يؤكد العديد من سكان منطقة رقان جنوب ولاية أدرار ان التفجيرات النووية الفرنسية (13 فيفري 1960)، ستظل شاهدا على وحشية هذا المستدمر الغاشم ومسلسل جرائمه البشعة ضد الشعب الجزائري.
عشية استرجاع الذكرى المأساوية الـ62 لهذه التفجيرات، أوضح عدد من المواطنين ممن عايشوا أهوال هذا التفجير النووي المهول أنهم ما يزالون يتجرعون مرارة هذه الجريمة الشنيعة التي ارتكبت في حق الروح والكرامة البشرية والمأساة التي خلفتها على الإنسان وبيئته.
شهادات من عايشوا هول التفجيرات
قال المجاهد أعبلة عبد الله من مواليد سنة 1938 والذي اشتغل عاملا في حقل التفجير خلال تلك الفترة أنه في الوقت الذي كان الإعلام الفرنسي ما وراء البحر يهلل مبتهجا بنجاح دولته في دخول النادي النووي بهذا التفجير، كان سكان منطقة رقان يواجهون ليلة رعب حقيقية جراء هذا الإرهاب النووي الذي باغتهم على حين غفلة فجر الثالث عشر من شهر فيفري 1960 مخلفا إصابات مختلفة وحالات هلع جراء ضخامة التفجير الذي لم يعرفوه أبدا من قبل .
و خلفت التفجيرات النووية برقان حالات مرضية غريبة وغير مسبوقة لدى سكان المنطقة كتشوهات خلقية لعدد من المواليد الجدد وأمراض العيون والسرطانات إلى جانب تضرر البيئة الذي انعكس سلبا على حجم و نوعية الإنتاج الفلاحي بالمنطقة.
سجلت بالمنطقة إصابات كثيرة بالتشوهات الخلقية لدى السكان، مثل الطفل بايمون عبد الرزاق ذي الـ 20 سنة من قصر انزقلوف برقان الذي يعاني تضخما خبيثا في إحدى ساقيه حرمه من عيش حياته بشكل طبيعي مثل أقرانه ليجد نفسه رهينة متاعب صحية ومعاناة مادية ونفسية.
وأشار المستثمر الفلاحي مبروكي مبارك إلى أن الإنتاج الفلاحي منذ وقوع تلك التفجيرات النووية بمنطقة رقان بات يعرف تراجعا وتغيرا ملحوظا في كمية ونوعية الإنتاج مقارنة بالسنوات السابقة من القرن الماضي.
وتجلى ذلك خاصة في الصحة النباتية للنخيل والاشجار المثمرة والمحاصيل النباتية من الخضروات والحبوب، التي تأثر انتاجها كما ونوعا بهذه المنطقة بعدما كانت واحاتها تؤتي أكلها الوفير ما أدخل الفلاحين في معركة مقاومة مستمرة لإنقاذ واحاتهم من خطر الانحسار والزوال بسبب تلك العوامل.
أمراض غريبة
من جانبه، أوضح رئيس جمعية ”الغيث القادم” لمساعدة المرضى بأدرار التومي عبد الرحمن، أن الحالات المرضية الغريبة التي تفشت في أوساط السكان خلال الآونة الأخيرة تدعو إلى دق ناقوس الخطر للحفاظ على الصحة العمومية، لاسيما بعد تسجيل تشوهات خلقية لدى عدد من المواليد الجدد والإعاقات الحركية والذهنية، إلى جانب تنامي معدلات الإصابة بمختلف أنواع داء السرطان.
وأثبتت التقارير العلمية وجود علاقة سببية بين تلك الأمراض والإشعاعات النووية والتي ما تزال منطقة رقان تعيش تداعياتها الخطيرة.
وتطالب جمعيات المجتمع المدني وحقوقيون بالإسراع في اتخاذ التدابير القانونية والوقائية لمواجهة هذا الخطر النووي وانعكاساته الوخيمة على المحيط العام من خلال توثيق كل المؤشرات التي تدين هذه الجرائم النووية الفرنسية في حق أبناء الشعب الجزائري.
ويطالبون أيضا بتعزيز المنظومة الصحية بالمنطقة بتطهير بيئة المنطقة من الإشعاعات النووية، التي باتت تتقاسم مع السكان يومياتهم ومائهم وتربتهم إلى جانب تدعيم مركز لمكافحة السرطان بأدرار بكل المعدات الطبية المتخصصة.
من جانبه، نفى الباحث في التاريخ الاستاذ عبد الرحمن محرزي في كتابه “رقان .. صراع الموت و الحياة .. جرائم فرنسا” ادعاءات فرنسا التي تقول إن منطقة رقان كانت خالية من السكان خلال تجاربها النووية من أجل تبرير جريمتها النووية أمام الرأي العام الدولي.
وأشار الباحث الى أن التفجيرات النووية برقان “ستبقى جريمة دولة قائمة لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن سيما و أن واقع الحال ماضيا وحاضرا والشهادات الحية تثبت وجود مظاهر قائمة لحياة بشرية ونشاط دؤوب لسكان المنطقة حتى قبل أن تطأ أقدام الاحتلال الفرنسي ترابها وتلوثه بقاذوراتها الاشعاعية الناجمة عن تفجيراتها النووية التي ستظل عنوانا للجرائم الفرنسية ضد الإنسانية”.
وسطرت السلطات المحلية والفعاليات الجمعوية أنشطة متنوعة تتضمن إقامة ندوات تاريخية ووضع في الخدمة هياكل طبية ومرافق عمومية بحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق خلال زيارته للولاية للإشراف على مراسيم احياء الذكرى الاليمة الـ62 للتفجيرات النووية الفرنسية برقان.