11 ديسمبر 1960، تاريخ كان له وقع الأثر على الجزائريين الذين رفضوا سياسة شارل ديغول، التي تستهدف هويتهم، ورفضوا مخطط “الجزائر فرنسية”، فكان الرد بمظاهرات أرادوها سلمية بقولهم “الجزائر جزائرية.. مسلمة ومستقلة”، والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام.
كان الرد دمويا من قبل المستدمر، الذي أسقط في الجزائر شهداء وجرحى، مثل عنابة التي كان سكانها في الموعد ذلك اليوم، ولم يفوتوا فرصة حمل شعار الاستقلال، و”الجزائر حرة مستقلة”.
في هذا الصدد، يقول نائب رئيس جمعية “وفاء” لحماية وتخليد مآثر الثورة التحريرية والمكلف بالتنظيم في المنظمة الوطنية للمجاهدين بوجمعة رجم لـ”ذاكرة الشعب”، إن مظاهرات 11 ديسمبر 1960، التي خرج فيها الشعب الجزائري ينادي بالحرية والاستقلال في كثير من الولايات، منهم عنابة تعد أعظم مظاهرة تشارك فيها المرأة الجزائرية منذ بداية الاحتلال.
ويشير محدثنا إلى أن المظاهرات جاءت في بدايتها عفوية على اعتبار أنه لم تكن هناك قرارات صادرة من قبل جبهة التحرير الوطني للقيام بها بشكل رسمي، بل من مناضلين وسكان المدينة،وكانت الانطلاقة من أحياء مثل “لا كولون”، “لاسيتي جوانولا”، “طحونت كاوكي”، لتتبعها باقي الأحياء، بالتوجه نحو ساحة الثورة “الكور”، والتي كان يقطنها في تلك الفترة فرنسيون.
ويضيف نائب رئيس جمعية “وفاء”: المستعمر الفرنسي كان بالمرصاد في ذلك اليوم، لم يتوان عن إطلاق النار على الذين يحملون الرايات الوطنية.
ويبرز بوجمعة رجم أنه مع الانطلاقة الأولى لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، وقعت أول شهيدة في عنابة كانت تتقدم المتظاهرين حاملة العلم الجزائري، وهي المدعوة غريسي زينة.
يقول:” هناك نساء جزائريات خلدهن التاريخ بأحرف من ذهب، روى بدمائهن أرض الجزائر الطاهرة، منهم هذه الشهيدة المولودة في 1910 ببوشاوة أو وادي العنب حاليا، والتي كانت تقيم بحي جبانة اليهود، وأول من سقطت برصاص العدو بشارع “جورج كليمنصور” بوزارد حسين حاليا”.
شارك شيوخ وشباب وفتيات وحرائر عنابة، في هذه التظاهرة، و أدى هذا الغضب إلى التصادم بالأسلحة في كثير من الأحياء كحي لاسيتي أوزاس ووادي الذهب وكوكي وديدوش مراد وبوحمرة، حيث اندلعت شرارة هذه المظاهرة الضخمة.
ويضيف أن استشهاد زينة غريسي لم يثن عزيمة المتظاهرين، بل أن ابنتها التي كانت ترافقها حملت عنها العلم الجزائري وواصلت المسيرة، لتصاب هي الأخرى برصاص الاحتلال وتسقط جريحة إلى جانب عديد المتظاهرين.
ويؤكد بوجمعة رجم أن شهداء مظاهرات 11 ديسمبر تم تشييع جثمانهم إلى مثواهم الأخير في اليوم الموالي من قبل مجموعات شعبية ومناضلين في تظاهرة شعبية عارمة مشيا على الأقدام إلى غاية مقبرة “بوحديد”، ويشير إلى أن جمعية وفاء لحماية وتخليد مآثر الثورة خصصت بهذه المقبرة “مربعا” خاصا بشهداء الثورة التحريرية المجيدة الذين سقطوا ضحايا للمستعمر الفرنسي بولاية عنابة.
مناضلون وفدائيون في الميدان
ويكشف رجم أن عنابة كانت تضم العديد من الفدائيين والمناضلين الذين أدوا دورا بارزا خلال الثورة التحريرية المجيدة، مثل بوزراد حسين، عمار بن عودة وسليمان بركات إحدى الشخصيات النضالية المعروفة بعنابة ونجح في الفرار من السجن برفقة القائد زيغود يوسف، عمار بن عودة وعبد الباقي بكوش.
وتشير بعض الدراسات إلى أن بركات شارك في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 “وكلف بتنظيمها في عنابة بعد أن شعرت جبهة التحرير أن المدن الكبرى بدأت تضعف مقاومتها أمام ضغوط المستعمر والاعتقالات المستمرة للمجاهدين والقيادات، وكان يجمع الرجال والنساء من جميع القطاعات، والذين ساهموا في إعطاء النبض للثورة، حيث أقنع النساء العاملات في الإدارة الفرنسية كالبلدية والمستشفيات بالانضمام للمظاهرات، وساهم في تقديم الدعم الكافي بالأموال والوسائل لتحريك المظاهرات في قلب عنابة”.
هدى بوعطيح