تطرق محاضرون، إلى انعكاسات جريمة فرنسا النووية في بيريل بتمنراست في ماي 1962، على البيئة وسكان المنطقة، وذلك في ندوة تاريخية علمية نظمها المتحف الوطني للمجاهد، اليوم الثلاثاء.
استعرض البروفيسور عمار منصوري، باحث في الهندسة النووية، دراسة مقارنة بين الحادث النووي بيريل، والحادث النووي شرنوبيل، حيث ذكر في بداية مداخلته بالبرنامج النووي الفرنسي في الصحراء الجزائرية، منذ 1957، حيث أن أول مركز كان في 10 ماي 1957 برقان، قام ب39 تفجير نووي، وفي 12 جويلية 1960، قامت فرنسا ب18 تجربة وتفجير نووي، وخلال الفترة 1964-1966 نفذ 193 تفجير باطني، حسبما أكده الباحث.
في هذا الصدد، أكد البروفيسور منصوري،” أنه في أول ماي 1962، وقع حادث للتفجير النووي بيريل وهذا الحادث بمثابة حادث تشرنوبيل أولى، وهو الوحيد من نوعه في العالم لأن كل التفجيرات الباطنية في العالم لم يقع فيها مثل هذا الحادث”.
وأشار إلى أن الفرنسيين انذاك لم يكونوا متحكمين في الطاقة النووية والتجارب والتفجيرات، وقال:” بما أن الجزائر ليست أرض فرنسية عاثوا فيها فسادا، هذا الحادث انجر عنه سحابة نووية مشعة مثل سحابة تشرنوبيل، وكانت الطائرات الفرنسية تتعقبها الى غاية الحدود الليبية، أين واصلت طائرات امريكية تعقب هذه السحابة”.
وأضاف الباحث، أن أمريكا كانت تراقب كل التفجيرات التي تقوم بها فرنسا ووضعت محطات لمراقبة الزلازل في ليبيا وأي تفجير يحدث في الجزائر يسجله الأمريكان، وقال: ” جزء من الأرشيف المتعلق بهذه الحادثة متواجد لدى أمريكا، للأسف هذه السحابة مرت على مرتوتك وإيدلس، مرتوتك فيها جزائريين ولدينا شهادات حية تؤكد وفاة جزائريين بحيواناتهم في اليوم نفسه، كان تدخل بطائرات هليوكوبتر الفرنسية لإنقاذ ما يجب انقاذه، ولكن فرنسا تتستر على الضحايا الجزائريين تتكلم فقط على تسع جنود فرنسيين، وهم الوحيدين، الذين عوضتهم فرنسا بمبالغ كبيرة جدا”.
وأكد أن ثلاث تفجيرات وقعت بجبل تاوريرت تان أفلا إين أكر، بعد بناء 13 نفق بأيدي جزائرية، حيث استعملت مادة البلوتنيوم وهي أخطر مادة مدة حياتها 24 ألف سنة.
وأشار المحاضر، إلى ” أنه في هذا اليوم حضر لموقع التفجير 2000 شخصا من بينهم وزير الجيوش بيار ميسمار، ووزير البحث العلمي قاستون بلاوسكي، هذان الوزيران توفيا بسبب السرطان لأنهما تلوثا بإشعاعات تلك التفجيرات”.
وأكد منصوري، أنه بسبب هذا التفجير النووي خرجت أطنان من الحمم ملوثة بدرجة عالية جدا، لأنه كان فيه خطأ تقني. ومن 1962 إلى يومنا هذا هذه الحمم ما تزال تشكل خطرا رغم أن الجزائر أنشأت سياج ب40 كيلومتر، حادثة بيريل تعتبر الجريمة الثانية لفرنسا لأنها لم تقم بواجبها لتفادي ضحايا جدد”. أضاف.
وأشار أنه في 1967 عندما سلمت فرنسا هذه المواقع للجزائر لم تقم بواجبها الأخلاقي والإنساني ولم تنظف وتعيد تأهيل هذه الأماكن تركتها كما هي، ما انجر عنه ضحايا آخرين لأن عدد كبير من الناس كانوا يدخلون الى الموقع لأخذ النحاس بدون علم بأنها تحتوي على اشعاعات نووية.
وطالب البروفيسور منصوري، من فرنسا أن تعطي للجزائر نفس نظام لمراقبة تحرك الإشعاعات مثلما وضعته في بولينيزيا لوضعه في جبل تاوريرت، وهو نظام جيو ميكانيكي، لأن الجبل تشقق وفيه خطورة كبيرة.
وأكد الباحث في الهندسة النووية، ” أنه لو قدر الله وقع زلزال تحدث كوارث لا يحمد عقباها، وتصبح كارثة عالمية.”
وأشار المحاضر، إلى جريمة أخرى قامت بها فرنسا في المنطقة وهو اجراء خمس تجارب تسمى حبوب اللقاح، استعملوا فيها البلوتنيوم في الهواء الطلق وهو أخطر مادة كيميائية نووية، وقال: ” طلبت وكالة الطاقة الذرية من فرنسا للقيام بتحليل عينة من المواد المتفجرة، إحتالت فرنسا المعروفة بالكذب والمماطلة بأخذ عينات من الحمم البركانية ومن رقان أماكن نقطة صفر، فقط وادعت انه لا توجد خطورة”.
وأضاف: ” في 2009 احضرنا مخبر مستقل أظهرت ان تقرير وكالة الطاقة الذرية الذي نشر في 2005، بعد ست سنوات، مزور، حيث حاولت فرنسا التستر عن حقيقة مخاطر التفجير”.
وكشف البروفيسور منصوري، عن انشاء متحف موضوعاتي خاص بالتفجيرات النووية في رقان، العام الماضي وذلك بالتعاون مع وزارة المجاهدين وذوي الحقوق.
وبالمناسبة عرض شريط وثائقي حول التفجيرات في ببريل بتمنراست بعنوان ” إين إكر تأبى النسيان”، وهو يوثق شهادات عن هذه الجريمة التي ما تزال أثارها إلى اليوم.
جريمة فرنسا مستمرة وغير قابلة للتقادم
وفي مداخلة للحقوقي الدكتور العايب علاوة، بعنوان “جرائم الإستعمار في الجزائر حسب القانون الدولي، التفجيرات النووية نموذجا”، أكد أن ما قامت به فرنسا الإستعمارية في
الجزائر هو تفجيرات وليست تجارب مثلما تدعي، حيث أن هذه الدولة الإستعمارية لم تلتزم بالمعايير التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور العايب، أن التجارب لا تؤدي إلى أضرار وتوضع لها احتياطات، في حين التفجيرات تسبب أضرارا جسيمة، وأبرز المحاضر، أن فرنسا ارتكبت نوعان من الجرائم الأولى ضد الإنسان بإرتكابها جرائم الإبادة منذ احتلالها للجزائر في 1830، والثانية جرائم ضد البيئة، ثم جرائم ضد الإنسانية تجسدت في مجازر ماي 1945، وجرائم حرب ضد مجاهدي ثورة التحرير.
وقال: “ما قامت به فرنسا هو اعتداء غير مبرر استعملت فيه قوة عسكرية هائلة ضد سيادة دولة”.
وأشار الحقوقي، إلى أن التفجيرات التي نفذتها فرنسا في صحراء الجزائر بمساعدة الكيان الصهيوني الذي أمدها بالعلماء والمال، وهذا من أجل تنفيذ مشروعها وطموحها في الدخول إلى النادي النووي العالمي، حيث كان التنسيق بين هاتين الدولتين المجرمتين منذ 1957.
وقال:” الجزائر فتحت ملف التفجيرات النووية في 1996، وطالبت فرنسا بجبر الأضرار وتعويض الضحايا عن كافة الأضرار والأمراض المزمنة، وإعادة تأهيل الأراضي التي وقعت فيها هذه التفجيرات والإعتراف بجريمتها”.
وأكد المحاضر، “أن جريمة فرنسا مستمرة وغير قابلة للتقادم، وأن الحقوقيون الجزائريون سبواصلون المطالبة بحقوق الضحايا.”