أكد مسؤول بمؤسسة الأرشيف الوطني، عثماني مرابط، أن العمل المسلح إبان الثورة التحريرية، أوجب تشكيل حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية تكون بمثابة القيادة التنفيذية التي تعهد إليها مهمة تسيير الثورة على المستويين الداخلي والدولي.
أبرز مرابط، في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية، بمناسبة إحياء الذكرى الـ64 لتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أن تأسيس هذه الحكومة بعد أربع سنوات من اندلاع الكفاح التحرري يعد حدثا تاريخيا بارزا في مسيرة الثورة الجزائرية وخطوة جريئة أقدم عليها قادة الثورة.
وأضاف: “تأسيس الحكومة كان ردا ذكيا من قادة الثورة على المستعمر الذي كان يتحجج دائما بأنه لا يجد مع من يتفاوض، ولا يعرف من يمثل الشعب الجزائري، فكان لزاما على قيادة الثورة الانتقال من مرحلة الثورة الشعبية إلى مرحلة ثورة ذات هيكل حكومي”.
وقال إنه بتشكيل مثل هذه الحكومة، وضعت السلطات الاستعمارية أمام الأمر الواقع، وأن هذه الخطوة أبانت عن مدى تلاحم الجزائريين مع جيش التحرير الوطني وحكومته التي باتت تشكل إطارا فعالا للكفاح التحرري. وضربة موجعة لسياسات الاستعمار المنتهجة في الجزائر، والتي كانت تهدف إلى وأد الثورة التحريرية المباركة، وتغليط الرأي العام حيال الأحداث التي شهدتها الجزائر والتي لم تكن – حسب مزاعم المستعمر- سوى ردة فعل من طرف جماعات خارجة عن القانون وعصابات معزولة تعمل على زعزعة الأمن العام.
وأشار ممثل مؤسسة الأرشيف الوطني إلى أن، إنشاء الحكومة المؤقتة كان تفنيدا قاطعا لهذه المزاعم، ودليلا على أن ما يحدث هو ثورة تحررية هدفها نبيل، ومقاصدها مشروعة لتحرير أمة من قيود الظلام والعنصرية المقيتة، وخطوة أولى لإعادة بناء أسس الدولة الجزائرية التي تعرضت لأبشع صور العدوان والسرقة.
وتطرق مرابط إلى المهام التي أوكلت إلى هذه الحكومة،التي ركزت جهودها على تزويد جيش التحرير الوطني بكل ما يحتاجه من سلاح وعتاد وأجهزة لمواصلة العمل المسلح، ومن ثم إقناع الحكومة الاستعمارية، ومن ورائها دول أخرى بوجود قوة حقيقية تمثل الشعب الجزائري، لابد من التفاوض معها لإرساء السلم، و الاستجابة لمطالبه في الاستقلال.
وأضاف أن الحكومة المؤقتة قامت بنشاط دبلوماسي مكثف لجلب اهتمام الرأي العام العالمي بالقضية الوطنية، وبالنضال الذي يخوضه الشعب الجزائري من أجل حريته وانعتاقه من براثن الاستدمار، و طالبت بالدعم الدبلوماسي من جميع دول العالم.
وقال : « لعل ما يثير الانتباه في هذا الشأن هو أن الدول العربية دون استثناء، دعمت الثورة الجزائرية باختلاف أنظمتها آنذاك، وشكلت المثال الذي يقتدى به في لم شمل القوى العربية وتعاونها من أجل تحقيق هدف نبيل، و دخلت الحكومة المؤقتة في علاقات مع دول وهيئات عديدة من العالم كان لها وزن على الساحة الدولية (الصين، الاتحاد السوفياتي، مصر، سوريا، العراق، إندونيسيا، المملكة العربية السعودية، يوغوسلافيا، الأمم المتحدة، الصليب الأحمر، هيئة اللاجئين، منظمة دول عدم الانحياز…).
وأضاف أنه بالرغم من محاولة الاستعمار تجاهل تأسيس الحكومة المؤقتة، وفرض الابتزاز على الدول التي اعترفت بالقضية الوطنية، فان الحكومة المؤقتة ربحت الرهان بتحقيق الأهداف المرجوة، أهمها منح الشرعية الدولية للكفاح المسلح أمام الرأي العام الدولي، وإنشاء هيكل تمثيلي لمشروع الكفاح المسلح عن طريق بعث رسالة قوية إلى السلطات الاستعمارية بضرورة التفاوض مع سلطة جزائرية معترف بها دوليا.
وأشار مرابط إلى عمل الحكومة المؤقتة على ترقية تمثيليات جبهة التحرير الوطني في الخارج إلى مصف سفارات وممثليات، وفق الأعراف الدبلوماسية المعمول بها.
إضافة إلى الرد الإعلامي على الدعاية الاستعمارية من خلال التأكيد على أن جيش التحرير الوطني مشكل من ثوار يسعون لتحرير الوطن، وليسوا مجرد جماعات خارجة عن القانون.
يجدر التذكير بأن الحكومة المؤقتة كانت دعما وإطارا منظما للمسعى الدبلوماسي الذي كانت تقوم به في ذلك الوقت ممثليات جبهة التحرير الوطني، لاسيما مع إنشاء وزارة العلاقات الخارجية.
إضافة إلى تكثيف الإعلام عبر المنابر الإذاعية المتاحة آنذاك مثل إذاعة القاهرة والإذاعات العربية الأخرى وحتى الأجنبية منها، و على صعيد الشؤون الاجتماعية عبر توفير الرعاية والتكفل والتحسيس بمشكلة اللاجئين الجزائريين الذين نزحوا من بيوتهم جراء البطش الاستعماري.