حظيت الثورة الجزائرية منذ انطلاقتها الأولى باهتمام ومساندة كبيرة من قبل الحكومة المصرية، التي فتحت جامعاتها ومدارسها لتكوين وتدريب الطلبة الجزائريين، وخصّصت منابرها الإعلامية للتعريف بعدالة القضية الجزائرية.
أدّى الطلبة الجزائريون دورا رياديا في سبيل تحرير وطنهم، من خلال التعريف بقضيتهم من خلال الصحافة المصرية وإذاعة صوت العرب.
عانى الطلبة الجزائريون من العنصرية ومحاولة طمس هويتهم، وقرّر الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين القيام بإضراب عام، شامل أنحاء الوطن، بدأ بمقاطعة الدروس والامتحانات في جامعة الجزائر، وفي جميع الثانويات، والجامعات الفرنسية.
سرى مفعول هذا الإضراب بداية بيوم 19 ماي 1956، أي بعد اندلاع الثورة بـ 18 شهرًا. ولم يكتف الطلبة بهذه المقاطعة، بل نادوا زملاءهم الطلبة والتلاميذ الجزائريين للصعود إلى الجبال والالتحاق بجيش التحرير الوطني، تحت قيادة جبهة التحرير الوطني.
لم يكتف الطلبة بإعلان الإضراب، وتوجيه النداء إلى كافة الطلبة للالتحاق بصفوف المجاهدين، بل عملوا على توسيع دائرة النضال لتصل إلى المحافل الدولية، حيث شارك الاتحاد الطلابي في فعاليات الندوات العالمية، ومنها الندوة العالمية السادسة للطلاب في كولومبيا بجزيرة سيلان التي قبلت الاتحاد العام للطلاب الجزائريين المسلمين عضوًا منتدبًا فيها، رغم معارضة عدد كبير من المنظمات الطلابية الأوروبية المناصرة لسياسة فرنسا وللاستعمار.
وتدعّم مركز الاتحاد العام للطلاب الجزائريين كثيرًا حين قبلت المنظمة العالمية للطلاب عضويتهم بصفة عضو مشارك، وبذلك تمكّن الطلاب الجزائريون من تكوين علاقات مع اتحادات طلابية عالمية، ومن كسب تأييد دولي خدم القضية الجزائرية بشكل إيجابي.
بضغط النضال الطلابي الجزائري الفاعل، عقد الاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين مؤتمره السنوي في أواخر شهر أبريل 1957، وكان أثر نشاطات الاتحاد الطلابي الجزائري ملموسًا في هذا المؤتمر من دون حضور أعضائه الرسميين، الأمر الذي أدّى إلى أن ينشطر الطلبة الفرنسيون على أنفسهم إلى فريقين، فريق أيّد الثورة التحريرية في مطالبها، وآخر عارضها.
وما إن آنس القادة بأن الثورة تجاوزت مرحلة الخطر، وأصبحت في مأمن على شرعيتها ومشروعها حتى قرّروا إنهاء الإضراب بعد 17 شهرًا من إعلانه، وذلك في 14 أكتوبر 1957. واستمرت مسيرة الطلبة وعقدوا مؤتمرهم الثالث في ديسمبر 1957.
في 28 جانفي 1958 قرّرت سلطات الاحتلال حلّ الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، واعتقلت أعضاءه في باريس، واضطرت اللجنة التنفيذية إلى مغادرة فرنسا نحو سويسرا، واستمرّت المسيرة إلى غاية الاستقلال.
ولم يفوّت الطلبة هذا الأمر في صمت، بل عقدوا اجتماعات وندوات عبّروا من خلالها عن رفضهم لهذا القرار المجحف، ولم تقف الإدارة الاستعمارية الفرنسية مكتوفة الأيادي، أمام الانتصارات الساحقة التي بدأت تجني ثمارها القضية الجزائرية، من خلال التضامن والتأييد العالميين.
بفضل مجهود الإتحاد، لم تتوان هذه الإدارة ومن خلالها وزارة الداخلية في إصدار قرارها السابق، ولم تكتف بهذا، بل عملت على اعتقال الطلبة وإخضاعهم لعمليات الاستنطاق، وتسليط مختلف صنوف التعذيب، ثم رميهم في غياهب السجون الفرنسية.
ممّا تقدّم نخلص إلى القول إنّ الطلبة الجزائريين حاربوا على جبهات كثيرة، منها الاستعمار الفرنسي الغاشم وأعوانه من الحركى، والاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين، وبخاصة المتطرّفين منهم.
لا نستطيع إلاّ أنْ نُحيّي بإعجاب وتقدير تلك الأمثلة الباهرة التي ضُربت في الشجاعة الثورية، فقد ساهموا مساهمة إيجابية فعالة في الثورات الكثيرة التي توالت وتجدّدت في بلاد الجزائر منذ 1830 ضد الاحتلال الفرنسي، فالثورات الكبرى يحمل مشعلها الشباب دائما،
فقد تركوا لنا صورًا حية خالدة لوطنية الطلبة الجزائريين، المضحّين بأنفسهم في كثير من المناسبات، ويقين الطلبة الجزائريين، أنّ الثورة ستنتهي لا محالة بالحصول على الاستقلال. ونموذجًا لبعض من هذا الكفاح الطويل في تاريخ الطلبة الجزائريين، أعرض دور البعض منهم بمصر أثناء حرب التحرير والتاريخ الوطني الحافل بالمآثر.
التزام بوصيّة ديدوش مراد الخالدة“إذا استشهـدنا..دافعوا عن ذاكرتنا”
إنّ خير تكريم وتبجيل للشهداء الأبرار..حفظ ذكرى رجال بواسل حرّروا الوطن بوحدتهم واتّفاق كلمتهم، وزلزلوا عرش فرنسا، حتى حقّقوا للوطن غايته، فعلينا أن نكون أوفياء لتضحياتهم الجسام، وإن خير الوفاء أن ندافع عن وصية نطقت بها شفـاه أحد شهداء الحرية، ديدوش مراد، قبل أن ترتقي روحه إلى بارئها “إذا استشهدنا..دافعوا عن ذاكرتنا”.
ستظل ذكرى يوم الطّالب الجزائري خالدة..وستبقى كاريزما هؤلاء الطلبة حالة خاصة!
العزّة للجزائر والمجد للشّعب والخلود للشّهداء الأبرار.