“هنا صوت الجزائر الحرة والمكافحة” هكذا كان يبدأ المرحوم المجاهد والإعلامي الفذ عيسى مسعودي، ذي النظارات السميكة والشعر الأجعد الطويل، تعاليقه الحماسية بإذاعة الجزائر الحرة. قال عنه الرئيس الراحل هواري بومدين في اجتماع وزارة الدفاع “نصف نجاح الثورة يعود لجيش التحرير الوطني والنصف الآخر لصوت عيسى مسعودي”.
بفضل عيسى مسعودي التحق آلاف الجزائريين بالجبال، حسب تصريح الإعلامي عيسى عجينة لـ” الشعب “في لقاء سابق.
بفضله إلتحق آلاف الجزائريين بالثورة
تشاء الصدف أن تحتفل جريدة الشعب بالذكرى ال59ـ لتأسيسها في نفس الشهر الذي توفي فيه عيسى مسعودي، الذي كان مديرها في سبعينيات القرن الماضي، وبفضله إرتقت الجريدة من حيث المحتوى والإمكانيات وأخذت صدى وطنيا ودوليا، كان صحفيا ومسيرا مهنيا يشجع الشباب على كتابة التعاليق والإفتتاحيات.
يقول عجينة: “جاء مسعودي إلى جريدة الشعب وهي تعاني ظروفا مادية صعبة بسبب قلة الموارد المالية وسوء سوق التوزيع وأجور زهيدة، قدم مشروع تعريب الإشهار وصدر مرسوم بشأنه وبفضله بدأت جريدة الشعب تتنفس ماليا”.
عجينة: دافع عن مشروع تعريب الإشهار بشراسة
يضيف المتحدث أن المرحوم دافع بشراسة على مشروع تعريب الإشهار واتخذه قضية شخصية، لأن الإشهار أنداك كان باللغة الفرنسية، وجريدة الشعب لم تستفد من حصة منه لأنها معربة، ما جعلها تعاني صعوبات مالية كبيرة بسبب ضعف مداخيل المبيعات.
في المقابل، يبرز عجينة أن المجاهد والإعلامي أعطى جريدة الشعب دفعا وأصبحت تعاليقها وافتتاحياتها في كل القضايا مرجعا للسفارات الأجنبية بالجزائر ووكالات الأنباء الفرنسية والبريطانية التي تسارع لترجمتها والإستدلال بها، وكأنها تعكس مواقف شبه رسمية للجزائر.
ويشير محدثنا إلى أن عطاء مسعودي امتد إلى مجال الإبداع، حيث أنشأ ملحق الشعب الثقافي الذي إستقطب الكتاب والشعراء والمثقفين مثل أحلام مستغانمي، أزراج عمار، وكان مرجعا ينشر فيه الأدباء والمثقفين من كل الولايات.
هواري بومدين: “نصف نجاح الثورة يعود لجيش التحرير والنصف الآخر لصوت عيسى مسعودي”
وكشف عجينة أن عيسى مسعودي كان شاعرا وكاتبا، كتب بعض الخواطر والأشعار وحتى القصص القصيرة، لكن لم ينشرها وفضل أن يبقيها لنفسه، كان يهتم بالمسرح والفنون.
وقال أيضا، في عهد مسعودي لم تبق قضية المفرنس والمعرب مطروحة، حيث فتح المجال للمفرنسين لتحرير مقالات باللغة الفرنسية لتترجم ويعاد نشرها في الجريدة.
وعن شخصيته يقول عجينة: “عندما إلتحقت بالجريدة كنت شابا حيويا يحب الكتابة وشجعني عيسى مسعودي، لم يكن يرفع صوته حينما يتحدث، قليل الكلام حتى قيل انه إنعزالي “.
ويضيف: “تربية الثورة والحركة الوطنية جعلته متحفظا، يتعامل مع الجميع دون استثناء ويشجع الشباب”.
كان قليل الكلام ومهني يشجع الشباب المبدع
وللعلم، محمد عيسى مسعودي من مواليد 12 ماي 1931 بوهران، من عائلة فلاحية فقيرة، تعلم اللغة العربية في المدارس القرآنية، تحصل على شهادة الأهلية بالزيتونة، أرسل سنة 1946 إلى معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة أين درس ثلاث سنوات ثم تابع دراسته بجامع الزيتونة.
إنخرط في حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، وكان عضوا نشيطا، شغل منصب رئيس جمعية الطلبة الجزائريين بتونس عام 1956، إلتحق بصفوف الثورة، حيث أشرف في نفس السنة على انطلاق برنامج صوت الجزائر العربية من الإذاعة التونسية، ثم ترك مكانه للمرحوم محمد بوزيدي، وانتقل إلى الإذاعة السرية لجيش التحرير على الحدود المغربية المعروفة بصوت الجزائر الحرة، فكان رئيس تحريرها وأشهر مذيعها.
عرف المرحوم بالتفاعل الشديد أثناء التعليق على الأحداث السياسية والعمليات العسكرية، وهذا راجع لوطنيته الشديدة إلى درجة أن قيادة الثورة كانت تعتبر إذاعة صوت الجزائر الحرة الولاية التاريخية السابعة.
بتاريخ 12 جويلية 1959، انتقل الى إذاعة الناظور بالمغرب بعد إلتحاقه بجهاز اللاسلكي التابع لجيش التحرير الوطني وبها عُين في إذاعة الجزائر الحرة المكافحة في أكتوبر 1961، عاد إلى تونس ليشرف على صوت الجزائر من إذاعة تونس، حيث كان يعد حصتين أسبوعيتين، مدة كل حصة 15 دقيقة، وكان لنشاطه أثر بليغ في رفع معنويات أعضاء جيش التحرير الوطني والشعب الجزائري.
أول مدير إذاعة وتلفزيون بعد الإستقلال
كان المرحوم أول من تقلد منصب المدير العام للإذاعة والتلفزيون بعد الإستقلال، وشغل منصب مدير جريدة الشعب من ديسمبر 1970 إلى مارس 1972، ثم سفيرا للجزائر في الإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا.