لا تزال ذكريات مأساة الألغام التي زرعها المستعمر الفرنسي، راسخة في أذهان الجزائريين لما خلفته هذه الأخيرة من ألاف الضحايا قبل الاستقلال وحتى بعده، فقد شكلت هذه الألغام جريمة بكل المقاييس ظل ضحاياها يعانون من مخلفاتها لعقود من الزمن، فكانت عنوان مأساة بقيت تحصد الأرواح وتخلف المعاقين على الشريط الحدودي.
في المقابل، برزت مجهودات الدولة منذ الاستقلال، في تنمية المناطق الحدودية في مختلف المجالات وتطوير الصناعة والتجارة وإستحداث مناصب للعمل، ومد الطرقات وبناء السكنات والمنشآت المختلفة وتعزيز قطاعي الصحة والتربية، وغيرها، وعمل أفراد الجيش على نزع الألاف من هذه الألغام عبر الشريط الحدودي حفاظا على الأرواح والممتلكات.
فضل سكان مناطق الحدودية إطلاق تسمية “خط الموت” على “خط شال” المكهرب، الذي أقامه المستعمر الفرنسي سنة 1958 على طول الحدود الجزائرية التونسية، انطلاقا من بلدية أم الطبول (الطارف) شمالا إلى بلدية نقرين (تبسة) جنوبا، فالناجون من خط شال هم مجاهدون يحتفظون بالكثير من الذكريات الحزينة عن شهداء فقدوا حياتهم بالألغام، أو معطوبين فقدوا أعضاء من أجسادهم وعاشوا معاقين طوال حياتهم.
فلا أحد من سكان هذه المنطقة يجهل أنّ خط شال المكهرب، هو عبارة شبكة مكهربة على طول الحدود التونسية، وذلك على أمل أن تصبح هذه الشبكة سدّا منيعا يعوق تحركات الثوار ويحول دون تموينهم بالسلاح والذخيرة، ما يسهل القضاء عليهم في وقت قصير.
تشكلت تلك الشبكة من أسلاك شائكة بها 6 خطوط مكهربة، عرضها 12 مترا بقوة 15 ألف فولط دعمت بألغام مضادة للأفراد، وأسلاك شائكة متصلة بمراكز الحراسة والمراقبة.
وتعود فكرة إنشاء أسلاك شائكة إلى الجنرال “فانكسام” الذي أراد تطبيقه في الفيتنام أثناء حرب الهند الصينية، غير أنّ ذلك لم يتم، فأطلقت هذه الفكرة الجهنمية في الجزائر على يد أندري موريس، الذي اقترح إنجاز خط مكهرب يفصل الجزائر عن الحدود التونسية في نهاية 1956، وبداية 1957.
ليتبعه قرار إنجاز خط بموازاة خط موريس من الجهة الشرقية في نهاية 1958 وبداية 1959، انطلاقا من غرب وشرق القالة ليتجه جزؤه الأول نحو أقصى الشرق ليبلغ نقطة الحدود التونسية، ويعود على شكل دائري ليتجه من جزئه الآخر نحو الجنوب، محتضنا كل المدن والقرى الواقعة على الشريط الحدودي، ويقترب من خط موريس قرب مدينة سوق أهراس ليتجه نحو الجنوب.
أكثر من 2000 ضحية الألغام
كشف الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين “محمـد الشريف ضوايفية”، أن عدد ضحايا الألغام المضادة للأفراد بهذه الولاية الحدودية قارب 2000 ضحية خاصة، وأنّها مازالت مزروعة بالمناطق الريفية الرعوية والفلاحية والتي تعرف تواجد الرعاة بها.
وكشف “مصمودي فوزي” مدير المجاهدين لولاية تبسة سابقا أن، أكثر من 500 شخص يستفيدون من مساعدات اجتماعية مباشرة في شكل منح شهرية، إضافة إلى الرعاية الطبية والاجتماعية التي تقدم لهم حسب حالتهم الصحية من خلال تحويلهم إلى المستشفيات العسكرية.
وأضاف المصدر أن من بين هؤلاء 108 مجاهد انفجرت عليهم الألغام خلال ثورة التحرير وحوالي 407 تعرضوا لمختلف حوادث الألغام بعد الاستقلال.
فخلال 10 سنوات قامت وحدات من الجيش التابعة لسلاح الهندسة العسكرية، مختصة في نزع الألغام بعملية مسح شاملة للكشف عن الألغام التي خلفها الاستعمار، وهي العملية التي سخرت لها وحدات الجيش أجهزة رصد، وكشف متطورة انطلقت من منطقة بتيتة ببئر العاتر، ثم بلدية صفصاف الوسرى إلى منطقة برزقان الفاصلة بين بلديتي أم علي والماء الأبيض.
لقيت هذه العملية ارتياحا كبيرا ودعما من قبل سكان المنطقة، الذين اعتبروا هذا الإجراء هاما ومصيريا بالنظر إلى الخوف الذي كان ينتابهم كل موسم حرث وحصاد، وكان آخرها الكشف عن 200 لغم مزروع على مساحة 05 هكتارات بنفس المنطقة، باعتبار أنّ ولاية تبسة كانت تتوفر على ملايين الألغام المزروعة من قبل المستدمر يتوجب على السلطات الأمنية، مواصلة الكشف عنها في المناطق النائية وتفكيكها حسب تصريحات مجاهدي المنطقة.
معارك فاصلة درسا في الكفاح
من بين المعارك التي شهدت على بسالة الجزائريين، والتي شارك فيها مئات المجاهدين من الولاية الرابعة التاريخية، والتي تضم حاليا 20 ولاية إدارية، وتعود وقائع المعركة إلي سنة 1958 أثناء عودة أكثر من 600 جزائري سيرا على الأقدام والدواب لحوالي 2000 كلم ذهابا وإيابا من مدينة “المتلوي التونسية” مرورا بمدينة تمغزة.
فالجنود الجزائريين قصدوا الدخول للجزائر من الجهة الصحراوية، بين بلديتي بئر العاتر ونقرين” محملين بكميات كبيرة من الأسلحة قصد توزيعها على المجاهدين بمختلف المناطق لمواجهة العدو، غير أنهم وقعوا في كمين فرنسي قسُّم على 3 قطاعات منها منطقة “سكياس” و«فوريس”، والمنطقة العلوية من نقرين.
سقط في هذه المعركة التي دامت 3 أيام، حوالي 343 شهيد و75 جريحا، عاد معظمهم إلى تونس من أجل تلقي العلاج، مع تسجيل خسائر بشرية ومادية معتبرة في صفوف العدو كسقوط طائرات فرنسية في منطقة سكياس.
مكافحة التهريب.. التحدي الأول
واجهت الجزائر منذ الاستقلال تحديات كبرى منها محاربة جريمة التهريب، بكلّ أشكاله وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وتكييف منظومة تشريعية وطنية لجعلها أكثر ملائمة لطبيعة جريمة التهريب الذي يشكل تهديدا للاقتصاد الوطني، بل يعتبر أكثر الجرائم خطورة لما يخلفه من آثار وخيمة على عدة مستويات، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية الأمنية.
ويذكر أنّ أرقام المحجوزات من معظم المواد كانت، خلال السنوات الأخيرة، تسجل أضعاف المؤشرات الحالية لسنتي 2020/2021، ويعود هذا التراجع لآليات المكافحة من قبل جميع السلطات الجمركية والعسكرية والأمنية تزامنا وتطور آليات التهريب.
وقد تم في هذا الشأن، حفر خندق على مستوى الشريط الحدودي، وانتشار وحدات الجيش الوطني الشعبي مع تكثيف دوريات المراقبة، وأكد المدير العام للجمارك نور الدين خالدي خلال زيارته الأخيرة لتبسة على ضرورة التواجد اليومي في الميدان، وتضافر جهود جميع السلطات للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي تنخر اقتصاد الوطن وتعمل على إنعاش التجارة الموازية.
رصد 240 مليار سنتيم للتنمية
تترجم أرقام التخصيصات المالية المرصودة في مختلف البرامج التنموية بولاية تبسة، الأهمية القصوى التي توليها الدولة الجزائرية لانتشال سكان مناطق الظل بـ10 بلديات حدودية مع الشقيقة تونس، على مستوى بنود العمليات المالية المجدولة في مخططات البلدية للتنمية، والبرامج القطاعية وصندوق التضامن للجماعات المحلية، بعد أن أثبتت الأرقام قفزة نوعية لأغلبية هذه البلديات الحدودية في التكفل بمختلف انشغالات السكان.
وفي ذات الصدد، تضم ولاية تبسة 10 بلديات حدودية بكثافة سكانية تمثل نسبة 33 بالمئة من إجمالي سكان الولاية الذي تجاوز سقف 800 ألف نسمة، تتصدرها بلدية بئر العاتر بأكثر من 96 ألف نسمة ويتوزع سكان الحدود على بلديات بئر العاتر والمريج، وعين الزرقاء والونزة، والكويف والحويجبات وأم علي وصفصاف الوسرى، وبكارية ونقرين، بإجمالي عدد سكان تجاوز 262 ألف نسمة، وعاشت هذه البلديات قبل الاستقلال كباقي مناطق الوطن حالة من التخلف.
وتعرض الرئيس عبد المجيد تبون في عدة مناسبات، أثناء خطاباته المتضمنة تشخيص لمختلف انشغالات المواطنين في مناطق الظل، بما فيها البلديات الحدودية منتقدا الوضعية المزرية لاستعمال أدوات أكل عليها الدهر وشرب في نقل وتخزين المياه، ما يشكل خطرا كبير لأمراض فتاكة، وتبقى اشكالية التزود بالماء رغم المجهودات المبذولة من الدولة النقطة السوداء في المنطقة.
252 مشروع في مخططات البلدية
وبغرض رفع التخصيصات المالية لمجهودات الدولة في تنمية المناطق الحدودية، جاءت مختلف البرامج التنموية لتصب في هذا الاتجاه إلى اليوم، برصد غلاف مالي معتبر في جدول مخططات البلدية للتنمية للفترة طيلة 5 سنوات الأخيرة بقيمة 240.37 مليار سنتيم لمجموع 252 عملية موزعة على مختلف القطاعات.
واستفادت منها بلدية بئر العاتر الحدودية بحصة الأسد بـ26 عملية بأكثر من 38 مليار سنتيم، تليها بلدية أم علي بـ 35 مشروع رصد له أكثر من 28 مليار سنتيم، في حين استفادت بلدية بكارية بـ 13.8 مليار سنتيم لإنجاز 18 مشروع.
وقد أخذت مشاريع التهيئة الحضرية الحصة الأكبر بـ 57.7 مليار سنتيم، سجلت لفائدة 37 مشروع وتأتي مشاريع تزويد المناطق الحدودية بالمياه الصالحة للشرب بـ 75 مشروع بـ48.6 مليار سنتيم من أولوية المشاريع التي تم خلالها مد شبكات المياه الصالحة للشرب، لعدد معتبر من السكان.
في حين، رصد في إطار البرامج القطاعية، التي استفادت منها المنطقة كمشاريع كبرى 85 مليار سنتيم لإعادة الاعتبار لشبكة التطهير بمدينة بئر العاتر، وإنجاز ثانوية بكل تجهيزاتها ببلدية الونزة بـ39 مليار سنتيم، وإنجاز طريق اجتنابي بذات البلدية بـ60 مليار سنتيم، وهذه المشاريع وغيرها من شأنها تحسين الظروف المعيشية لقاطني هذه المناطق.
مشاريع تحققت ببلدية الكويف
على صعيد آخر، كشف مصدر مطلع ببلدية الكويف الحدودية لـ “ الشعب “، عن تسجيل وانتهاء الأشغال في عمليتين ضمن المخطط البلدي للتنمية سنة 2020 بمشروع أول لمنطقة راس لعيون يتعلق بتعميم شبكة الصرف الصحي، ورد الاعتبار للمتدهورة منها، في حين، تضمنت العملية الثانية فتح مسالك ريفية لفك العزلة عن مشاتي بلغيث قصد الولوج لمقر البلدية أو المناطق الحضرية الأخرى.
وخصّص مبلغ 5.4 مليار سنتيم لإنجاز مسلك ريفي لمشاتي النصلة، و3 شبكات تطهير أخرى برأس لعيون في2021، في حين، وجه جزء من هذا المبلغ لتثبيت صهاريح غاز لبروبان للتجمعات السكنية الريفية أين شملت العملية أكبر عدد من المشاتي مع تحري التوازن والعدالة في التوزيع، وهي العملية التي ستخلص سكان المناطق الحدودية من معاناة التنقل لجلب قارورات غاز البوتان، لاسيما في فصل الشتاء مع تسجيل عدة عمليات للربط بشبكة الكهرباء في الأرياف والمناطق الحضرية.
إنتهت أشغال العيادة المتعددة الخدمات في حي لقار، بمشروع قطاعي للصحة والسكان بنسبة 100 بالمئة في انتظار تجهيزها، كما أقترحت عملية أخرى متعلقة بهذا المشروع ظلت مطلبا ملحا للسكان، ويتعلق الأمر بالطريق المؤدي للعيادة انطلاقا من جميع أحياء المدينة، في حين سجلت 12 طلبا لأصحاب الابار الفلاحية بالمناطق الحدودية بالبلدية، استفاد منهم 5 فلاحين من رخص حفر الآبار ما يفتح أفاقا واسعة لتوسيع المساحة الفلاحية المسقية في البلدية والولاية ككل.
مشاريع استثمارية كبرى
لدعم الحركية الاقتصادية ومكافحة التهريب باستقطاب اليد العاملة، عملت الدولة منذ الاستقلال على تطوير الأقطاب المنجمية الكبرى خاصة بالمناطق الحدودية، كبئر العاتر والونزة أين شرع في إنجاز منجم جبل العنق للفوسفات سنة 1964، والذي يعد موردا وطنيا يكتنز ثروة طبيعية متمثلة في مادة الفوسفات.
إذ يعد أكبر منجم لاحتياط الفوسفات بالجزائر بخام يقدر بـ2.8 مليار طن، ولتزايد الطلب المحلي والعالمي على هذه المادة، قامت الدولة بإنشاء خط ازدواجية السكة الحديدية وتحديثها استجابة للقدرات الانتاجية المتزايدة يوميا، لتنطلق هذه السكة من جبل العنق ببئر العاتر إلى عنابة مرورا بسوق أهراس من أجل نقل الفوسفات والحديد وتحسين التسويق، بالموازاة مع زيادة الانتاجية ليعمل هذا الخط مستقبلا على نقل مادة الفوسفات من منطقة الحدبة ببئر العاتر الحدودية أكبر المشاريع المنجمية الجزائرية.
ولحل أزمة المياه بالمنطقة، أنشئ سدين بمنطقة صفصاف الوسرى والونزة، أين وصلت طاقة استيعاب سد صفصاف الوسرى إلى 19.5 مليون مترمكعب، ما يعول عليه لترقية الري الفلاحي والرفع من مستوى تزوّد العائلات بالماء الشروب.
وفي ذات الإطار، عزّزت الموارد المائية بسد ولجة واد ملاق بإقليم بلدية الونزة بطاقة استيعاب 156 مليون لتر مكعب، من أجل تزويد عدد من البلديات منها الحدودية كونزة، المريج وعين الزرقاء.
وفي الشق الرياضي والترفيهي، استفادت البلديات الحدودية من 8 دور للشباب و4 قاعات متعددة النشاطات وملعبين و21 ملعبا جواريا وقاعتين متعددة الرياضات.
وفي ذات الصدد، ساهمت محافظة الغابات في فتح مئات الكيلومترات من المسالك الريفية، وتهيئتها وتصحيح المجاري المائية وغراسة الأشجار المثمرة والأشغال الحرجية، وعملت مديرية الأشغال العمومية وفقا للبرامج المختلفة على إعادة الاعتبار وصيانة الطرق الوطنية والولائية، وحتى البلدية بكل من الكويف والحويجبات وبئر العاتر ونقرين وأم علي.
كما تقترح السلطات المحلية إنشاء 5 أقطاب حضرية جديدة في البلديات الحدودية، في إطار تنشيط هذه المناطق وكهدف استراتيجي ومستقبلي على الأمد الطويل، تحسين واجهة البلاد على الحدود الشرقية وجعلها قبلة للسياح من مختلف الجهات، بميزانية 210 مليار سنتيم لخمسة أقطاب بـ42 مليار سنتيم للقطب الواحد، والموزعة على كل من مناطق عين سيدي صالح بالونزة، وبتيتة ببئر العاتر، ورأس لعيون بالكويف، وبوشبكة بالحويبات، والمريج.