تمر اليوم الذكرى العاشرة لرحيل المجاهد والسياسي المحنك عبد الحميد مهري المناضل الثائر الذي سخّر حياته لخدمة وطن اسمه الجزائر.
المرحوم من مواليد 03 أفريل 1926 بالخروب ولاية قسنطينة، نشأ في وادي زناتي أين حفظ القرآن الكريم وتلقى أول الدروس الفقهية، وأحسن تعلم اللغة العربية.
إنخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري بقيادة مصالي الحاج وهو في مقتبل العمر ثم انضم لحركة انتصار الحريات الديمقراطية.
غداة اندلاع الثورة التحريرية في خريف 1954. اعتقل مهري وبقي في السجن لغاية أفريل 1955. بعد أشهر من إطلاق سراحه عيّن ضمن وفد جبهة التحرير الوطني بالخارج، وشغل منصب عضو في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم في لجنة التنسيق والتنفيذ.
شغل منصب وزير شؤون شمال إفريقيا عند تشكيل الحكومة المؤقتة الأولى، ومنصب وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في التشكيلة الثانية، عرف مهري بمشروع يسمّى باسمه “مشروع مهري” للرد على مشروع ديغول.
بعدما ساهم المجاهد مهري في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي واصل نضاله لبناء الجزائر، فتقلد منصب وزير الثقافة والإعلام عام 1979، ثم سفير الجزائر في باريس بين 1984و1988، ثم سفير لدى المملكة المغربية.
إثر أحداث 1988 تولى مسؤولية الأمانة الدائمة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني ثم أمينا عاما للحزب إلى غاية جانفي 1996.
بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد عام 1992، وإيقاف المسار الانتخابي، التقى مهري ممثلا عن جبهة التحرير الوطني بممثلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، وجبهة القوى الاشتراكية واتفق الثلاثة على عدم اللجوء إلى العنف والمحافظة على الوحدة الوطنية، وحل كل المشاكل العالقة بالحوار.
من دعاة المصالحة الوطنية في العشرية السوداء
كان مهري حكيما في رأيه متبصرا في نظرته، رأى أن سياسة المواجهة التي انتهجتها السلطة بعد إيقاف المسار الانتخابي سياسة خاطئة وستغرق البلاد وتؤدي إلى كارثة.
في العشرية السوداء كان مهري بقيادته لجبهة التحرير الوطني يمثل التيار الوسطي الذي سعى إلى الصلح بين الجزائريين، في اتفاق «سانت ايجيدو» نوفمبر 1994 إلى جانفي 1995، شارك في مساعي المصالحة مع رفقائه في الثورة التحريرية كالرئيس بن بلة، وحسين آيت أحمد وغيرهم من السياسيين، إلا أن أطرافا لم توافق على هذه المحاولة.
وجد عبد الحميد مهري نفسه، منذ بداية الأزمة الجزائرية، عرضة للنقد الموضوعي أحيانا وللتجني الظالم أحيانا أخرى، باتهامه بالخيانة بعد لقاء روما سنة 1995 ثم سحب منه جوازه الدبلوماسي وتعرض لحملة تشويه واسعة، ذنبه الوحيد أنه أراد حقن دماء الجزائريين وإيجاد حل سياسي سلمي للخروج من الأزمة.
تآمر الأعداء على الرجل إلى أن عزل من الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني في جانفي 1996، في هذه المحنة أثبت مهري حكمته وتبصره بالمستقبل وصدق تحليله للواقع، فمن كانوا يعارضون الحل السياسي، الذي ناد إليه المرحوم مهري منذ بداية الأزمة، صاروا يدافعون عن هذا الطرح.
كان عبد الحميد مهري رجلا ثوريا قوميا عروبيا، سياسيا محنكا، ويعتبر أحد أبرز رجالات الإجماع الوطني في الجزائر. رحل المجاهد، لكن مواقفه السياسية ستبقى شاهدة على وطنيته الكبيرة، ودليلا على اتزانه ورصانته وحكمته وتبصره في تحليل الواقع السياسي.
إنسحب من الساحة السياسية وبقى يناضل ويقاوم من أجل التغيير إلى آخر أيام حياته عبر المحاضرات والملتقيات، التي شارك فيها عبر المنابر في ربوع الولايات الجزائرية.
فتح النقاش والمساهمة في حل مشاكل تقف أمام التطور والتنمية، وإزالة كل القيود التي تحول دون حرية التعبير والمتعلق بالمسائل الإعلامية والاتصالية، وكثير من القضايا والانشغالات الوطني.
ترك وراءه إحدى أهم مقولاته حول التغيير في الجزائر حين قال: “التغيير لا يأتي من فوق سواء كان الفوق سلطة أو معارضة”، وكان يعتبر أحد أبرز رجالات الإجماع الوطني في الجزائر.
إن الصفات التي يتمتع بها المرحوم عبد الحميد مهري من صدق وأمانة وعدل ونزاهة وحكمة هي التي تجعل شهادته عن الثورة التحريرية والاستقلال والعشرية السوداء ، ليغادرنا ذات يوم من 30 جانفي 2012.