بإحتضانها للإجتماع، الذي ترأسه البطل عباس لغرور، بحضور ثلة من المجاهدين ليلة نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر من سنة 1954، تظل منطقة “شعبة الغولة”، ببلدية الحامة بخنشلة شاهدا أبديا على إندلاع ثورة التحرير بالولاية الأولى التاريخية.
فبهذه المنطقة الغابية، أشرف الشهيد عباس لغرور، ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 على انعقاد اجتماع تنسيقي مع عدد من المجاهدين، الذين اختاروا التضحية بالنفس والنفيس لأجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة قبل أن ينطلقوا ليلتها نحو عديد الوجهات، التي كان يحتمي بها أفراد الشرطة والجيش والدرك والحاكم الفرنسي.
من هذه المنطقة، التي تبعد عن وسط مدينة خنشلة بحوالي 4 كلم، انطلق منذ 69 سنة خمسة أفواج من المجاهدين قبل الساعة الصفر من يوم الفاتح نوفمبر 1954 تحت جنح الظلام للقيام بهجمات ضد العدو الفرنسي إعلانا بذلك عن اندلاع ثورة التحرير الوطنية بخنشلة التي كانت تابعة للولاية الأولى التاريخية.
و في هذا السياق، يروي المجاهد عبد القادر بورمادة، لواج، مجاهد من الرعيل الأول والشاهد الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة من ضمن 40 مجاهدا حضروا اجتماع الأفواج المفجرة للثورة التحريرية بخنشلة، أن اختيار المكان المسمى “شعبة الغولة”، ليكون مقرا لاجتماع القائد عباس لغرور، و المجاهدين المعنيين بتفجير الثورة التحريرية بالمنطقة، كان خيارا موفقا إلى أبعد الحدود بحكم أن المنطقة غابية ذات تضاريس وعرة لا تسمح لقوات المستعمر الفرنسي بالولوج إليها ليلا وارتفاع مكان الاجتماع عن المناطق المحيطة به والتي تسمح للمجاهدين بمراقبة تحركات العدو، الشيء الذي سمح بعدم اكتشافه من طرف عساكر جيش الاحتلال الفرنسي.”
وأضاف بورمادة : “كل الأمور كان مخططا لها كما ينبغي بعد أن التحق جميع المجاهدين بما فيهم أولئك، الذين مثلوا فريق اتحاد مدينة خنشلة لكرة القدم في مباراة جمعته بالنادي الرياضي القسنطيني مساء 31 أكتوبر 1954 وهو ما خطط له بشكل جيد القائد عباس لغرور، الذي جمع المجاهدين في مكان غابي كثيف بشعبة الغولة، الواقعة على الحدود بين بلديتي خنشلة والحامة”.
أوضح المتحدث، بأن الاجتماع الذي انعقد ليلة الفاتح من نوفمبر لم يكن الكثير ممن حضروه يعلمون السبب الرئيسي وراء برمجته، لافتا إلى أن قادة الأفواج الخمسة المفجرين للثورة بخنشلة وهم عباس لغرور، وبن عباس الغزالي، وكشرود علي، وسعدي معمر وعثماني تيجاني.
إضافة إلى بعض العناصر، التي كان يثق فيها القادة تمام الثقة، هم من كانوا يعلمون بأن الاجتماع كان تنسيقيا وتمهيدا لتفجير الثورة التحريرية ومهاجمة العديد من مراكز العدو الفرنسي بوسط مدينة خنشلة في تلك الليلة.
خطاب عباس لغرور زاد من حماس المجاهدين
جاء في شهادة المجاهد بورمادة، أنه قبل الانطلاق نحو الوجهات المحددة، ألقى عباس لغرور، خطابا زاد من حماس المجاهدين، حيث قال لهم: “إنني على يقين بأن الشعب الجزائري بأكمله سيتبع مسيرتنا على هذا الدرب..إني أثق بكم وبشجاعتكم وبتصميمكم، انطلقوا واضربوا العدو بقوة و عودوا ظافرين وذلك لأن الله مع المجاهدين ومع القضية العادلة والله أكبر” قبل أن يطلع الجميع على كلمة السر، التي كانت في تلك الليلة “خالد و عقبة”.
وهو يسترجع ذكريات تفاصيل ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 قال بورمادة: “كنت رفقة فوج يتكون من 6 مجاهدين آخرين بقيادة عباس لغرور، هاجمنا دار الحاكم وبرفقتي كان المجاهد محمد شامي، وعن نفسي فقد كلفت بحمل قفة بها قارورات للبنزين وعندما وصلنا إلى مقر دار الحاكم هاجمناهم ونحن ننادي الله أكبر، الله أكبر.. الجهاد في سبيل الله وحينها قام عباس لغرور، بإطلاق النار على أحد الفرنسيين قبل أن ندخل في اشتباك معهم ونقوم بإشعال النار وسكب البنزين ثم الهروب والعودة إلى شعبة الغولة سالمين غانمين”.
ويضيف:” الأفواج الأخرى، كلفت بمهاجمة مقر فرقة الدرك (الجندرمة) والثكنة العسكرية ومقر الشرطة والمحول الكهربائي، قام المجاهد تيجاني عثماني بتفجيره إيذانا بانقطاع التيار الكهربائي على المدينة وهجوم بقية الفرق على مراكز انتشار قوات العدو الفرنسي”.
وقال أستاذ التاريخ بجامعة الشهيد عباس لغرور بخنشلة، صالح قليل، بأن اختيار منطقة شعبة الغولة، كمكان لاجتماع الرعيل الأول المفجر لثورة نوفمبر بخنشلة لم يكن وليد الصدفة وإنما جاء بناء على العديد من الاعتبارات الاستراتيجية، التي تبين مدى دهاء وحنكة مفجري الثورة التحريرية بالمنطقة بقيادة القائد البطل عباس لغرور.
و رغم مرور 69 سنة عن تلك المحطة الهامة في تاريخ الجزائر، لا تزال منطقة شعبة الغولة، ذاكرة مكان و معلما يشهد على عظمة الثورة التحريرية و أبطالها من شهداء، حيث قامت السلطات المحلية بتزيينه بجدارية تحمل أسماء ال 40 مجاهدا الذين شنوا هجمات على المستعمر الفرنسي ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 كما تحتضن ليلة أول نوفمبر من كل سنة الاحتفالات الرسمية المخلدة لذكرى اندلاع الثورة.