نظم المركز الوطني للأرشيف، وقفة تقدير وعرفان لأحد رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سماتي محمد بن العابد الجلالي الصحفي والمعلم والروائي، اليوم.
الوقفة تخليدٌ لأعمال وإنجازات أعلام وشيوخ جمعية العلماء من أجل الحفاظ على مقومات الشخصية الوطنية وحماية هويتنا، بحضور وزيري الإتصال والصحة وأعضاء من جمعية العلماء القدامى.
أشاد عبد المجيد شيخي، مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالذاكرة والأرشيف الوطني، بشخصية الشيخ اسماتي محمد العابد الجلالي في تربية وتكوين النشء، ومؤلف ديوان الأناشيد المدرسية الصادر بتونس في 1939، وقصائد وردت في كتب منها “النصوص الأدبية”، “صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث”، وقصص قصيرة نشرها في جريدة الشهاب، منها “في القطار” في جانفي1935، و”السعادة البتراء نشرت في نفس السنة.
وقال شيخي إن هناك أسماء سقطت من الذاكرة والشيخ بن العابد واحد منهم، وغيره كثيرون، لكنها لم تسقط من التاريخ، ووجب علينا رد الإعتبار لمثل هذه الشخصيات المنسية التي أرست النظام التعليمي في زمن الاحتلال الفرنسي الذي دمر المساجد والمدارس.
وبلغة الأرقام كان بالجزائر العاصمة أكثر من 2000 مسجد ومصلى ومعهم المدارس إما قرآنية أو علمية، وعدد الشهداء الذين سقطوا من 1830 إلى 1862، تراوح بين 7 ونصف إلى 8 ملايين وفق لدراسة قام بها شيخي رفقة المرحوم محمد بوخبزة في1975.
وأضاف: “في إطار مشروع الذاكرة والتوجيه الذي حدده رئيس الجمهورية، نعمل على إعادة الاعتبار لكثير من الأسماء وقد نجد العجب،ونشجع الباحثين للقيام بإسقطات في أبحاثهم ليفهموا ويفهموا الغير بمجريات الأحداث”.
المدرسة الجزائرية فقدت التربية
وقال أيضا: ” نحاول أن نعيد ذاكراتنا لتشتغل بصورة عادية لأن ذاكرتنا أصيبت ربما بشيء من العطب أو من الكسل، علينا إعادة النظر في البحث العلمي ليتناول هذه المسائل حتى نعيد لمقومات شخصيتنا الوطنية الاعتبار الكامل ثم نفكر في التعليم والتربية”.
وشدد مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالذاكرة والأرشيف على ضرورة أن يكون المعلم مربيا لأنه هو أساس التعليم.
وأشار إلى أن المدرسة الجزائرية اليوم فقدت أحد العنصرين، وهو التعليم دون تربية، وهذا ما نلمسه في الشارع والأسرة.
وبحسبه، إعادة الإعتبار بين الثقافة والتعليم والتربية توصلنا إلى الثقافة المتزنة الهادفة، وهذا هو هدف برنامج الذاكرة الوطنية.
وأشار شيخي إلى أن التخصص هو آفة بالنسبة للبحث العلمي في المواد الاجتماعية، فتجد عالم الاجتماع لا يعرف التاريخ وعلم النفس، في حين هي مسائل مرتبطة بمجتمع، ولابد من الترابط بين المواد الاجتماعية حتى نفهم.
رائد التجديد التعليمي
وتطرق الأستاذ خالد محمد خالد، في مداخلة بعنوان” الشيخ محمد العابد المربي والمجاهد”، إلى خصائص هذه الشخصية الذي كانت له نظرة تعليمية تختلف عن المعلمين الشباب لدور المدرسة وحب التلميذ والتضحية وإنفتاحه على العالم، إلتحق بمدرسة التربية وعمره 35 سنة.
وأكد الأستاذ أن الشيخ محمد العابد ترك لنا ميراثا في المدرسة يمكن الإعتماد عليه لبناء منظومة تعليمية رصينة، وقد لقبه الشيخ بن باديس بالمعلم المثالي.
ترك العديد من المؤلفات في الأدب، منها كتاب “تقويم الأخلاق” في1927، ومجموعة من القصائد والأشعار منها ديوان الأناشيد المدرسية.
نفس الأمر أبرزه الأستاذ عبد المجيد غريب، قائلا إن الشيخ سماتي نموذج استثنائي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وطراز فريد مثلما وصفه الشيخ البشير الإبراهيمي، ورائد التجديد التعليمي، صاحب خطة تعليمية في 1935 بتكليف من العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، كان الشهيد مصطفى بن بولعيد أحد تلامذته، وتعلم الشهيد العربي بن مهيدي المسرح عنده.
وإعتبر المحاضر أن ما طرحه الشيخ سماتي أرضية صالحة لننطلق منها في إصلاح التربية والتعليم ببلادنا. وأشار إلى أن ممارساته التعليمية ارتكزت على تعليم الصغار والإنطلاق من مقدرة التلاميذ الحقيقية ويتفاعل معهم من خلال الحوار وتجريب ما يتصل بالعملية التعليمية وربطها بالواقع.
وكان عمله التعليمي دقيقا ومركزا، فكان صاحب أرضية فكرية وممارسة تعليمية.
وسلّط الأستاذ غريب الضوء على تعدد نشاطات الشيخ سماتي في مجال تأليف الأناشيد الوطنية، وتلقينها للتلاميذ لتكوين شخص متوازن وتطوير حسه كي يستوعب معارف نوعية ويوظفها في حياته العامة، كما أنه كان رائدا في المسرح المدرسي ويعتمد في أعماله المسرحية إلى وضع الموضوع ثم التصميم ويوزع الأدوار على الأشخاص، وكل تلميذ يكلفه بقيمة أخلاقية، ورائد أيضا في القصة القصيرة.
وأقيم معرض بالمناسبة للوثائق والصور حول المسار النضالي لهذه الشخصية، ومعرض يجمع نشاطات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.