مزج بين المجاهد والكاتب، دوّن شهادات شخصيات ثورية، منها العقيد لطفي. كان عضوا في مجموعة مختصة في إزالة الألغام، ومسؤولا عن مراكز بأفلو والبيض وبشار وفقيق، حُكم عليه بالسجن ثلاث مرات، المرة الأولى بعشر سنوات، والثانية بعشرين سنة، وٱخرها حكم بالإعدام.
تميز في كتاباته، وأصدر العديد من الكتب باللغة الفرنسية، تُرجم معظمها إلى العربية، واعتبرت كتبه مصدرا للعديد من الأفلام التاريخية، ٱخرها فيلم ” العقيد لطفي” للمخرج أحمد راشدي، الذي تم تصويره في ولايتي بشار وتلمسان .
المجاهد بالي بلحسن ابن مدينة تلمسان، 85 عاما، يروي لـ”ذاكرة الشعب” بدايته مع التجنيد، والسبب الذي دفعه إلى تأليف عدد من الكتب.
يقول إنه التحق بالعمل الفدائي، بعد تدريبات أولية بأعالي سيدي بومدين، وشملت هذه التدريبات التي أشرف عليها المجاهد حسان، الرمي بالرصاص والقوارير الزجاجية الحارقة.
كانت أول عملياته الفدائية في ديسمبر 1955، رفقة صديقه في الكفاح محمد بختي، استهدفت مرافق ومؤسسات استعمارية بالمدينة.
وفي هذا الاطار يوضح المجاهد قائلا “طلب منا المجاهد حسان الذي أشرف على تدريبنا في أعالي سيدي بومدين، متطوعين لضرب بعض الأهداف الإستعمارية بالمدينة. تم اختياري للقيام بهذه المهمة التي فرضت علينا التزام الحيطة والحذر. اثر ذلك منحني المجاهد منصور مسدسا وقنبلة يدوية انجليزية الصنع، كما تم في نفس الوقت تسليح مجموعات اخرى بنفس الطريقة، للقيام بهجومات أخرى، منها عملية استهدفت من خلالها احدى الحانات، حيث رميت قنبلة باتجاه زبائن الحانة من الفرنسيين وأحدثت العملية دوي انفجار قوي تطايرت على اثره شظايا النوافذ المجاورة للحانة وقدمت تقريرا بخصوص هده العملية”.
ويواصل حديثه: “استطعت أن أحدث تنظيما مميزا للخلايا الفدائية داخل مدينة تلمسان، عن طريق تجنيد العديد من تلامذة المدارس والثانويات، قمنا بحرق مزرعة فورنو، وهو معمر عرف بكراهيته للعنصر العربي. في ماي 56 إقتلعنا الاشجار وأتلفنا ما يمكن إتلافه، مع إلقاء قنبلة داخل شاحنة عسكرية بين أرجل الجنود الذين شاهدوا حركتي ولم يتمكنوا من فعل اي شىء، حاصرت الشرطة منزلي وتم توقيف أخي محمد ولم يطلق سراحه إلا بعد ساعات من الاستجواب”.
إنضمامه إلى جبهة التحرير
في شهر اوت 56 التحق بالي بالمجاهدين، وحدة يقودها حمادوش المدعو “سي صالح”، الذي عيننه مساعدا له، وكاتبا فيما بعد.
يقول: “كنا نشن هجومات خلال ساعات الليل على معاقل العدو، ونقوم بأعمال تخريب ونصب للكمائن، إلى جانب تنفيد الأحكام الصادرة في حق الخونة وأعوان الاستعمار، وفي النهار نقوم بتزويد الفدائيين بالسلاح والدخيرة”.
ويضيف “كنت أرافق “سي صالح” في كل لقاءاته مع الفدائيين، وهدا ما أكسبني نوع من الخبرة، وأصبحت بعد ذلك مكلفا بتمويل الفدائيين وإعداد الخطط. تلقيت تدريبات عسكرية على يد عدد من القادة منهم “العرباوي” المدعو “نهرو” والقائد سي صالح”
في ليلة أول نوفمبر56 “شاركت في عملية هجوم كان يقودها نهرو استهدفت ثكنة سيدي العبدلي، كما شاركت في 29 جانفي في وضع متفجرات في السكك الحديدية “.
يذكر بلحسن بالي أنه في 26 من شهر رمضان “وصلت إلينا من منطقة صبرا 110 جنديا مدربا أحسن تدريب وبمجرد وصولهم وزعناهم على مجموعات صغيرة، وفقا للإمكانيات على كل العائلات حيث بلغ عدد أفراد كل مجموعة بين سبعة إلى ثمانية جنود، وتم تنفيذ العملية التي استهدفت بيت دعارة كان يحتل شرفته جنود فرنسيون استعملوه مركزا للمراقبة بسبب استراتيجية المكان وحساسيته وأطلق الفوج المسلح”.
لقاء العقيد لطفي
ويتابع كلامه “اختارني العقيد لطفي الذي لم أكن وقتها أعرفه، من السبعة الأوائل من دفعة تم تأطيرها. شعرت بفرحة كبيرة لما عرفت أنني ضمن الدين اختارهم العقيد لطفي لتسيير المراكز الأربعة، أفلو، البيض، بشار وفقيق. كانت هذه المنطقة تابعة للناحية الأولى التي كان يقودها الملازم الأول دحماني، ثم كلفت بعملية تمرير سلاح ومجاهدين عبر خط موريس المكهرب الذي يمتد من مرسى بن مهيدي إلى بشار، وتدريب مجموعة من المجاهدين على تقنية نزع الألغام وتثبيتها بين نوفمبر 57 وجانفي 58 ومطلع مارس 58”.
يعود المجاهد بلحسن إلى نضاله مع العقيد لطفي ويقول: “كلفت مرة اخرى من قبل العقيد لطفي بتدريب كتيبة تيميمون بجبل قروز قرب مدينة بشار. قامت هذه الكتيبة في 5 نوفمبر 57 بالهجوم على قافلة من الشاحنات التابعة لشركة النفط الفرنسية فقتلت 16 شخصا واشتبكت مع أفراد الجيش الفرنسي في حاسي راهمبو، فقتلت ستة مظليين وأصابت 12 جنديا آخر. بعد هذه الأعمال البطولة توجهت الكتيبة إلى الناحية الأولى ببشار قرب جبل قروز وكان في استقبالهم العقيد لطفي، الذي هنأهم على العمل البطولي والتضحية والروح الوطنية، وبعد أيام من الراحة نظم العقيد لطفي دورة تكوينية لصالح كتيبة تيميمون تركزت حول كيفية اجتياز الحواجز المكهربة وكان مركز القيادة في قلب “جبل قروز”.
ويتابع قائلا: “في منطقة بني ونيف ببشار، أصبت في حادثة انفجار لغم خلال تكليفي مع عدد من الجنود بإسعاف ونقل مجموعة من الجنود الجرحى الذين جيء بهم من الولاية الرابعة، ومكثت في مسشفى ثلاث أشهر”.
تدوين مواقف
بعد الاستقلال كتب هذا المجاهد مذكراته، التي أصبحت مرجعا للعديد من الأفلام التاريخية.
يقول عن نفسه أنه “يكتب ما عاشه وشهده. كتب عن العقيدين عميروش ولطفي، وألف العديد من الكتب، من أجل إتاحة المصادر والوثائق التاريخية للباحثين والطلبة للإعتماد عليها في دراساتهم، إضافة إلى سد ثغرات في تاريخ المنطقة، وتعزيز شهادات المجاهدين”.
أرشيف للطلبة والباحثين
ما يزال المجاهد والكاتب بالي يكتب ويوثق ما قام به رفقاء الجهاد بالصور النادرة التي جمعها، معتمدا على أرشيف من مقالات الجرائد الفرنسية، دفع فيه أموالا كبيرة لشرائها..
وفي هذا الصدد يقول: “طبعت 33 كتابا على حسابي الخاص، وثلاث كتب تكفلت بطباعتها الدولة. دفعت الكثير من المال في جمع الصور وشراء أرشيف الجرائد الفرنسية، لأضيف الجديد إلى التاريخ، وأسرد التاريخ بالصور والأدلة، وأضعها بين يدي المؤرخين”.
يمتلك هذا المجاهد مجموعة كبيرة من صور شهداء المنطقة، والكثير من الوثائق النادرة، وسلسلة من الكتب، يضعها مجانا تحت تصرف الطلبة والباحثين.
ساهم في تنظيم عدة معارض للصور والوثائق خلال التظاهرات الثقافية المختلفة التي أقيمت بتلمسان خاصة، وأهدى المئات من الكتب الى الجامعات مثل جامعتي بشار وتلمسان، ووزع الٱلاف على مديريات المجاهدين بولايات عديدة.
أسماء مهمشة
يرى المجاهد بلحسن أن تاريخ الثورة التحريرية لم يكتب منه الكثير. ويؤكد ان هناك أحداث أخرى مهمة، وشخصيات قدمت أدوارا متميزة، وشهداء لعبوا أدوارا مهمة في تاريخ المنطقة، وأسماء أخرى ماتزال مهمشة، رغم أنها قدمت الكثير من التضحيات، داعيا في هذا الإطار إلى الاهتمام بكتابة تاريخ الثورة، بموضوعية، بعيدا عن أي ايديولوجيات.