ستبقى معركة جبل خالد ببلدية يابوس (65 كلم غرب خنشلة) التي جرت وقائعها في 15 نوفمبر 1954 ضد قوات الاستعمار الفرنسي، راسخة في الذاكرة الجماعية الوطنية بالنظر لقيمتها الرمزية والبطولية.
كانت تلك المعركة من بين أولى الأحداث البطولية التي خاضها جيش التحرير الوطني بالأوراس ضد الإحتلال الفرنسي، رغم قلة الأسلحة لدى المجاهدين وأمام جيش العدو الذي كان متوفقا من حيث العدة والعتاد مجهزا بأحدث الأسلحة، ويستعمل مختلف الوسائل لإخماد لهيب الثورة التحريرية المسلحة والحيلولة دون انتشارها في ربوع الجزائر.
ومن بين أحد صناع تلك المعركة المجاهد الراحل محمد معاش الذي ذكر في سيرته الذاتية التي تحوز الأمانة الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين بخنشلة على نسخة منها، أن معركة جبل خالد كانت نقطة فارقة في تاريخ الثورة التحريرية بجبال الأوراس.
كيف لا وهي التي كان موعدها بأسبوعين فقط عقب اندلاع ثورة التحرير المظفرة، وعرف فيها المجاهدون المرابطون بجبال منطقة يابوس كيف يطيحون بعدد كبير من عساكر العدو الفرنسي وسط منطقة غابية تقع بضواحي منطقة تاغريست ببلدية يابوس.
ويوضح المجاهد أن ، تلك المعركة التي احتضنها جبل خالد بيابوس على الحدود مع ولاية باتنة إندلعت إثر ورود معلومات استخباراتية إلى قوات الاستعمار الفرنسي تفيد بتواجد فوجين من المجاهدين يقودهما كل من محمد بلبار وإسماعيل غبروري، يحتمون داخل منطقة غابية بشرق منطقة تاغريست بيابوس.
ليهاجم عن طريق قوة عسكرية ضخمة مدعمة بطائرات عمودية واستطلاعية ودبابات مدفعية الميدان تلك المنطقة، و كان يتحصن حوالي 70 مجاهدا.
ويضيف الراحل معاش في مذكراته: ” كنا مضطرين إلى الخروج ومواجهة قوات العدو الفرنسي وجها لوجه بعد أن قامت الطائرات العمودية بقنبلة الخنادق التي كنا نحتمي فيها، لتدوم المواجهة يوما كاملا قبل انسحاب المجاهدين ليلا لتفادي تسجيل خسائر كبيرة في الأرواح بسبب عدم تكافؤ القوى بين الطرفين”.
عرفت المعركة، حسب المجاهد الراحل ، استشهاد 6 مجاهدين منهم قائد الفوج الثاني محمد بلبار و إصابة ثلاثة مجاهدين آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، قبل نقلهم بعيدا عن مكان المعركة لتلقي العلاج اللازم.
سقوط 60 عسكريا فرنسيا
يروي الفقيد : “تلقت قوات العدو الفرنسي ضربة موجعة في معركة جبل خالد، و قدر عدد قتلاها 60 عسكريا وأكثر من 20 جريحا في الوقت الذي غنم فيه المجاهدون بندقية رشاش من نوع ماط49”.
من جانبه، أرجع صالح قليل، أستاذ التاريخ بجامعة عباس لغرور وعضو المجلس العلمي للمتحف الجهوي للمجاهد بخنشلة، أسباب تحكم المجاهدين في معركة جبل خالد إلى عوامل عديدة أهمها وقوعها في منطقة صعبة المسالك لم تتمكن دبابات العدو من الوصول إليها.
إضافة إلى عدم اكتشاف العدو لأماكن تمركز المجاهدين حتى أصبح الجانبان وجها لوجه، ما صعب عليه عملية قنبلة الموقع.
وأبرز المؤرخ في تصريح لوأج بأن كثافة الأشجار بتلك المنطقة الغابية حجبت الرؤية عن طائرات الاستطلاع للجيش الفرنسي، و أن احتماء المجاهدين في خنادق جعلهم في حماية من القنابل من بداية المعركة إلى نهايتها.
ولفت إلى أن ولاية خنشلة كانت تكتسي أهمية كبيرة لدى المجاهدين وقادة الثورة، ما جعلها محط أنظار المستعمر الفرنسي الذي أرادها أرضا في معارك عديدة هامة ضد مجاهدي جيش التحرير الوطني ومن بينها معركة جبل خالد، التي أعطت للعدو الفرنسي درسا في الأيام الأولى التي تلت اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954.
وأكد الأستاذ قليل على ضرورة الاهتمام أكثر بالتاريخ الثوري لولاية خنشلة التي احتضنت مقر الولاية الأولى التاريخية لكي تنال المكانة التي تستحقها، داعيا إلى العمل على حفظ ذاكرة معركة جبل خالد وإقامة متحف بمنطقة يابوس الثورية.