استحضر وزير المجاهدين و ذوي الحقوق، العيد ربيقة، اليوم الخميس، بمتحف المجاهد إحدى جرائم فرنسا الإستعمارية وهي الألغام القنبلة الموقوتة، بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بحظر الألغام المصادف للرابع أفريل من كل سنة، والذي تزامن مع ذكرى استشهاد العربي التبسي.
قال ربيقة: ” نقف اليوم لنستحضر ذكريات أليمة عن الحقبة الاستدمارية، التي تعرض خلالها الشعب الجزائري لشتى أنواع الجرائم، من قتل وتنكيل بمختلف الأسلحة من بينها الألغام والمتفجرات، وانتهاك حرمة الإنسان ومصادرة حقوقه الأساسية ومحاولات طمس هويته ومقوماته الحضارية وتدنيس مقدساته ونهب خيراته، كل ذلك من أجل تركيعه وتطويعه”.
وأضاف الوزير :” إننا اليوم نحيي هذه الذكرى، لأننا كنا بالأمس مختبرا لجحيم الأسلحة المحظورة دوليا ولفنون زراعة الألغام وتكبدنا مأسي الاستدمار، التي جعلت من أرض الجزائر حقلا للتجارب الكيماوية والبيولوجية وللتفجيرات النووية”.
11مليون لغم على الحدود الشرقية والغربية
وأضاف:” سجلت الدراسات والأبحاث زرع ما يقارب 11 مليون لغم على امتداد طول خطي شال وموريس، في المناطق الحدودية شرقا وغربا في محاولة لمنع الامدادات بغرض خنق واجهاض الثورة، وخلفت هذه الجريمة الآلاف من الشهداء و المعطوبين، واستمرت في حصد الأرواح بعد الاستقلال”.
وأشار ربيقة، الى” أنه مؤشر مروع عن الاضرار والآثار الجسدية والنفسية، التي لحقت بضحايا الألغام من بنات وأبناء الجزائريين من جراء هذه الجريمة الاستدمارية.”
وأبرز وزير المجاهدين، “تضحيات الجزائر التي قدمت ملايين الشهداء من أجل استعادة سيادتها، وتجرع شعبها هول مأساة الألغام، استنفر فيها الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، كافة طاقاته المادية والبشرية في عمليات تطهير واسعة للألغام المضادة للأفراد على طول الحدود الشرقية والغربية ونجح بجدارة في إنقاذ حياة الأبرياء وانتشال الملايين من الألغام وتطهير وتأهيل آلاف الهكتارات ليستفيد منها المواطن، بإقامة مشاريع فلاحية و اقتصادية، قال ربيقة.
وذكر الوزير، بأن “الجزائر، التي عاشت آثار هذه المأساة وتبعاتها وسخرت إمكانيات معتبرة من أجل تطهير أراضيها من مخلفات الألغام، هي أكثر الدول إدراكا بأهمية وقيمة التوعية بخطورتها، ولذلك صادقت على تنفيذ اتفاقية “اوتاوا” المتعلقة بمنع استخدام وتخزين وإنتاج وتحويل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها، لتعبر عن إرادة صادقة ووعي ثابت والتزام صريح بقيم ثورة نوفمبر، التي قدست مفهوم حقن الدماء، أضاف.
العربي التبسي أحد أعمدة الحركة الإصلاحية
هذه الندوة التاريخية تزامنت مع ذكرى استشهاد العربي التبسي، وفي هذا الصدد، قال ربيقة:” من ذكريات تاريخنا المجيد ببطولاته وملاحمه، بأماله وآلامه؛ ذكرى اختطاف أحد أعمدة الحركة الإصلاحية في الجزائر الشيخ العربي التبسي، من طرف يد الغدر الاستعمارية في شهر رمضان الفضيل، وفي مثل هذا اليوم من 1957″.
واضاف وزير المجاهدين:” الشهيد التبسي، بعد من مفقودي ثورة التحرير الوطني على غرار كثير من رموزنا الأفذاذ من أمثال أحمد بوقرة، جيلالي بونعامة، حمو بوتليليس، وموريس أودان، وغيرهم من الشهداء الأبرار وهو الملف المرتبط بالذاكرة الوطنية، الذي أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري الأخير مع وسائل الإعلام، التمسك بها وبواجب الوفاء لشهداء المقاومة الشعبية والثورة التحريرية المجيدة”.
وأكد ربيقة، أن الجزائر الجديدة لن تتخلى أبداً عن ملفات الذاكرة ولن تكون مهما كان محل التنازلات.
وفي هذا الصدد، اشار ربيقة، الى انجاز قطاع المجاهدين، عملاً سمعيا بصريا هاماً يوثق للمسيرة الإصلاحية للشهيد العربي التبسي، وسيرته النضالية والاستشهادية من خلال الوثائق والشهادات والدراسات والأبحاث التاريخية الموثقة.
وصف رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام، محمد لمين جوادي، الألغام بحرب مدفونة وسلاح بدون جنود، التي شوهت ورملت النساء ويتمت الأطفال، ونوه بجهود قناة الذاكرة التي فضحت وكشفت جرائم فرنسا في الجزائر..
وقدم جوادي شهادته بصفته أحد ضحايا الألغام، حيث أصيب في 1958، واستشهد ثلاثة من رفقائه.
وقال:” أطال الله في عمري لأكون شاهدا على جرائم فرنسا ونقلها لشباب اليوم”.
واضاف جوادي :” رافعت في كل دول العالم بما فيها الأمم المتحدة وطردت السفير الفرنسي من القاعة والذي حاول نسب جريمة الألغام للعشرية السوداء”.
وفي هذا الصدد، اشاد رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام، بجهود أفراد الجيش الوطني الشعبي الذين نزعوا الألغام وكل الأسلاك الشائكة، كما نوه بمبادرة وزارة المجاهدين، بالتكفل نفسيا، وماديا وصحيا بضحايا الألغام برفع المنحة ومجانية الفحوصات الطبية والإستفادة من الحمامات.
وأكد جوادي، ان الجزائر الدولة الوحيدة المتكفلة بضحايا الألغام.
من جهته قدم البروفيسور عمار منصوري، باحث في الهندسة النووية، مداخلة بعنوان “الألغام المضادة للأفراد زرعها إعلان حرب ونزعها إعلان سلم”، تحدث فيها عن تاريخ إقرار الأمم المتحدة لليوم العالمي لخطر الألغام، في 1997، وذكر بتنظيم الجزائر الملتقى الدولي من أجل إفريقيا أمنة وخالية من الألغام، الجزائر تجربة رائدة في مكافحة الألغام المضادة للأفراد، في ديسمبر 2023.
وأكد أنه حسب الإحصائئيات العالمية فإن 38 بالمائة من الضحايا المدنيين هم أطفال، اخر طفل توفي في الجزائر ضحية انفجار لغم كان في 7 جانفي 2023، اسمه عبد الكريم عيساني، من البيض، وقبل اسبوع انفجر لغم بتلمسان، وفي 15 ديسمبر 2023، سجل ضحية في ولاية بسكرة.
وقال: ” ما تزال الألغام تحصد لأن بقاياها تبقى للأبد، 11 مليون لغم لا يمكن نزعه”.
استعرض البروفيسور حسان مغدوري، من جامعة الجلفة، المسيرة النضالية للشهيد العربي التبسي، الذي قال عنه بأنه رجل أمة مثلما وصفه الشيخ العربي البشير الإبراهيمي، سخر حياته من أجل العلم ومحاربة الدروشة وتعليم الجزائريين، كما قدمت شهادات لطلبته منهم عبد الله عثامنية وعبد الرزاق قسوم.
وبالمناسبة عرض شريط وثائقي حول ضحايا الألغام وكرم مجاهدون وضحايا هذه الألغام الذين تنقلوا من ولايتي تبسة وبسكرة، كما كرم رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام، محمد لمين جوادي.