تمر اليوم سنتان على استرجاع الجزائر لجماجم رموز المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي، بعد احتجازها لمدة قرن ونصف قرن بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس (فرنسا)، وهو حدث تاريخي لايزال راسخا في ذاكرة الجزائريين، أشرف عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون.
شملت المجموعة الأولى من رفات شهداء المقاومة التي وصلت إلى أرض الوطن يوم 3 يوليو2020 عديد الشخصيات البارزة في تاريخ الأمة يتقدمهم الشريف بوبغلة، عيسى الحمادي، الشيخ أحمد بوزيان زعيمِ انتفاضة الزعاطشة، سي موسى والشريف بوعمار بن قديدة ومختار بن قويدر التيطراوي، وجرت مراسيم دفن هؤلاء الأبطال يوم 5 يوليو2020 بمربع الشهداء في مقبرة العالية بمناسبة الذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب.
وكانت إعادة جماجم رموز المقاومة موضوع طلب رسمي تقدمت به الجزائر الى فرنسا، حيث تم طرح المسألة خلال مباحثات بين السلطات العليا للبلدين.
وقد أعطى الرئيس تبون هذه المسألة الأولوية في مسعى الحفاظ على الذاكرة الوطنية وصونها، وقد أعلن شخصيا عن إعادة رفات هؤلاء الأبطال في كلمة ألقاها خلال حفل رسمي نظم بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ58 لعيد الاستقلال والشباب، مؤكدا عزم الدولة على إتمامِ عملية استرجاع باقي الرفات حتى “يلتئم شمل جميعِ الشهداء فوق الأرض التي أحبوها وضحوا من أجلها بأعز ما يملكون”.
وبالعودة إلى ذلك اليوم التاريخي الذي وقف فيه الجزائريون عبر مختلف مناطق الوطن، لاستقبال أبطالهم بمطار هواري بومدين، يتقدمهم رئيس الجمهورية، الذي ترأس، مرفوقا بكبار المسؤولين، مراسم الاستقبال الرسمية لشهداء الجزائر الذين أقيمت لهم تشريفات عسكرية تليق بتضحياتهم الجسام، وتم إطلاق 21 طلقة مدفعية وتحية من السفن الحربية التابعة للقوات البحرية وإنزال جوي للمظليين المغاوير بالرايات الوطنية.
وكانت مراسم استرجاع الرفات، حدثا تاريخيا حاسما جسد فيه الاعتزاز بالملاحم البطولية التي بذلها القادة العظماء مخلدين صفحات مشرقة في سجل الأمجاد، وكانت بمثابة جسر أعاد ربط جزائر الحاضر بمرحلة مشرفة من تاريخها ولبنة أساسية لتشييد جزائر جديدة تقدر تضحيات من ناضل في سبيل أن تعيش أبية مستقلة.
ومثلما كانت مراسم الاستقبال مهيبة وتاريخية، فإن مراسم دفن أبطال الجزائر التي ترأسها رئيس الجمهورية بمربع الشهداء بمقبرة العالية، مجدت بدورها تاريخ رجال ناضلوا بكل شجاعة وبسالة ضد الاستعمار الغاشم للحفاظ على كرامتهم وكرامة أحفادهم الذين سيخلدون ذكراهم في الـ3 يوليو من كل عام.
لقد كان الأمر يتعلق بمحطة فارقة في تاريخ الجزائر، حيث أن أوائل المقاومين قد عادوا أخيرا إلى ذويهم بعد سنوات طويلة من عرضهم كغنائم وجوائز حرب من قبل المستعمر.
وقد كانت المشاعر خلال هذه المراسم مؤثرة لدرجة أن العديد من الأشخاص الحاضرين بمقبرة العالية، بمن فيهم كبار المسؤولين في البلاد، وأولهم الرئيس تبون، لم يتمكنوا من كبح دموعهم.
وفي ختام مراسم الدفن، سلم رئيس الجمهورية الأعلام الوطنية التي كانت مسجاة بها توابيت رفات هؤلاء الأبطال الى أفراد من مدارس أشبال الأمة في إشارة رمزية تبرز التواصل بين أجيال الجزائر في سبيل حمايتها والدفاع عنها.
وتم قبل ذلك عرض التوابيت التي تحمل رفات قادة المقاومة الشعبية أمام الجمهور في بهوقصر الثقافة مفدي زكرياء لإلقاء النظرة الأخيرة، وكانت لحظات جد مهيبة اختلطت فيها مشاعر الفرح بالفخر والاعتزاز.
وكان لهذا الحدث ردود فعل إيجابية من طرف مكونات المجتمع الجزائري والشخصيات الوطنية، حيث وصفه رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة دحو ولد قابلية، بـ”التاريخي”، معبرا عن شعوره بالفخر بأن تكون الجزائر قد استعادت كرامتها بفضل مساعي رئيس الجمهورية.