الطبيب محمد الصغير نقاش،كان الطب مقدسا بالنسبة له، محب لغيره إنساني تميز بأخلاق مهنية، أول من وضع خلايا جبهة التحرير الوطني مكلفون بالصحة.
ولد في 26افريل 1918بلامورسيار بتلمسان، كان من أقدم الثوار بحزب الشعب الجزائري،حركة انتصار الحريات الديمقراطية،أتم دراساته العليا وتحصل على الدكتوراه في الطب بجامعة تولوز.
قدم أطروحته في الطب في 1948،كانت معنونة”المساهمة في دراسة حالة عائلية لمرض هشاشة العظام”.، وسجلت تحت رقم 80 في جامعة تولوز.
بالموازاة لتحضيره للأطروحة،تحصل في تولوز على سبع شهادات في مختلف التخصصات،فأصبح الطبيب المسلم الجزائري الأكثر حصولا على شهادات بين الحربين العالميين،وكانت هذه التخصصات علم المياه في 21 جويلية 1946،علم الكهرباء والأشعة في 1جويلية 1947،علم الصحة في 1جويلية 1946.
إضافة إلى علم الجراثيم في نفس التاريخ،في الطب الشرعي وفي طب الأمراض العقلية في 20ديسمبر 1946،علم أمصال الوقاية من الأمراض الجرثومية في 12جوان 1948،بعد نهاية دراسته استقر كطبيب خاص في حي المزارعين بوهران في 1949.
قام على مستوى عيادته بوهران بتكوين مسعفين خلال صيف 1954قبل اندلاع الثورة،احد أشهر متربصيه خلال الدفعة الأولى كان عبد الحفيظ بوصوف.
عرف هذا التكوين (الإسعاف) الأول انتشارا في القديم،لقد خص 40متربصا جاؤوا من كل مناطق وهران وكانت هناك دروس أخرى في الإسعاف لنساء وهران، وفرها الطبيب نقاش مرتين في الأسبوع في عيادته.
تروي عمران مين في كتابها أن، محمد الصديق بن يحي جاء ليراها في عيادتها في 24ديسمبر 1955،واقترح عليها أن تقوم بتكوين في الإسعاف بوهران عند الطبيب نقاش، وأعلمها بأنه يمكنها أن تقيم خلال التكوين عند أم الطبيب نقاش.
للطبيب نقاش دور رائد في وهران، يقول عنه عبد العليم مدجاوي: ” لقد كان من عادته الاهتمام بالطلبة الذين يبدؤون، أو يكملون دراستهم للطب ويساعدهم في خطواتهم الأولى في الدراسة، أو بداية مجالهم المهني، ولقد اقترح علي إذا كنت موافقا أن إلتحق به في وهران، متى أتيحت لي الفرصة لكي أقضي عطلة الصيف، وللمبيت والحماية عرض علي الإقامة عنده”.
تحولت عيادة نقاش صباح الأحد وأيام الأعياد إلى، فضاء جامعي شعبي أين تنظم كل أنواع الدروس والمحاضرات ودروس المراجعة والتحضير للإمتحانات لتلاميذ الثانويات، والمدارس وأيضا محاضرات مقدمة من طرف أخصائيين حول مشاكل الصحة المتعددة، أسئلة في الموسيقى والرسم وأشياء أخرى،أين يكون معلم مادة تلميذا في مادة أخرى.
ركز الدكتور نقاش على صحة المقاومة ضد الاحتلال، ويذهب بانتظام إلى السوق كل يوم الأحد، مرتديا حذاء وملابس الصيد، حقائب ظهر ولوازم التخييم وأيضا أغطية، ولوازم صنع الرحال من الجلد والأغطية، وعندما يجد منضدة عمل أو أدوات النجارة أو أشياء أخرى يشتريها.
جهز حظيرة كبيرة في منزل أمه لممارسة النجارة، أين كان يأتي لتعلم المهنة شباب من فرع كشافة المدينة تحت قيادة الكشافين الذين كانت النجارة مهنتهم.
كان يحترم أخلاقيات وواجبات الطبيب خلال ممارسته لمهنته.
أصبح نحت مراقبة الشرطة الفرنسية منذ 1 نوفمبر 1954، كان يقيم ويمارس عمله بوهران، لكنه سافر مرات عديدة إلى العاصمة منذ بداية ثورة التحرير.
أعطى محاضرات عديدة للطلبة، يصفه مسعود علي شعال بأنه كان يتمتع بفن تربوي عالمي، يستعمل أفكار بسيطة ليشرح للطلبة.
منذ وصوله إلى تونس كلف بخدمة صحة الجزائريين، لمواجهة النقص الحاد لموظفي الصحة، كان تكوين شبه الطبيين هدفه الأساسي مع ضمان تقديم العلاج للجرحى المنقولين من الثكنات.
في البداية كان المرضى مقسمين على العديد من المنازل المكتراة في مدينة تونس، ثم مجموعين في مكان واحد سمي زاوية بكراوي في تونس.
واصل الدكتور نقاش بعد مؤتمر الصومام أعماله من تكوين وعلاج، وعاد على رأس الخدمات الصحية مع إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
إهتم بصحة الجنود، وأوكلت صحة اللاجئين إلى وزارة الأعمال الاجتماعية للحكومة المؤقتة مسيرة من طرف بن يوسف بن خدة، و احتفظ بمكانته إلى غاية الإستقلال.
أتم في هذا المنصب مهام عديدة من أهمها التكوين الجيد، مع إدخال دروس الإستعجالات الجراحية في منهاج التكوين والإهتمام الجيد بالجرحى، وخاصة الحالات الخطيرة مع إنشاء مركز إعادة التأهيل في إطار التعاون مع يوغسلافيا.
يشهد الجميع بكفاءته وأخلاقه المهنية وإنسانيته، منذ إلتحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني في جوان 1956.
يروي غلبرت ميير في كتابه “التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني”: “هذا الإبن من العائلة الطبية من ندروما برهن على فعاليته بطريقة أخرى…بكفاءته وبحسه التنظيمي، وضع تغطية طبية تضمن كل العلاج من المسعف إلى الطبيب المعالج في غرف التمريض المركزية، في الحدود مرورا بحاملي المرضى والممرضين”.
ويقول لمين خان :” كان محبوبا، لقد كان ينفق بدون حساب”، ومدح في خصاله الرئيس شاذلي بن جديد الذي كان آنذاك مسؤولا عن المنطقة الأولى على طول الحدود الجزائرية التونسية.
إضافة إلى مهامه كمسؤول أساسي في خدمات الصحة، مر الطبيب نقاش بصفة منتظمة في الوحدات، كان في متواجد في كل مكان وعمل ليلا في الثكنات، وأجرى فحوصاته على ضوء المصباح الزيتي على طول الحدود الجزائرية التونسية.
قام بمهام مراقبة النشاطات الصحية وإدارة الصحة على مستوى القاعدة الشرقية، إهتم بأمرين منذ كان مسؤول عن شعبة الطب في الجزائر،السهر على العلاج الأولي في الموضع وإمكانية الإتصال عن بعد، وكان كل القادمين الجدد من أطباء وطلبة ملزمين بتدريب الإسعاف.
أقام في مسكن صغير من غرفتين في مستشفى تونسي، مع زوجته التي كانت تعمل قابلة بمركز الأمومة والطفولة، في نفس المستشفى.
مكلف بالصحة في أول حكومة جزائرية مستقلة
كان محمد الصغير نقاش في رتبة مقدم في جيش التحرير الوطني في 1962، عين بعد الإستقلال وزير الأعمال الاجتماعية في سبتمبر 1963 مكلف بالصحة في أول حكومة جزائرية مستقلة.
وضع نظام علاج قادر على تلبية الإحتياجات المتزايدة للجزائريين، الذين عانوا التقتيل والحرمان من العلاج، أنشأ الصيدلية المركزية الجزائرية منذ 1963، والمعهد الوطني للصحة العمومية في نفس السنة.
فتح عيادة على طريق شاطئ البحر في وهران، أين عمل حتى التقاعد، رحل بصمت في 29 ماي 2010.عن عمر الـ92 سنة.