تطرق باحثون في تاريخ الجزائر المعاصر في ندوة تاريخية بمناسبة الذكرى الـ67 لثورة نوفمبر 1954 إلى التنظيم العسكري خلال ثورة التحرير الوطني ، متخذين الولاية الرابعة التاريخية نموذجا.
تناولت أستاذة التاريخ المعاصر لكلية الإعلام والاتصال جامعة الجزائر (03) الدكتورة رشيدة براهيمي في مداخلتهاK الهيكل التنظيمي الذي بنيت عليه الثورة ، وتناولت بإسهاب أدوار حساسة كلف بأدائها الشعب وعناصر جيش التحرير الوطني على حد سواء.
حاولت براهيمي استنباط بعض المبادئ التي جاء بها التنظيم العسكري لجيش التحريرالوطني، في بداياته، وقالت إنه كان لابد أن تنطلق ثورة نوفمبر بكل ما هو متوفر مع قلة الامكانيات، مقارنة بما تملكه السلطة الاستعمارية من عدد وعْدَّة، ومن تجهيزات وأسلحة متطورة جدا، في حين الجزائريون كان لا يملكون الا ما ورثوه وغنموه من الحرب العالميه الثانية من أسلحة بسيطة جدا، ومهترئه تمثلت في بنادق صيد وبأسلحة أكل عليها الدهر وشرب .
وتضيف أن بعض الناس اعتبروا تفجير الثورة مغامرة ، لكن المغامرة كانت مهيكلة وحتى الجنود الذين شاركوا في تفجير هذه الثورة هم النواة الاصلية التي اسست المنظمة الخاصة في 1947 واكتشفت سنة 1950، و اعتقل زعماءها ونفي بعضهم.
كانت المنظمة الخاصة اول من شكل الخلايا العسكرية في الجزائر عند انطلاق الثورة ، وكان الجنود الأوائل من هؤلاء الناس الذين تكونوا في المنظمة الخاصة التي كانت متشددة جدا في تجنيد العناصر الذين يلتحقون بها »..
ونوهت المتحدثة بمدى تحمل أصحاب الأرض كل أساليب الطغيان رغم افتقارهم إلى العتاد الحربي المتكافئ.
وعن هذه الحيثية قالت: « كان العدد قليل وكانت العدة بسيطة لم تكن أبدا في مستوى ما يملكه الاستعمار الفرنسي من عتاد حربي وجيوش ومؤونة، لكن هؤلاء الجزائريين آمنوا بأن الله سينصرهم ولو كانوا فئه قليلة. وقد صبر الجزائريون على الاستعمار الفرنسي الذي كان يزداد يوما بعد يوم طغيانا وجبروتا وتقتيلا وتنكيلا وممارسة لأبشع وأفظع أنواع التعذيب التي تدخل في إطار الجرائم الانسانية..”.
وتشير أستاذة التاريخ الى أن التنظيم العسكري أثناء الثورة التحريرية ارتكز على تقوية وتنمية جيش التحرير الوطني تدريجيا، في شكله ونوعه وأساليب استخدام ليتناسب ومتطلبات تحرير الجزائر. حيث ارتكزت العوامل المؤثرة في صياغة هذا التنظيم. على عشرة مبادئ واعتمدت على الانضباط والتماسك.
وتوضح المتحدثة أن أسس ومبادئ النظام العسكري لجيش التحرير ظهرت بعدما أعلن جيش التحرير الوطني غداة انطلاق الثورة التحريرية عن طبيعة التنظيم العسكري الواجب اتباعه في البيان العسكري المعروف بنداء جيش التحرير، الذي وزع بالتزامن مع بيان اول نوفمبر، وتمت قراءتهما على مسامع قادة وجنود جيش التحرير الوطني مع بداية الثورة التحريرية.
وتؤكد أنه لم يأت اختيار اول نوفمبر اعتباطيا أو عشوائيا إنما يدل على حكمة وذكاء على اعتبار أن فترة أول نوفمبر هي بداية فصل وبداية العطل عند المدارس الفرنسية، وبالتالي كان لابد من الشروع في الكفاح المسلح، لان بداية فصل الشتاء تُمكن الجنود الجزائريين من التحصُّن بالجبال لفترة تمتد إلى غاية بداية الربيع، وهي فرصة تسمح لجيش التحرير الوطني من تنظيم أموره أكثر.
وكشفت الدكتورة براهيمي عن الابعاد العسكرية التي جاءت في نداء جيش التحرير وليس بیان اول نوفمبر، وهي على التوالي:
البعد الاول
كان دعوة الشعب الجزائري للتوحد واستخدام كل قواه للكفاح في سبيل التحرر من أغلال العبودية و القهر ، واسترجاع حقوقه المسلوبة، يعني حتى وانه نداء عسكري ولكنه أشرك الشعب حتى يولد تلك اللحمة بين الجيش والشعب ليكون سند وجدار واحد في مواجهة تعنت الاستعمار الفرنسي.
البعد الثاني
تقوية روح التضامن والتضحية بين قوات الجيش و الشعب، لأن هذا الأخير هو الذي كانت يأوي إليه المجاهدون في حالة مطاردتهم ، وهو الذي كان يوفر المؤونة للجنود أثناء تواجدهم في الغابات والمناطق الجبلية الصعبة التي كان من المستحيل ان تصل اليها المؤونة في أيام بل تمتد إلى شهور. وبالتالي فإن الشعب كان يضع كل ما يملكه رهن إشارة الجنود الجزائريين.
البعد الثالث
مطالبة الشعب بالالتزام والهدوء والتنظيم والعمل على مساعدة أفراد حبيش التحرير الوطني بجميع الوسائل، وهي دعوة صريحة في مرحلة الانطلاق لمسبلين يعملون وسط الشعب لضمان استمرارية العمل المسلح إلى حين استكمال التنظيم العسكري لجيش التحرير.
واستشهدت المحاضرة بما قاله المجاهد بوبكر سالم أنه حضر اجتماع ترأسه كل من قائد منطقة الأوراس مصطفى بن بولعيد ونائبه بشير شيهاني يوم 19نوفمبر 1950 جاء فيه: «كلفت بقراءة نصين بالفرنسية اولهما منشور قصير خاص بجيش التحرير الوطني، من أجل توصيل الفكرة لأفراد الشعب الجزائري الذين كان معظمهم يتكلمون اللغة الفرنسية بحكم التواجد الاستعماري الذي طال أمده في الجزائر طيلة132سنة ،وبالتالي استطاع اللسان أن يتفرنس ولو إلى حين”.
ومع تنامي وتقوية التنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني عدة وعتادا أواخر عام 1955ومنتصف 1956، ذكرت المتحدثة أن جريدة المقاومة الجزائرية وضحت في جوان 1956المعالم الرئيسة لجيش التحرير، التي تجسدت في المبادئ العشرة للجيش منها مواصلة الكفاح إلى أن تتحرر البلاد ويتحقق استقلالها التام، مواصلة تحطيم قوات العدو والاستيلاء على الموارد و الأدوات إلى أقصى حد ممكن، تنمية المقدرة المادية و المعنوية والنفسية في وحدات جيش التحرير الوطني، الجنوح بأقصى ممكن إلى الحركة والخفة وإلى التفرقة ثم الإلتئام بعد ذلك والهجوم ، تقوية صلة الوصل بين مراكز القيادة ومختلف الوحدات ، توسيع الشبكة العاملة على تعزيز نفوذ جبهة التحرير الوطني لدى الشعب لتجعل منه سندا أمنيا ثابتا.
وتحدث الباحث في تاريخ الجزائر العسكري عبر العصور الدكتور كمال بوراس بالتفصيل عن التنظيم العسكري الذي أصبح الآن مرجعا يدرس عبر الأكاديميات العسكرية في العالم، من خلال عنصرين أساسيين اولهما تطور التنظيم العسكري بعد مؤتمر الصومام، والثاني التنظيم العسكري من خلال نص شهادات بعض التقارير.
ويوضح الدكتور بوراس أن مؤتمر الصومام رسم التنظيم العسكري عبر تحديد المسافة الجغرافية التي ينشط بها جيش كل ولاية، وهي مقسمة بدورها إلى 5 أو 6 مناطق.
والغرض من هذا التقسيم هو التحكم الجيد في جميع نشاطات وتحرك جيش التحرير الوطني حتى تسهل عملية التأقلم الجيد مع المنطقة ومعرفة السكان وتوفير نوع من التعاون والتنسيق بين مختلف مناطق القطر الوطني الشاسع.
الرتب العسكرية
ويضيف أنه على صعيد الرتب العسكرية صنفت كما يلي :
الجندي له شارة على كتفه الأيمن مع تحديد مرتبه الذي كان في حدود ألف فرنك قديم.
العريف وهو مسؤول الفوج يضع شارة حمراء على شكل حرف v على كتفه الأيمن، وفق مرتب محدد بألف ومئتان فرنك قديم.
الرقيب هو مسوول الفرقة يضع شارتين حمراوتين مقلوبتين (٨۸) علی كتفه الأيمن وراتبه الف وخمسمئة فريك قديم.
رقيب أول وهو مساعد مسؤول القسم يضع ثلاثة شارات حمراء مقلوبة على كتفه الأيمن وراتبه ألف وثمان مئة فرنك قديم.
مساعد وهو مسوول القسم،
المرشح
الملازم
الملازم الأول
النقيب ضابط ثاني
مقدم ساغ أول
والعقيد.
في التنظيم العسكري، يذكر الدكتور بوراس بأنه من خلال الشهادات والتقارير «الولاية الرابعة كنموذج » تألفت وحدات جيش التحرير من كتائب في الولاية الرابعة، من فرقة الكومندو التي تتكون من 120 إلى 130مجاهدا، تم اختيارهم خصيصا من العناصر الموجودة في الكتائب الأخرى وأعمارهم محددة من 18 إلى 24 سنة.
تكونت في الولاية حوالي ثلاثة فرق كوموندو اولها كوموندو علي خوجة وهو صاحب فكرة إنشاء فرق كومونو التي تضم فرقا متخصصة أو فرق النخبة في البداية كانت تسمى كوموندو بوزقزقة، نسبة إلى المنطقة الاولى وبعد استشهاد علي خوجة سميت باسمه، وفي المنطقة الثانية لدينا كوموندو سي محمد بوڤرة، وكوموندو سي جمال في المنطقة الثالثة .
ويبرز أن الثورة التحريرية فرضت عليها عدة تحديات عسكرية وهي التعبئة الشعبية، والدخول في عملية التخريب الكبرى بغية خوض حرب الأعصاب على اعتبار أن أفضل سلاح لضرب معنويات العدو وهو الحرب النفسية .
اختتم المتحدث بذكر شهادات عديدة، منها تقرير يقول فيه صاحبه الكولونيل ترينكيي وهو أحد ضباط اركان جيش ماسو : «لقد قمنا باستخدام التعذيب ضد المعتقلين بغية معرفة التنظيم العسكري بغرض تفكيكه للقضاء على معركة الجزائر. وفي هذا الصدد يقول إن من ابرز الأسئلة التي كانت موجهة للمعتقلين هي: من هو القائد المشرف عليك الذي تتلقى منه الأوامر، واين يسكن؟، وغيرها من الأسئلة .
ويقدم الباحث كتابا أصدره أحد الضباط الامريكيين، هو الضابط وود مونسى في كتاب الحروب الثورية اخذوا الهند الصينية والجزائر كنموذج ، اهتموا بطبيعة التنظيم العسكري لمعرفة أسراره.
وهذا الكتاب يُدرَّس لحد الآن في الاكاديمية العسكرية بدويس بونت نيونورك، بحيث قدر هذا الضابط قوات جيش التحرير في اقصى حدودها بحوالي 4000 جندي نظامي و55 إلى 10ألف جندي غير نظامي.
وتطرق الكتاب أيضا إلى تحديد الأنظمة الداخلية لنظام جيش التحرير، إضافة إلى ما يحتويه من بنود تتعلق بعقوبات تصل الموت منها الهروب، التعامل مع العدو، الادلاء بأسرار عسكرية، الخيانة العظمى.