلن فيها تسجيل بلاده حدثاً تاريخياً مهماً، فرنسا رابع دولة نووية في العالم، بعد “نجاح” بلاده في أول تجربة نووية بصحراء الجزائر.
57 تجربة نووية واختبارات حتى 1966
التجارب الفعلية انطلقت في 13 فيفري 1960، حين فجر الجيش الفرنسي أول قنبلة نووية باسم “اليربوع الأزرق”، تفوق قوتها بنحو أربع مرات القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية، وشهد ذلك العام تفجير أربع قنابل في الجو، فكان “اليربوع الأخضر”، و”اليربوع الأبيض”، و”اليربوع الأحمر”.
لتتواصل بعد ذلك بشكل متصاعد إلى غاية 1966، وتبلغ 57 تجربة واختبار عرفت نجاح تفجير 17 قنبلة نووية، ثم في جوان 1967، أرجعت تلك المواقع إلى السلطات الجزائرية، بعد تفكيك المنشآت، بحسب وزارة الدفاع الفرنسية عام 2010.
عدد الأشخاص الذين تعرضوا لمشكلات بسبب هذه الإشعاعات نحو 42 ألف شخصا، منهم 150 سجيناً جزائرياً أخرجوا من سجن “سيدي بلعباس”، غرب البلاد، لاستعمالهم فئران تجارب بعد أن ربطوا قرب موقع التفجير لدراسة سلوكهم تجاه هذا الكم الكبير من الإشعاعات النووية التي تعرضوا لها، وأشارت مصادر الى أن عدد الضحايا وصل إلى 30 ألف شخص في الأقل من الذين تعرضوا لأمراض ناجمة عن النشاط الإشعاعي.
واعترفت وثائق فرنسية بأن اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في جوان 1957 حيث بدأت الأشغال بها في 1958، وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية يقطنها 6500 فرنسيا و3500 صحراويا، جميعهم اشتغلوا ليلاً ونهاراً لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحددة لها.
أضافة إلى أن كلفة أول قنبلة ذرية فرنسية تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا وإسرائيل في المجال النووي، وأوضحت أن إجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية 117 تفجيراً نووياً بمختلف المقاييس.
وكشف المدير السابق للمحافظة الفرنسية للطاقة الذرية إيف روكارد، قائلا: ” كل الإجراءات التي كنا نأمل تطبيقها في اللحظة صفر فيما يتعلق بقنبلة 13 فبراير1960 المسماة اليربوع الأزرق، باءت بالفشل، سحابة مشحونة بعناصر مشعة نتجت عن هذه التجربة الأولى”.
وتأتي تصريحات مدير مرصد التسلح بفرنسا، باتريس بوفري، لكشف أن كمية مجهولة من النفايات النووية الفرنسية بالجزائر “ما تزال موجودة، بعد أزيد من نصف قرن”.
وأكد ضرورة القيام “بتحاليل دقيقة” لقياس نسبة النشاط الإشعاعي الذي يظل قائما إلى حد الآن بمواقع التجارب.
وأكد الباحث والمهندس في الطاقة الذرية الدكتور عمار منصوري، ل”الشعب”، ان الصحراء الجزائرية استعملت كميدان ل 57 تفجيرا وتجربة واختبار نووي خلال الفترة 13 فيفري 1960 و16 فيفري 1966، أربعة في الجو بحمودية برقان، وكانت ملوثة للبيئة وخطيرة على جميع اشكال الحياة وثلاثة عشرة تفجيرا تحت الأرض بتاوريرت تان أفلا بإين أكر.
واجريت 35 تجربة اضافية للسلامة بآبار بحمودية وفي الهواء الطلق والتي استعملت فيها مواد نووية انشطارية كالبلوتونيوم، وخمسة اختبارات باستعمال البلوتونيوم في الهواء الطلق بموقع ثالث بتاوريرت تان أترام، الذي يقع على بعد 30 كم غرب جبل تاوريرت تان أفلا،
وبعد استرجاع السيادة الوطنية اجري 11تفجيرا نوويا الى غاية فيفري 1966.
وأشار الدكتور منصوري، إلى ان فرنسا بدأت تفجيراتها النووية وهي على دراية تامة بمخاطرها على صحة الإنسان و البيئة والتوازن الإيكولوجي، واشار الى انه بعد مغادرة مواقع التفجيرات النووية بالصحراء في 1967 قام الجيش الفرنسي بغلق مداخل مخابر محافظة الطاقة الذرية برقان-الهضبة بالإسمنت المسلح ودفنت المعدات الملوثة كبيرة الحجم على عمق بضع سنتمترات في الرمال.
تخلى الجيش الفرنسي عن ما تبقى من تجهيزات ملوثة في الهواء الطلق ما أدى إلى تسجيل ضحايا مدنيين وعسكريين جزائريين اخرين، زيادة على ضحايا فترة التفجيرات من بين العمال الجزائريين بالواحات وبتوات، والمواطنين الأصلين والرحل الذين استعملوا فئران تجارب.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا، رفضت التصديق على معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي أقرتها الأمم المتحدة في جويلية 2017، ودخلت حيز النفاذ في 22 جانفي 2021. وامام تجاهل فرنسا الاعتراف والتعويض لجأت الجزائر الى طلب الخرائط الطبوغرافية لكشف مواقع دفن النفايات النووية لتطهيرها من المواد المشعة، وما تزال فرنسا تصر على ابقاء ملف التجارب النووية في الجزائر في ادراج السرية التامة على رغم المحاولات العديدة للحقوقيين وجمعيات ضحايا هذه التجارب.
وللتذكير، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر فيلما قصيرا يوثق المعاناة الإنسانية الناتجة عن التفجيرات النووية الفرنسية، التي أٌجريت في منطقة رقان جنوب الجزائر بدءا من 13فبراير 1960.
ويحاول الفيلم القصير، الذي أخرجه المخرج الجزائري كريم موساوي، الإجابة عن أسئلة حول الآثار الإنسانية والبيئية لهذه التفجيرات النووية.
يعرض الفيلم شهادة شاهد عيان جزائري على التجربة النووية، الذي يتحدث عن كيف انتاب سكان المنطقة الفزع الشديد جراء التفجير وظنوا أنها علامة على نهاية العالم.