المعتقل أثناء الثورة التحريرية يبرز أحد أهم حلقات معاناة الشعب الجزائري أثناء الفترة الإستعمارية.
لم تكن الحياة عادية داخل المعتقل، فقد وجد المدنيون والمناضلون أنفسهم داخل مراكز تحكمها قوانين ظرفية تستحدث باستمرار للنيل من عزيمتهم، والحط من معنوياتهم، للوصول بهم إلى الندم عن مساندتهم للثورة التحريرية..
يؤكد الأستاذ محمد شاطو من جامعة معسكر في دراسته الصادرة بمجلة الناصرية للدراسات الإجتماعية والتاريخية في عدد خاص صدر في ديسمبر 2012 بعنوان: «واقع المعتقلين بأفلو أثناء الثورة التحريرية من خلال الأرشيف الفرنسي بآكس ـ آن ـ بروفانس».
ويوضح الباحث أنه أراد الحديث عن المعتقل لفضح الجرائم التي ما فتئت فرنسا تعمل على إخفائها أو قلب حقائقها، ومن هنا حاول ولوج أحد هذه المعتقلات التي وجدت بالولاية التاريخية الخامسة لمعرفة يوميات نزلائها من خلال الأرشيف الفرنسي بأكس-أن- بروفانس ألا وهو معتقل أفلو .
يشير الأستاذ أن منطقة أفلو المحاذية لجبال القعدة الشهيرة بالأغواط، التي قال عنها أحد الفرنسيين من ‘’ديان بيان فو إلى القعدة بأفلو’’ كان للإستعمار فيها جولات وصولات، ونكبات كذلك، وكان لأبنائها المدنيين والمجاهدين تضحيات جسام، ما تزال صخور وأحراش ووديان المنطقة تشهد عليها.
ويضيف أن لدى أفلو قصة أخرى مع المعتقل الذي ضم سياسيين وعسكريين وعلماء ونقابيين، لا تزال في حاجة إلى الإكتشاف لمعرفة حقائقها من أفواه الأحياء ممن دخلوه، أو التقارير الأرشيفية التي ما إذا استنطقت روت حكاية هذا المعتقل ولو بتحفظ كبير.
إجراءات تعسفية وحرب نفسية
خصصت فرنسا هذا المعتقل في البداية للنيل من عزيمة قادة الحركات السياسية والإصلاحية لتعطيل نشاطهم، فقد نفي إليه الشيخ البشير الإبراهيمي أثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الغاية من إنشائه قمعية من حيث الحرب النفسية المنتهجة ضد المعتقلين أثناء الثورة التحريرية للنيل من معنوياتهم.
وقد ضم المعتقل مئات السياسيين والعلماء والنقابيين من مختلف جهات الوطن، منهم بشير بومعزة، حرشة حسان، محمد باهي من نجم شمال إفريقيا، والنقابي الشهيد عيسات إيدير والرسام محمد لزرق الذي صمم شعار الإتحاد العام للعمال الجزائريين، على نعل حذائه بشفرة حلاقة، ومن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ مصباح وعبد القادر الياجوري ومحمد الصالح عتيق، عبد الله ركيبي، الدكتور سعيد كربوش الذي كان يؤمهم للصلاة وغيرهم.
أبرز الأستاذ شاطو يوميات المعتقلين، منها قراءة رسائلهم ومصادرة بعضها من طرف إدارة المعتقل، والقيام بتحليل عباراتها وتسجيل تقارير حول كل رسالة تثير الشكوك وتصادر البعض الآخر.
وهو ما وجد في التقرير الذي بعث به ضابط الشرطة بالنيابة المنتدب بمعتقل أفلو كورشيون جون بتاريخ 18 مارس 1956، إلى محافظ الشرطة بوهران، والذي أطلعه من خلاله بأن هناك رسالة مبعوثة إلى النزيل نور الدين مازري، تحمل عبارات غامضة تثير الشكوك وهي مبعوثة من المسمى «جوسترابو» الممثل السابق للمجلس الجزائري والمقيم بسيدي بلعباس.
ورسالة أخرى بعث بها أحد المعتقلين المفرج عنهم من معتقل أفلو يقيم بمدينة معسكر إلى صديقه المعتقل من نفس المدينة يقوي عزيمته، مؤكدا له أن طرد الإستعمار صار ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى وأن الشعب الجزائري قد استيقظ لتحقيق الحلم.
ورسالة أخرى من وقاوة الحبيب من مدينة معسكر إلى عبد القادر دربال يطلعه فيها بأن المقاومة ضد الإحتلال حققت انتصارات مستمرة، وأن الوقت مناسب للقضاء على كل أنواع الإستعمار، ويشير إلى أن الإجراءات التعسفية التي كانت إدارة المعتقل تمارسها مع المعتقلين لاسيما ما تعلق منها بمصادرة بريدهم، وأجهزة الراديو وآلات التصوير والمراقد كانت لها ردود أفعال جريئة تصل إلى حد التظاهر بساحة المعتقل.
تقرير ديستافيل
وهو ما يشير إليه التقرير الذي بعث به ديستافيل Destaville المنتدب بمعتقل أفلو إلى المحافظ الجهوي للشرطة بوهران، والذي يبلغه من خلاله بأن المعتقلين قد اجتمعوا يوم 15 سبتمبر 1956 على الساعة الرابعة مساءا و40 دقيقة بساحة المركز، ويرددون ويصرخون: «نريد البريد….نريد البريد»، وهذا بعد نفاذ صبرهم إثر المقابلة التي خصّ بها مدير سكوارز ممثليهم وطلب منهم تقديم آلات التصوير والمواقد، فكان ردهم عليه سيتم ذلك حين نستلم بريدنا.
في هذا السياق، أكد الباحث الجامعي أن هذه الإجراءات التعسفية والحرب النفسية لم تثن من عزيمة المعتقلين في تأدية واجبهم اتجاه وطنهم وثورتهم، فبتاريخ 14 نوفمبر 1956 كتب جون كورشيون، المنتدب بمعتقل أفلو إلى المحافظ الجهوي بوهران، تقريرا حول الحالة المعنوية والنفسية للنزلاء من 01 أكتوبر 1956.
فهو يصفها بالهادئة والمستقرة وأنهم يطالبون من إدارة المركز السماح لهم بإحياء ليلة المولد النبوي الشريف الماضية، ليقوموا بإحيائها ليلة الفاتح نوفمبر محاولين بذلك تسجيل تضامنهم مع رفقائهم المقاومين.
ويضيف أنه لم يكن نفاذ صبر المعتقلين يدعوهم إلى الإستسلام للأمر الواقع، بل كانوا يطرقون كل الأبواب للحد من تعسف إدارة المعتقل معهم، وهو ما تؤكد عليه البرقية التي أرسلها نزلاء المعتقل إلى وكيل الجمهورية، بتيارت بتاريخ 12 سبتمبر 1956، يطلبون منه فتح تحقيق فوري حول تحويل ومصادرة بريدهم اعتبارا من الفاتح سبتمبر من نفس السنة، والتي أمضاها نيابة عن المعتقلين كل من بورويبة، سعيدي، زويتي، بن هملة، تكفة، تاقي، خالدي. كما قام الباحث بقراءة في الرسائل والبرقيات المرسلة للنزلاء.