حارب فرنسا 17 سنة قتل خلالها 97000 فرنسيا في 116 معركة، خلع ملك فرنسا و13 وزير حربية فرنسي، وأذل 122 جنرالا فرنسيا.
إنه الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، كان يحمل في يده اليمنى السلاح وبيده اليسرى كتاب الله.
يختار الأمير عبد القادر موظفي الدولة من أبناء الجزائريين وزعماء القبائل، والأعيان، والعلماء، وأصحاب المكانة المرموقة من ذوي الكفاءات والقدرات والملكات الإدارية والقيادية.
تؤكد حفيدة الأمير عبدالقادر، وعضو مؤسسة الأمير عبد القادر، زهور بوطالب، لـ”ذاكرة الشعب”، على عبقرية هذه الشخصية الوطنية في بناء الدولة الجزائرية الحديثة، بجيش ومحكمة وصك العملة ومصنع السلاح ورايته، بالعاصمة المتنقلة الزمالة.
وتشير إلى أن كل موظف في الدولة ابتداء من أسمى موظف وهو الخليفة إلى أبسط الشيوخ، يملك في نطاقه كامل السلطة الإدارية والعسكرية والمالية على قمة السلم، كان الخليفة بتفويض من الأمير الذي كان يمثله يملك السلطة المطلقة في ولايته التي يقود جيشها في وقت الحرب ويتحكم في آغاتها وقيادتها وشيوخها.
وتضيف زهور أن الأمير كان يحكم في قضايا تتعلق بالدولة وقضايا الاستئناف ضد أحكام وقرارات الآغات، وكانت تتجمع عنده الضرائب التي يرفعها الآغات والقيادة والشيوخ. ومدة خدمته غير محددة؛ لأنه كان يختار لكفاءته وإخلاصه.
وتؤكد المتحدثة: ” قد تبين أنهم جميعاً أهل لثقة الأمير، فلم يخن أي منهم هذه الثقة على الرغم من محاولات العدو رشوتهم”.
وأبرزت محدثتنا إنسانية الأمير في التعامل مع الأسرى المسيحيين، فهو أول من أرسى قواعد القانون الدولي في حقوق الإنسان، فلم يكن مجرم حرب مثلما فعل جنرالات فرنسا في الجزائر.
وتقول: ” اشتهر كرجل دولة مكافح سلمي، يتحاور مع مختلف الديانات، ويتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ترك بصماته في العالم العربي الإسلامي”.
وتشير حفيدة الأمير عبد القادر إلى أنه حين نتكلم عن القمة العربية فالأمير طلب منه آنذاك في الشام أن يكون سلطان العرب ورفض لإفشال مخطط الانجليز والفرنسيين في القضاء على الدولة العثمانية، وكان يقول أنه يكون تحت الحكم العثماني الذي هو إسلامي أفضل من أن يكون تحت السلطتين الفرنسية والانجليزية التي إحتلت بعض البلدان العربية.
الأمير كان يحترم المرأة
وعن نظرة الأمير عبد القادر للمرأة، تؤكد زهور أنه كان يحترمها كثيرا والدليل معاملته لزوجته لالا خيرة ابنة سيدي علي بوطالب التي كانت ابنة عمه، وساندته في جهاده إلى غاية وفاتها.
وتشير إلى أنه كانت تجمعهما قصة حب جميلة، ورغم زواجه من نساء أخريات بسبب ظروف الحرب إلا أنه بقي وفيا لها ونظم لها أحسن الأبيات الشعرية.
وتضيف محدثتنا أن والدة الأمير كانت مستشارته وصديقته والمربية التي علمته القرآن، فكانت تسهر على شؤون الأسرى وتعالج الجرحى، واصفة إياها بالمرأة العظيمة التي تمثل المرأة الجزائرية المتحضرة.
وانتقدت حفيدة الأمير عبد القادر، الحاقدين الذين يتهمون مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة بالعمالة والماسونية، وهو الذي تولى منصب سلطان الجزائر في 20 نوفمبر 1832.
تقول: ”رغم التاريخ الحافل الذي يحمله هذا الرجل، لكننا نلاحظ منذ سنوات حملة ممنهجة تسعى لتشويه الأمير عبد القادر الجزائري أحد أعظم أبطال الأمة، والذي أتى في قرن كان فيه أبطال الأمة نادرون، ونلاحظ أنهم يتبعون أسلوب التكرار في نشر الإتهامات لكي نتقبلها بشكل تلقائي مع مرور الزمن”.
وتشير إلى أن هذه الحملة المسعورة يعود أصلها إلى كتاب (حياة عبد القادر) الذي ألفه الدبلوماسي البريطاني، شارلز هنري تشرشل، ذي التوجه المعادي لأمتنا، وهو أيضا أحد رواد فكرة إقامة دولة إسرائيل في أرض فلسطين.
وتضيف: ” نقل هذا الإفتراء كتاب ومفكرين عرب وأهمهم جورجي زيدان، والذي كان له دور كبير في نشر معلومات تاريخية خاطئة تشوه تاريخ أمتنا”.
وتبرز بوطالب أن الإستناد التاريخي الذي يستند له تشرشل في إتهام عبد القادر الجزائري بالماسونية، هو نعي الحركة الماسونية للأمير عند وفاته وإدعائهم بأنه منهم.
وتؤكد: ”هنا أرد وأقول إن النعي لم يكن بسبب أن عبد القادر ماسوني أو عميل، بل كان بسبب العمل البطولي الذي قام به عندما أنقذ 15 ألف مسيحيا في دمشق من الإبادة في الأحداث الدامية التي وقعت في 1860”.
وتطالب حفيدة الأمير عبد القادر بترسيم يوم وطني لمبايعة الأمير عبد القادر.
دوره في خلع ملك فرنسا
تبرز حفيدة الأمير أنه نتيجة 17 عاما من قتال عبد القادر الجزائري المستمر ضد الإحتلال الفرنسي، إستنزفت الخزينة الفرنسية ومقدراتها في معاركها في الجزائر، ما أدى لزيادة المجاعة والبطالة والأزمات المالية في فرنسا.
وأدى هذا لإشتعال ثورة 1848 وخلع ملك فرنسا لويس فيليب بعد شهرين فقط من نهاية حكم وحروب الأمير عبد القادر.
آخر سنوات عبد القادر
بعد إطلاق سراح الأمير عبد القادر، عاش في إسطنبول لمدة أربعة أعوام ثم إنتقل لدمشق ليستقر فيها في 1856م وعمل مدرسا في المسجد الأموي، وعند وصوله تسابق أهل دمشق وحلب لبناء القصور له فكان من نصيبه عشر قصور في دمشق وثلاث قصور في حلب، وبقي معروفا بلقب الأمير.
سافر فترة قصيرة إلى مصر، ليدعم مشروع قناة السويس وعامله حاكم مصر إسماعيل الخديوي معاملة تليق به، فجعله مقدما عليه وأعطاه صدر المجالس تقديرا له.