العقيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة “سي الحواس”، من قادة الثورة، وسّع رقعة الثورة في الصحراء، بفضل حنكته العسكرية.
امتاز الشهيد سي الحواس، الملقب بحامي الصحراء، بالشجاعة والصبر ودقة حاسة البصيرة والحدس، حيث لا مجال للخائن أو المتآمر استغفاله أو مخادعته مهما بلغت مراوغتهما، حسب ما تؤكده شهادات بعض قادة الثورة، منهم الطاهر الزبيري.
تؤكد شهادات مجاهدين عايشوا الشهيد، أنه كان يدعو إلى اللحمة الوطنية، لطرد المحتل ونبذ الاعتبارات الجهوية والعصبية، حيث عرف بصرامته في التعامل مع من يحاول إثارة المشاكل في صفوف المجاهدين والشعب.
ويشير كتاب “قادة الولاية السادسة التاريخية” الى أن سي الحواس كان متفتحا على أطياف المجتمع الجزائري من خلال ربط علاقات متينة مع الجميع من منطقة الأوراس، وغيرها، واستطاع بعد فترة من محاربة الاستعمار بالمنطقة الثالثة للولاية الأولى التاريخية من أن يؤسس للولاية السادسة التاريخية في الصحراء، وجمع لها مجاهدين من مختلف الولايات.
“اتصل العقيد سي الحواس، بداية 1955 بعدد من المناضلين بالصحراء لإطلاعهم على حقيقة العمل الثوري المسلح وأهمية تكاثف الجهود لتحرير الجزائر، إيمانا منه بأن كل التراب الجزائري لا يتجزأ، ونقل أفكاره بشأن الوحدة الوطنية إلى ضباط الولاية السادسة وكانت نقطة قوة ضاغطة في المفاوضات من أجل الإستقلال”، تضيف مصادر تاريخية.
شارك حمودة في بدايات شهر ديسمبر 1958 في اجتماع الولايات الذي دعا إليه العقيد عميروش وخرج بقرارات وتوصيات أرسلت إلى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وبدعوة من هذه الأخيرة استجاب العقيد سي الحواس، لدعوتها وانطلق مع رفيقه في الكفاح العقيد سي عميروش، وكتبت لهما الشهادة في جبل ثامر ببلدية سيدي امحمد دائرة عين الملح جنوب بوسعادة يوم 29 مارس 1959.
تدرج سي الحواس، في صفوف الحركة الوطنية، ومع انطلاق الثورة كان ناشرا لها في مشونش، وبعدها قائد للمنطقة الثالثة الولاية الأولى، وتدرج في المناصب إلى ما بعد مؤتمر الصومام، وكان له الدور الأكبر في إعادة بناء وهيكلة وتنظيم الولاية السادسة التاريخية، كان من مرهبي الجيش الفرنسي وكان منظما ومخططا بارعا في اجتماع العقداء في الداخل.
نظم الشهيد الولاية السادسة وهيكلها إداريا وعسكريا، فوقفت في وجه المشاريع الفرنسية، التي ألقى بها دوغول، عند عودته إلى الحكم في 13 ماي 1958، وفي عهده واجه الحواس الحركة المناوئة للثورة المتمثلة في حركة بلّونيس، التي جعلت مقرها حوش لنعاس بدار الشيوخ، ولاية الجلفة حاليا.
أحمد عبد الرزاف حمودة، المدعو سي الحواس، من مواليد 1923 بمشونش، إحدى قرى الأوراس، نشأ بمسقط رأسه وسط عائلة ميسورة الحال مقارنة بالظروف الصعبة في تلك الفترة، تعلم اللغة والفقه بعدما حفظ ما تيسر من القرآن الكريم على يد والده بزاوية أجداده.
في 1937 توفي والده فإمتهن التجارة، التي كانت السبب في تنقلاته ومكنته من الإحتكاك بأبرز أعضاء الحركة الوطنية مثل العربي بن مهيدي، محمد الشريف سعدان ومصطفى بن بولعيد.
بدأ نشاطه السياسي في حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، عندما أدركت السلطات الفرنسية خطورة وفعالية نشاطه بدأت تترصد تحركاته ما أدى به للسفر إلى فرنسا لدعم نشاط الحركة الوطنية بالخارج.
مع فجر الثورة إلتحق سي الحواس، بالرعيل الأول وبعد أيام قلائل كلف بالذهاب إلى فرنسا لتبليغ العمال المهاجرين أنباء الثورة وأهدافها، لتكذيب ما كتبته وسائل الإعلام الفرنسية من تشويه لحقائق الثورة.
عاد إلى الجزائر في ربيع 1955 وإلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، وزود المجاهدين بكمية معتبرة من الألبسة وبعض الإحتياجات ومبلغ مالي هام.
وفي شهر سبتمبر 1955 وبقرار من قادة الأوراس انتقل إلى الصحراء للعمل على توسيع رقعة الثورة في تلك المنطقة الصعبة.
تمكن سي الحواس، في جانفي 1957 من الإلتقاء بعميروش، حيث درسا كيفية تطبيق قرارات المؤتمر وبعد ذلك عقد سي الحواس، بمنطقته إجتماعا لإطاراته أبلغهم بقرارات المؤتمر.
عاد من تونس في شهر جوان 1957 وهو يحمل رتبة ضابط ثاني قائد المنطقة الثالثة للولاية الأولى، وبعد مدة قصيرة ترقى إلى رتبة صاغ أول بالولاية.
وبعد وفاة علي ملاح، عين قائدا للولاية السادسة، وفي أوائل شهر نوفمبر 1958 حضر سي الحواس، الإجتماع التاريخي المعروف بمؤتمر العقداء وبعد دراسة الوضعية العامة للثورة في الداخل والخارج كلف العقيد سي الحواس، وعميروش بالقيام بمهمة الإتصال بقيادة الثورة بالخارج.
تنفيذا لتلك المهمة قدم العقيد عميروش، في شهر مارس 1959 من الولاية الثالثة وإلتقى زميله سي الحواس، نواحي بوسعادة.
وفي يوم 29 مارس 1959 بجبل ثامر وقع القائدان في الإشتباك الذي تحول إلى معركة ضارية استشهدا فيها معا.
وصفه الأستاذ المجاهد فرحات نجاحي، في إحدى مقالته المنشورة بجريدة الشعب، بموهبة الذكاء الخارق، ويذكر في ما قاله القائد مصطفى بن بولعيد، لأخيه عمر بن بولعيد، في لقائه بسي الحواس، بعد نجاحه في التحرر من سجن العدو والتحاقه من جديد بصفوف المجاهدين في 1955، قائلا: ” هو قادر على أن يأكلك نيئا وبلا ملح”.
يقول المجاهد نجاحي: ” استطاع سي الحواس، تسيير جهاز ثوري شعبي متماسك لولاية صحراوية ليس فيها من الجبال إلا جبل أحمر خدو، في جزء منه، وجبل بوكحيل، هي الولاية السادسة”.
ويضيف: “استطاع تسييره بجدارة وكفاءة منقطعتي النظير سياسيا وعسكريا وحتى اجتماعيا واقتصاديا، في نظام ممنهج ومهيكل غلب به المُنَظِّرين الدّهَاة لرابع دولة في العالم انذاك فرنسا”.
ويشير : “كان في مواجهة سي الحواس، خصمان أولهما القوة الاستعمارية، وثانيهما بلونيس وأتباعه ممن ضلوا الطريق. وكان النصر في النهاية حليفه رغم المحن والمتاعب التي لم تكسر عوده ولم تثبط عزيمته”.
ويؤكد المجاهد نجاحي، في شهادته “أن الشهيد أحمد بن عبد الرزاق، المدعو سي الحواس، لم يتخلف رفقة عاشور زيان والحسين عبد السلام، ورجالهم عن الركب الثورة خصوصا بعد أن ثَبَّتَ بن بولعيد، كلا من الشهيدين سي الحواس وعاشور زيان – عشية استشهاده – في مواقع المسؤولية من شرق الجلفة حتى مشارف الحدود الجزائرية التونسية” .
ويقول: “للتاريخ لا من سبق القائد الحواس في المسؤولية على الولاية السادسة، سي الشريف وربما غيره، ولا من جاؤوا بعده إثر استشهاده مع العقيد عميروش في مارس 1959، استطاعوا ملء الفراغ الكبير، الذي تركه هذا الرجل الذي يستحق حقا أن يوصف بالعظيم والفذ النادر في حصافة الرأي والكفاءة في القيادة والتسيير” .
وفي رسالة وجهت إلى وزير القوات المسلحة، نائب رئيس الحكومة المؤقتة، بعد أقل من شهر من تاريخ استشهاد سي الحواس، جاء في التقرير الذي عرض للوضعية القائمة في الولاية السادسة، إثر لقاء مع ضابط هذه الولاية يحمل اسم سي الطيب» من المنطقة ـ 2 ـ الولاية ـ 6 ـوعند الحديث معه عن استشهاد سي الحواس، وإمكانية تعويضه أجاب دون مواربة : « من غير الممكن العثور على رجل قادر على ملء الفراغ، الذي تركه سي الحواس، المحبوب من الجميع”.
من مظاهر شجاعته ما روي أنه أقسم – وصدق الله قسمه – أن لا يمسكه العدو وفيه نبضة من حياة ليسلمه إلى زبانية التعذيب المعروفة باستخراج أسرار الثورة منه.، بحسب المجاهد نجاحي.