الشهيد عميروش آيت حمودة، أسد جرجرة، من قادة الثورة العسكريين للولاية الثالثة التاريخية.
تجمع المصادر التاريخية على أن الشهيد عميروش، إمتاز بروح وطنية، ساعدته أخلاقه الحميدة وروحه الوطنية على جمع كلمة الجزائريين بالولاية الثالثة التاريخية.
“كان عميروش، متعاطفا بين أترابه محبوبا بينهم ومحترما بين الجميع، ما جعل الكثير من سكان المنطقة يساندونه في دعوته للجهاد في سبيل تحرير الجزائر، ويلتحقون بصفوف الثورة التحريرية جنودا ومناضلين”.
من أقوال الشهيد العقيد عميروش: “اعلموا أن الثورة مازالت في البداية، وأن المشوار مازال طويلا وشاقا وخطرا، واحتياجنا إلى السلاح أشد من الاحتياج إلى المأكل والملبس”.
وقال أيضا: “إن الجزائر ستستقل بحول الله، أما أنا، فلن يدركني الاستقلال.. ولذا، أوصيكم بالإتحاد صفا واحدا، لمحاربة أعداء الوطن وحراسة مكاسب الثورة”.
ولد عميروش آيت حمودة، الملقب بأسد جرجرة في 31أكتوبر 1926، بقرية ثسافث أقمون، ببلدية ميشلي سابقا، عين الحمام حاليا، سمي على اسم والده الذي توفي قبل مولده بشهرين في 1926 عن عمر ناهز 73 سنة، بحسب شهادة المجاهد جودي أتومي.
تربى الشهيد، وسط عائلة فقيرة، إلتحق بالمدرسة الفرنسية بقرية إغيل بواماس، في 1932، وظل فيها إلى 1936، إلتحق بالكتاب لتعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، لكنه اضطر إلى مغادرة مقاعد الدراسة في سن لا تتجاوز العشر سنوات ليساعد عائلته على توفير لقمة العيش.
في 1942، استقر عميروش، مع أعمامه في وادي الفضة، ويشير أتومي “إلى أن عميروش استقر بغليزان وهناك فتح الإخوة حمودة، دكانا لصياغة الحلي، لكن عميروش لم يكن مهتما بالمال فأغلب المداخيل خصصها لمساعدة وإسعاف مناضلي القضية الوطنية”، يضيف المجاهد أتومي.
وبحسب مصادر تاريخية، شرع العقيد عميروش في ممارسة النشاط السياسي بعدما تعرف على نشاط المناضل أحمد فرانسيس، الذي ناضل في حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي أسسه فرحات عباس في 1946، وكان عميروش ينشط في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية منذ 1947 بغليزان، وفي السنة نفسها عين عضوا في المنظمة الخاصة، وعمره 21سنة.
واشار المجاهد أتومي ” إلى أن الشرطة الفرنسية اكتشفت أمر عميروش، وألقي عليه القبض وزج بسجن سان دوني بسيق، وظلت تراقبه حتى بعد خروجه من السجن وتفتش دكانه دوريا”.
ولما اكتشف أمر المنظمة الخاصة في مارس 1950، أعتقل عميروش، من طرف السلطات الفرنسية الاستعمارية وتعرض للسجن مرتين في مستغانم، وبسبب مضايقة الشرطة له غادر غليزان إلى مدينة الجزائر، أين جدد صلته بالحزب ونتيجة لذلك أعتقل لأكثر من مرة.
ونتيجة لمضايقات الإدارة الإستعمارية اضطر عميروش، للسفر إلى فرنسا، حيث الحريات النقابية والجمعيات معترف بها ومحمية من طرف البرلمان و الصحافة، واستقر ب7، شارع ليكليز في الدائرة 15، ثم في إيسي لي مولينو، حسب ما تؤكده شهادة جودي أتومي.
تنظيم المناضلين الجزائريين بفرنسا
“واصل عميروش، العمل السياسي بفرنسا وأصبح ينشط على جبهتين الأولى داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث استطاع هيكلة الكثير من الجزائريين في باريس من أجل القضية الوطنية، والجبهة الثانية كانت انخراطه في صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بفرنسا”.
وتذكر مصادر تاريخية بأنه بظهور اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي تأسست بمدينة الجزائر في مارس 1954، سارع عميروش رفقة عبد الحفيظ أمقران، لتكوين خلية سرية تحت غطاء الشعبة المركزية بجمعية العلماء بباريس، وأوكلت لهما مهام تنظيم اجتماعات سرية أحيانا تجتمع في مركز سان دوني، وأحيانا أخرى في مركز الجمعية أو في المقاهي وبقي أعضاء الخلية على إتصال مستمر ينتظرون انطلاق الثورة والكفاح المسلح في الجزائر.
“في صيف 1954، عاد عميروش، إلى الجزائر ومنها إلى قرية أخواله إغيل بواماس، ليلتحق بالثورة ويباشر التحضير لها بتعبئة الشباب وجمع الأسلحة وتنظيم شبكات الإستعلامات، فشارك في العمليات الأولى لإندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر 1954، نشط مع مجموعة من الرجال المسلحين وأول سلاح حمله في تلك الفترة رشاشة من نوع شان إنجليزية الصنع”.
استشهد عميروش، يوم 29 مارس 1959 مع العقيد سي الحواس، وكانا في طريقهما إلى تونس، في جبل ثامر قرب بوسعادة، تحت قصف الطائرات والمدفعية بعد وشاية بهما لا يُعلم مصدرها، استُشهد وهو يحمل في جيبه المصحف الشريف.
في هذا الصدد، يبرز الدكتور يوسف مناصرية من جامعة باتنة 01، في مقال بعنوان “مفكرة أجوندا الشهيد العقيد عميروش المحجوزة مع جثمانه يوم 28 مارس 1959، نشر بمجلة الدراسات التاريخية العسكرية العدد الأول جانفي 2019، النشاط التنظيمي الذي كان يقوم به عميروش، لأشهر قبل استشهاده مع رفيقه العقيد عبد الرزاق بن حمودة، المدعو سي الحواس، وآخرون.
العثور على مفكرة عميروش
ويوضح الباحث “أن هذه المفكرة، التي عثرت عليها مصالح الشرطة الفرنسية حين استشهاد العقيد عميروش، سجلت مسيرة رجل كرس أيامه للعمل الدؤوب وإحتوت أعماله بكل دقة لمدة ثلاثة أشهر من حياته الوطنية.”
وقد عثر الباحث على هذه المفكرة في أرشيف أكس ان بروفانس، بفرنسا في العلبة رقم 257 G7.
وبحسب ما ورد في تقرير الشرطة الفرنسية بتيزي وزو، استنادا لوثائق أرشيفية عثر عليها الدكتور مناصرية، حُجزت مفكرة العقيد عميروش، في ملابسه يوم استشهاده بناحية بوسعادة، وقد تناولت المفكرة مواضيع عديدة سجلها الشهيد في شكل يوميات ابتداء من الفاتح جانفي 1959 إلى غاية 23 مارس 1959.
وتعلق الأمر -يقول الباحث- بتنظيم وتمويل وتفتيش مناطق ونواحي وقطاعات الولاية الثالثة والإتصالات مع قادة المناطق والنواحي والقطاعات والإطلاع على كل المسائل المتعلقة بالولاية، ومتابعة تطبيق الأوامر التنظيمية والإشراف على الإجتماعات المتعددة على مستوى القطاعات والنواحي والمناطق ومقر قيادة الولاية.
ويضيف الباحث: “برز أمر توزيع الأموال على المناطق المختلفة للولاية ونواحيها وقطاعاتها وتوفير مستلزماتها وجمع الأموال خاصة من الأحباس، التي يعود الفضل للشهيد عميروش، في تنظيمها ورصد أموالها وتسخيرها لتمويل مختلف مصالح الولاية وتوفير جزء منها لمتابعة شؤون طلبة الولاية والبعثات الطلابية والشؤون العامة للولاية”.
وتبرز المفكرة أيضا “إشراف عميروش، على ضبط القوانين الداخلية وتطبيق التوجيهات المختلفة وذلك على مستوى الضباط وصف الضباط في شكل تجمعات متعددة وشرح المسائل المتعلقة بالتكوين وتوزيع وحدات الجيش على مختلف المناطق، والتدقيق في كتابة التقارير الخاصة بالولاية وتحيينها وتوزيع الإقتراحات والتوجيهات والقوانين على كل المناطق، وإصدار الأوامر الصارمة، كما أشرف الشهيد على محاكمة الخونة وإعدام الكثير منهم.”
و”تناولت المفكرة أيضا المراسلات المتعددة مع كبار قادة الثورة مثل مراسلة وزير الحربية العقيد كريم بلقاسم والعقيد محمدي السعيد، قائد لجنة العمليات العسكرية وهيئة أركان الشرق الجزائر وقادة الولايات العقيد علي كافي، العقيد سي الحواس، والعقيد سي أمحمد بوقرة، والرائد الحاج لخضر، قائد الولاية الأولى بالنيابة وسي قاسي وعبد الرحمن ميرة، وإرسال برقيات ورسائل عن طريق الضباط إلى تونس ودعمهم بالأموال.”
ويشير الدكتور مناصرية: ” برزت العلاقات المتعددة والمراسلات مع الولاية الأولى والثانية والرابعة والسادسة، والتعاون معها وتبادل وحدات وفرق من جيش التحرير الوطني والعلاقات الثنائية وتبادل الرسائل مع الولاية الأولى”.
وتحدثت المفكرة، أيضا عن أول اجتماع ولقاء في مقر قيادة الولاية السادسة يوم 21 مارس 1959، وفي 22 من الشهر نفسه أرسل من مقر قيادة الولاية السادسة البريد إلى الرائد سي عبد الرحمن ميرة، وإلى لجنة الولاية الثالثة وثائق التحويل والمرور إلى الملازم الأول سي عبد القادر، وفي 23 مارس وهو اليوم الأخير في المفكرة من مقر الولاية السادسة أرسل البريد إلى كل من العقيد سي أمحمد بوقرة، قائد الولاية الرابعة وإلى وزير الحربية العقيد كريم بلقاسم، وإلى قائد لجنة العمليات العسكرية العقيد محمدي السعيد المدعو سي ناصر، يؤكد المؤرخ.
إهتمام بالمثقفين وحرص على تعلم العربية والقرآن
تؤكد أغلب المصادر التاريخية، أن الشهيد عميروش، كان يحرص على العلم، حيث يصفه الدكتور محمد حاج عيسى الجزائري، بخادم العلم والعلماء واللغة العربية.
وفي هذا الصدد، يقول: “إن الناس يعرفون عميروش القائد العسكري المغوار، أسد جرجرة والصومام، الذي دوخ عساكر الفرنسيين وأرهقهم، وهزمهم في مواقع كثيرة وكبّدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، لكنهم لا يعرفون عميروش خادم العلم والعلماء وخادم اللغة العربية، ولا يعرفون عميروش المفكر البعيد النظر، ولا يعرفون الأبعاد الحضارية، التي جاهد في سبيلها إلى أن نال الشهادة رحمه الله تعالى”.
ويشير إلى” أن العقيد عميروش، انتسب إلى الشعبة المركزية لجمعية العلماء العاملة في باريس آنذاك، وكان من نشطاءها، كان منسقا بين خلاياها ناشرا لصحفها في باريس، ابتداء من السنة، التي التحق فيها هناك في 1950″.
ويؤكد الدكتور محمد حاج عيسى: “استفاد عميروش، كثيرا من انخراطه في الجمعية واتصاله بقادتها في باريس كالربيع بوشامة، والشيخ عباس والشيخ بسطانجي؛ ومن ذلك أصبح لديه اهتمام كبير بتعلم اللغة العربية، بل قد درّسها للمبتدئين رغم مستواه المتواضع فيها”.
وبحسب شهادة الدكتور محمد حاج عيسى الجزائري، التي استقاها من شهادة المجاهد محمد الصالح صديق، عندما إلتقى الشهيد عميروش، أن هذا الأخير قال: “إن اللغة العربية قد هانت في الجزائر بهوان أهلها، وقد آن الأوان أن تعتز بعزة أهلها وتأخذ مكانها الشرعي في المدرسة والإدارة والمحكمة والشارع وسائر ميادين الحياة .. واللغة العربية من أعظم العوامل الفعالة في توحيد المسلمين وجمع شملهم لأنها لغة دينهم وقرآنهم الذي يتعبدون به ويتثقفون”.
وكان يرى الشهيد أن “نُموُّ هذه اللغة وانتشارها يقوم على انتشار المدارس والجرائد والمساجد، وهي إحدى مقومات الشخصية الجزائرية، وأنه من واجب كل جزائري وجزائرية أن يحافظ على هذه اللغة لأنها لغة دينه ولغة قرآنه “.
السلاح بيد وكراس العربية بيد أخرى
وأبرز العقيد عميروش، دور المثقفين في القضاء والإفتاء ونشر الوعي الثوري في مختلف القرى والمداشر، وفي 1958، أصدر تعليمة إلى كل المجاهدين تنص على إلزامية أداء الصلاة وتدعوهم إلى تعلم اللغة العربية، وقد عين لأجل ذلك معلمين يقومون بهذه المهمة، حتى أصبح كثيرا ما يُرى المجاهد في الجبال يحمل بيد سلاحه وباليد الأخرى كراسا يكتب فيه دروسا في العربية، يؤكد الباحث.
وتشير مصادر تاريخية، إلى “أن ما ميز شخصية عميروش، ثقته الكبيرة في أهل العلم الشرعي وطلابه وتعظيمه لهم وكثرة رجوعه إليهم وعلى رأسهم الشيخ “الطاهر آيت علجات”، ”أزرقي كَتالي”، والإخوة “أُبوداود”، السعيد” و”السي الطيب”، و”الشريف أوسحنون”، وغيرهم، وكان معروفا باحترامه لأهل القرآن وطلاب الزوايا التي تعلم القرآن”.
كان عميروش رحمه الله يجل أهل العلم ويتواضع أمامهم ويوصي بهم خيرا، وقد فرض على مسؤولي التنظيم إسناد مسؤولية الخلايا والقرى والمداشر إلى المعلمين الذين لم ينخرطوا بعد في جيش التحرير، وقد قال مرة: ”إن مهمة هؤلاء المعلمين جد خطيرة، وإنها لأعظم من مهمة المقاتل في الأدغال، وإن ثقافتهم لهي الرتبة الحقيقية التي تفوق رتبتي العسكرية كعقيد.
العقيد عميروش كان يرجع إلى أهل العلم فيما يعرض له من مسائل شرعية وكان يستشيرهم فيما يتخذ من قرارات وإجراءات، وممن كان على اتصال به أثناء الثورة للفتوى والاستشارة الشيخ العربي التبسي، بعد انتقاله إلى العاصمة عام 1956.
واهتم الشهيد بدور مدارس جمعية العلماء في الحفاظ على اللغة العربية وهي إحدى مقومات الشخصية الجزائرية، التي أذكت الروح النضالية أيضا، وكانت سببا في الاستجابة لنداء الجهاد في أول نوفمبر، حيث كلف عميروش في بداية الثورة بالدعاية للجهاد في منطقة القبائل الصغرى.
كلف الشيخ الطاهر آيت علجت، في 1955، بإنشاء زوايا في القرى المجاورة لتَموقْرَة، لتدريس القرآن واللغة العربية وتوعية الناس وحثهم على الكفاح من أجل التحرر، وذكر أن عميروش رصد مبلغا ماليا لترميم زاوية تموقرة وغيرها من الزوايا، حسب شهادة المرحوم المجاهد أيت علجت.
ويضيف: “قال العقيد عميروش، في خطاب موجه إلى طلبة زاوية أوبوداود: ”أنتم جيل الغد أنتم ستتولون تربية أجيال الاستقلال، وستكونون إطارات الجزائر المستقلة، من خلال دراستكم في هذه المدرسة تخوضون نفس الكفاح الذي يخوضه المجاهدون، وهي طريقتكم في الكفاح التي تُطمْئِنُنا على مستقبل البلاد، لا تنسوا بأن الحرب ستكون طويلة وصعبة ، فإذا احتجنا إليكم في الجبال كونوا مستعدين لأخذ المشعل ، لكن في انتظار ذلك اهتموا بدراستكم واعملوا بجد”.
وتؤكد شهادات من عرفوه أن الشهيد كان يثق في العلماء ثقة مطلقة، وقال محمد الصالح صديق:” وأذكر للتاريخ أني سألته عن رجال الدين والثقافة العربية بالولاية الثالثة، وَوضْعِهم مع الثورة فأشاد بهم ونوَّه بجهادهم وسألني عن اثنين من هؤلاء إن كنت أعرفهما: وهما الشيخ الطاهر آيت علجت والشيخ أرزقي آيت شبانة، ولما أجبته بنعم قال: ” إنهما مثلان للجد والنشاط، فلو رأيتهما لظننت أنهما دون الثلاثين من العمر”.
ويؤكد محمد الصالح صديق في شهادته: “تقدم مسؤول الأوقاف محند الطاهر مواسي ورفيقه أبو عبد السلام إلى عميروش يوما بملاحظة حول طبيعة محاكم جيش التحرير وممارساتها فأجابهما بقوله :” بما أن الأئمة يعرفون أفضل من غيرهم أحكام الشريعة، فيجب أن تكون لديهم مكانتهم في قضاء جيش التحرير، وما عليكم إلا أن تقدموا اقتراحات ألتزمُ بتنفيذها“.
ويقول المجاهد أتومي: “في الليلة ذاتها أعدا مذكرة تتمحور حول منع إعدام أي متهم بدون محاكمته من قبل محكمة شرعية، ومراجعة تشكيلة كل محكمة بإدخال عضو ممثل عن الأوقاف يكون كامل الصلاحيات، وإلزام كل المجاهدين بأداء الصلاة، وبناء على ذلك وجه عميروش تعليمة لكل المناطق يُطالبها بتطبيق ما جاء في المذكرة.”
ويضيف: “ففي قلب المعركة وفي ظل حصار المستعمر العسكري كان عميروش، يفكر في جزائر ما بعد الاستقلال، لذلك فقد جمع إلى جانب تفكيره في قيادة الولاية الثالثة عسكريا وتنظيميا تفكيره في تكوين إطارات المستقبل، فنظم قطاع التعليم في ولايته التي كانت تمتد إلى بوسعادة جنوبا، ومن ثنية ودلس غربا إلى سطيف والبرج شرقا، ورصد لهذه العملية العظيمة ميزانية ضخمة وجنَّد لها رجال الأوقاف في الداخل، الذين قاموا بمجهود عظيم في الميدان”.
ويشير : “كان يتدخل بنفسه للبحث عن الإطارات الشرعية المؤهلة لتسيير قطاع الأوقاف الذي يضطلع بمهام التعليم والإفتاء والقضاء وتنظيم الممتلكات الوقفية من مساجد وزوايا وكتاتيب قرآنية، وكان من بين من كلفهم بمهام تسيير هذا القطاع على مستوى الولاية عبد الحفيظ أمقران وأحمد قادري، وهما من خريجي زوايا المنطقة”.
إرسال طلبة للخارج
أرسل عميروش، بعثات طلابية إلى تونس، ومنها ينتقلون إلى مختلف البلدان العربية كليبيا ومصر والأردن والعراق والسعودية، وغيرها من البلدان الصديقة.
وكلف الشيخين أرزقي آيت شبانة ومحمد الطاهر آيت علجت، وسعيد بن غانم بالذهاب إلى تونس لتلقي هؤلاء الطلبة والقيام على شؤونهم وتعليمهم وتوجيههم إلى التخصصات التي تناسبهم، وكان في تونس العاصمة مركزان لاستقبال هؤلاء الطلبة.
وقد فاق عدد الطلبة، الذين أرسلهم في تلك البعثات الثلاثمائة حسب شهادات عبد الحفيظ أمقران ومحمد الصالح صديق، من كانوا معه، وكان يجعل لهم ميزانية خاصة حتى وهم خارج الجزائر، فقد أرسل إليهم في أوت 1958 مثلا مبلغ 3ملايين فرنك قديم، وأرسل إليهم رسائل يشرح لهم فيها واجبهم والغاية التي أُرسلوا من أجلها إلى تلك البلاد.
و” كان يخطب فيهم قبل إرسالهم ويقول لهم : ” أرسلكم إلى تونس لكي تُحصِّلوا على تكوين وتخدموا الوطن بعد الاستقلال، لا تعودوا إلا بشهادات لأن هذا ما نفتقر إليه أكثر”، تؤكد مصادر تاريخية.
في هذا الصدد، تشير شهادة عبد الحفيظ أمقران: “شرع في هذه العملية بإرسال تعليمة إلى كل مناطق الولاية الثالثة تنص على جمع الطلبة في مراكز معينة، والشروع في إرسالهم إلى تونس، وقد وجهوا حسب مؤهلاتهم وحسب احتياجات الثورة إلى معاهد مختلفة في تونس ومصر وسوريا والعراق والسعودية، فمنهم من تخرج من الكليات العسكرية ومنهم من تخرج من مختلف التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية والتحقوا بمختلف هياكل الثورة”.
ويضيف: “كانت الولاية الثالثة سباقة إلى هذا الميدان، كما تولى كثير منهم مناصب هامة بعد الاستقلال في مختلف أجهزة الدولة.
وتؤكد مصادر تاريخية، “أن الشهيد، ظل يحمل هم هؤلاء الطلبة إلى آخر ساعة من حياته، فقد كان من ضمن المطالب، التي حملها معه إلى الحكومة المؤقتة، مطالب تتعلق بالبعثات العلمية، فقد جاء في توصيات المجلس الولائي المنعقد في 2 مارس 1959م، مطالبة الحكومة المؤقتة بمنح مساعدة مادية منتظمة للطلبة الجزائريين الموجودين في الخارج، لأن تنظيمهم لم يكن مرْضيا وأوضاعهم المادية لم تكن لائقة، وميزانية الولاية الثالثة لم تعد كافية”.
مواقف لا تنسى
كان الشهيد عميروش، سخيا كريما، حسب شهادات من رافقوه في النضال، وهنا يذكر الشيخ محمد الصالح صديق، أن الشهيد لحظة وداعه في تونس، أخرج ساعة من جيبه فضبطها على ساعته فأهداها إليه وقال:” خذها لِتَعُدَّ بها أيام الاستعمار الباقية في الجزائر وهي قليلة، وبعد الاستقلال سنخوض معركة أخرى من أجل قِيَمِنا وإسلامنا ولغتنا العربية فذلك هو الجهاد الأكبر.
ويقول المرحوم المجاهد محمد الطاهر علجت: “عرفت العقيد عميروش، رجلا مثاليا زاهدا في الحياة، مؤمنا ويحب وطنه ظل متواضعا ازاء جنوده وشعبه، كان رجلا صالحا لا يرضى إلا بفعل الخير وكان يبغض المتقاعسين والكسالى ويشجع على المبادرة ويزرع الخير حواليه كان مثالا يحتذى به في الإيمان والشجاعة والتواضع”.
ويضيف: “كان الشهيد، دائما يمنح الأسبقية لرجاله في المأكل والمرقد وفي كل شيء ويضحي بنفسه من أجلهم لضمان الأمن ونصب الكمائن ومواجهة جنود العدو، كان في الطليعة متحليا بنفس الشجاعة وروح التضحية، وكانت لديه قدرات تنظيمية وقيادية لا نظير لها، كان مثلا في التضحية والتواضع والقيادة والإقدام وفي كل المجالات وكان غيورا على ما يمس بالدين وبشعبه وبالمجاهدين”.
وهذا ما يؤكده محمد الصالح الصديق، في شهادته: ” كنا نتقابل ثلاث مرات في اليوم نتحدث عن قضايا متعددة تتعلق بالجزائر والعالم العربي وبالنظام الثوري، وكان في حديثه يميل دائما للحديث عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين واللغة العربية وكان مهموما حقا باللغة العربية ويقدرها ويقدسها ما جعله يرسل بعثات من الطلبة الى المشرق العربي، السعودية، العراق، مصر وتونس”.